جريفثس ووهم الفقاقيع والسراب

> أحمد عمر حسين

> حقيقة لا أنكر بداية أنني تفاءلت كثيرا حينما تم اختيار السيد مارتن جريفيثس مبعوثا دوليا وممثلا للأمين العام للأمم المتحدة، خلفا لإسماعيل ولد الشيخ، وتفاؤلي جاء كتفاؤل غيري وهم كثير، لأنه غربي وبريطاني وكنا مقدرين أنه لن يكون كسابقيه من المغاربة العرب الذين تجاهلوا قضية الجنوب منذ تكليف الأخضر الإبراهيمي في حرب 1994م إلى جمال بن عمر ثم إسماعيل ولد الشيخ.

لقد كان لدي أمل أن الغربيين لا ينافقون، ولكن للأسف خاب ظني، إذ إنه كلما تقدم خطوة وألمح أو ذكر قضية الجنوب، يعود بعدها خطوتين للوراء ليتناسى الواقع الذي نعيشه غير القابل للعودة لما هو قبل 2015م، فهناك وقائع جديدة ذهب في سبيلها آلاف الشهداء وضعفهم من الجرحى والمعاقين.
إن حرص جريفيثس على صناعة بهرجة إعلامية ودعاية قبل كل إحاطة ينوي تقديمها، ليست الطريقة الأمثل للوصول للحل السياسي الشامل والسلام المستدام والعيش المشترك والتعاون المثمر، لأن الدعايات والبهرجات والمؤتمرات التي يعقدها بعيدا عن القوى المؤثرة والفاعلة على الأرض، لن تأتي بالحل بل قد تكون أشبه بالمسكنات.

جذر المشكلة ومفتاح السلام هي قضية شعب الجنوب واستعادة دولته أيها السيد مارتن جريفيثس، والهرب منها أو من وضعها على طاولة مجلس الأمن، لن يلغيها من ضمير ووجدان الشعب الجنوبي، فهي الحاضرة رغم التجاهل وستعبر عن نفسها ولن تعدم الوسائل، لأن شعب الجنوب لايزال حياً وسيظل كذلك إلى ما شاء الله.
اللجوء إلى فقاقيع صابونية ووهم السراب قبل كل إحاطة تقدمها لن تأتي لك بمجد شخصي ولن تحقق النجاح كما تتوهم.

الأطراف الفاعلة موجودة ومن المخجل أن تلتفتوا لطرف وهو الحوثي، وتتجاهلوا الشعب الجنوبي ومجلسه الانتقالي، فهو الطرف المكافئ والموجود بمقاومته الجنوبية على أرض الجنوب، ولم تذهب تضحيات أبناء الجنوب لكي تعيد بدمائها وأرواحها نفس سلطات الشمال، حوثية أو إخوانية إصلاحيه، فما بعد الحرب والتضحيات ليس كما قبلها وأنت تدرك ذلك.

هناك جرح وتقيحَ كثيرا، ولقد آن الأوان حتى لا ينفجر في المنطقة، ذلك الجرح المتقيح هو حدث 22 مايو 1990م وما بعده، وهو مشروع طغت عليه الأحلام وفشل أو تم الغدر به وتم ذبحه، ولذلك فإن رجوع الدولتين لما قبل 22 مايو 1990م هو الطريق الأمثل، ودعم الشعبين في الشمال والجنوب على طريقة بناء دولتيهما بتعاون إقليمي ودولي بما يحقق الاستقرار السياسي والأمني فيهما والمنطقة.

نحن نعلم أن الدول الخمس الكبرى تتحكم بالملفات الدولية وبالعالم، ولكن هذه الدول أيضا لا تتجاهل وقائع الأرض، والدليل تعاونهم مع الحوثيين والاعتراف بهم كسلطة أمر واقع يصعب تجاوزها كما تصرح معظم الدول وفي مقدمتها الخمس العظمى، فتلك الدول دائما ما تجد وسيلة للتفاهم وترشيد القوى الصاعدة والمؤثرة على الأرض لكي تتفاهم على مصالحها.

السيد جريفيثس أعد توجيه بوصلتك في الاتجاه الصحيح إذا أردت أن توقف هذه الحرب العبثية، فالسلام سيتحقق بالاعتراف بقضية شعب الجنوب واستعادة دولته.
هل تستطيع التجرد والنظر إلى الوقائع كما تعبر عن نفسها، أم أنك تريد أن تسمع لوقائع الفنادق وتسليات الإعلام المضحك في الفاضيات والتي تلحق الهزائم يوميا بالحوثي من خلال تسليمه المواقع والأسلحة بردا وسلاما من غير جرحى ولا قتلى؟

اليوم قد تكون لك كلمة وذات تأثير وتحقق فيها منفعة للجميع، وأولها وقف الحرب والاعتراف بالأطراف الحقيقية على الأرض، وليس بالأطراف المهاجرة في دول الجوار.
إذا فاتتك الفرصة قد لا تعود بل قد تتحول إلى غُصة خانقة لك ولسمعتك كمبعوث سبقه صيت كبير قبل تولي المهمة في اليمن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى