في مدينة زنجبار عاصمة أبين.. الماء والخضرة والوجه الحزين

> تقرير/ فردوس العلمي

> دفعت محافظة أبين ثمناً باهظاً خلال العقد الأخير من الزمن نتيجة انعدام الاستقرار والإهمال، وتعرضت للدمار والخراب نتيجة اجتياحها من قِبل تنظيم أنصار الشريعة في العام 2011م، وجماعة الحوثي في العام 2015م.
وما زالت عاصمة المحافظة زنجبار المدينة الجميلة التي يحيط بها الجمال، وتتوسط الماء والخضرة والشواطئ الخلابة.

على أحد جانبي الطريق الإسفلتي الرابط بينها وبين مدينة عدن، يمتد ساحل أبين على مرأى البصر بشواطئ جميلة لا تجد لها مثيلاً عذراء كاشفة جمالها الساحر، تداعبها مياه البحر النقية كمرآة تشاهد وجهك بها.
وعلى الضفة الأخرى يمكن للزائر رؤية سحر أبين الفريد المتمثل بخصوبة الأرض ونسمات الهواء العليل وروائح الورد ومنظر الفواكه والخضروات وكل مفردات الطبيعة الخلابة.

خلال جولتي إلى محافظة أبين، ارتسمت في ذهني صورة قديمة لمديرية زنجبار المظلومة من قِبل الحكومات المتعاقبة ومن أبنائها.
المدينة الوديعة حملت مشعل العلم والنور رغم ما حل بها من كوارث وآلام، تملكتني بسحرها وجعلتني أراجع ما علق بالذاكرة من صور مأساوية ولساعات محدودة في زيارتي إذ وجدتها كطفلة يتيمة فقدت والدها وتخلى عنها إخوتها تعاني الجوع والحرمان.

منطقة عامرة بالخيرات
تبعد مديرية زنجبار عن عدن حوالي بـ 75 كيلو، وتقع محافظة أبين على الشريط الساحلي للبحر العربي الذي يمتد أكثر من (300) كيلو متر، وتبعد عن صنعاء بمسافة (427) كيلو مترا، وتتصل المحافظة بمحافظتي شبوة والبيضاء من الشمال، والبحر العربي من الجنوب، وبمحافظة شبوة من الشرق، وبمحافظتي لحج وعدن من الغرب.

مديرية زنجبار يشكل سكانها 2.2 % من إجمالي سكان اليمن، وهي مقسمة إدارياً إلى (11) عزلة ومدينة، والزراعة والاصطياد السمكي النشاط الرئيسي لسكان المحافظة، إذ تشكل المحاصيل الزراعية ما نسبته 4.4 % من إجمالي الإنتاج الزراعي في البلاد، وأهم المحاصيل الزراعية المنتجة في المحافظة هي القطن طويل التيلة والخضروات والفواكه، حسب ما أورده موقع "ويكيبيديا".

على جوانب الطريق تنتشر كثبان الرمال الناعمة التي تزحف على الطريق، وتعيق كثيراً سرعة المركبات في الخط.
وأنا في طريقي إلى أبين على الحافلة عادت بي الذاكرة لاستحضار ذكريات النزوح القسري في عام 2015م، عندما سلكت هذا الطريق صوب المكلا وما زالت آثار دمار الحرب ومخلفاتها على الطرقات.

ارتفاع أجرة المواصلات
في محطة الهاشمي بالشيخ عثمان محطة النقل الرابطة بين محافظة أبين وعدن، لا صوت يعلو فوق صوت النقابة (نقابة النقل)، وأول موقف يصادفني أجرة المواصلات (900 ريال) وهو مبلغ كبير، بحسب ما يقول المواطنون، ومؤخراً ارتفعت أجرة النقل من 800 إلى 900 ريال دون سابق إشعار، وبسبب ذلك تشاهد تذمراً كبيراً بين أوساط الركاب وبين متعهد الفرزة (محصل النقود) الذي يقول إنه يمثل النقابة في المحطة.

ما زالت الناس تقاوم وترفض الانفلات الحاصل في أسعار الخدمات، وفي الفرزة ثمة عدد من الركاب انسحبوا من الحافلة بهدوء ليتركوا الحافلة، رافضين زيادة سعر رسوم النقل، وفي مرحلة ما بعد الحرب تحول متعهدو فرزات النقل إلى حكام لهم كلمتهم الأولى في تعرفة رسوم النقل التي يحدثوها بشكل مستمر تحت يافطة العمل النقابي الذي لم يعد له وجود يذكر في البلد.

انطلقت الحافلة بعد اضطرار عدد من الركاب بقبول التعرفة الجيدة على مضض ودفع كل واحد منهم (900 ريال) لحاكم الفرزة وبرفقة صديقتي أم الشهيد، وكان الخوف يمتلكني وأنا أغادر مدينتي أول مرة منذ العام 2015، وما زال في ذاكرتي الكثير من الأخبار المؤلمة القادمة من محافظة أبين منذ العام 2011م.

في الطريق الرابط بين محافظتي أبين وعدن ثمة كثبان رملية كبيرة تمتد على الطريق بدأت تزحف على الخط الإسفلتي، لتشكل خطراً على السيارات ومستخدمي الطريق من المسافرين إلى المكلا وغيرها من المحافظات، وفي الطريق ثمة رجال مسنون يعملون بجهد لرفع الرمال من الطريق بأدوات بسيطة، يعملون تحت أشعة الشمس الحارقة، يحاولون قدر استطاعتهم رفع الأتربة الرملية الناعمة من الطريق مقابل ما يجود به لهم بعض المسافرين.

وعلى الطريق الشاطئي لا تجد إلا بعض العشش المتناثرة هناك التي تختزل معاناة سكانها وثمة إمكانية لتحويلها إلى مدن سكنية وفرص لاستثمار سياحي يشكل مصدر دخل للمحافظة ومساحات شاسعة لتخطيط الخدمات.

مساحات شاسعة ومصانع مغلقة
مدينة زنجبار صورة مصغرة لمدينة عدن، وأنت فيها تجد بعض تفاصيل مدينة عدن، وأنت فيها أيضاً تجد نفسك في أحد أسواق عدن ذات التخطيط العمراني للوحدات السكنية مشابهة لوحدات سكنية قائمة في عدن، ووجوه الناس مألوفة والمحلات تجارية تشبه محلات سوق الطويل في عدن أو أسواق الشيخ عثمان.
زنجبار مدينة تحمل الكثير من عدن، تكتسي ملامح تمدن عدن، وترتدي ثوب أصالة الريف وكرم ضيافته.

جهاد عوض
جهاد عوض
يقول جهاد عوض، وهو أحد سكان زنجبار: "مدينة زنجبار ومحافظة أبين ظُلمت وحُرمت من قِبل السلطات والحكومات المتعاقبة ومن قِبل أبنائها الذين فضلوا مصالحهم وولاءاتهم الحزبية والسياسية على حساب أهلهم ومدينتهم".

ويضيف جهاد في حديثه لـ«الأيام»: "مدينتنا دفعت ثمناً باهظاً وعصفت بها الصراعات، ودمرتها الحروب، وحولتها إلى خراب وأثر بعد عين، ومع هذا تبقى أبين بتاريخها وعاداتها وموروثاتها الشعبية باقية وخالدة في قلوب مواطنيها أين ما حلوا ورحلوا، لهذا لن يعيد بناءها وإظهار محاسنها والتعريف بها وعودة كل جميل فيها غير أبنائها والأجيال القادمة".

وتابع: "أبين جميلة وتستحق الزيارة، وهناك مناطق فيها مثل باتيس تحتوي على مناظر طبيعية خلابة لبساتينها والمياه الكبريتية العلاجية التي يقصدها الزوار، ومصانع الإسمنت وغيرها".
ويقول ناصر الناصوري: "أبين سلة غذائنا، وعندما تم تدميرها والتآمر عليها كان الهدف من ذلك حرمان الجنوب من الغذاء والخضار، وإلى جانب أبين لحج الخضراء، وقد تعرضت الأراضي الزراعية في لحج وأبين للتدمير والعبث، في حين أجبرت الأوضاع الاقتصادية الكثير من الشباب للالتحاق بالجيش وهجروا أراضيهم الزراعية".

عزيز ناصر
عزيز ناصر
من جهته، تحدث لـ«الأيام» عزيز ناصر عزيز قائلاً: "زنجبار تشتهر بزراعة الموز والحناء وأيضاً المانجو والباباي وباقي الخضروات، ويوجد فيها مصنع الأسماك شقرة، ومصنع أسمنت الوحدة باتيس، ومحلج القطن بالكود، ومصنع 7 أكتوبر للذخيرة في خنفر، وهي مدنية تمتاز بطيبة أهلها وببساطة قاطنيها، وفيها الاندماج والتعايش مع كل الأطياف، لا تشعر بالغربة وأنت قادم إليها، وتحتضن الناس من كل مكان.

طرقات مهملة
سالم عكف
سالم عكف
الأخ سالم عكف، مدير عام مديرية زنجبار، قال لـ«الأيام»: "تاريخ زنجبار الحديث بإعادة ترتيب أحيائها بدا في مطلع القرن الميلادي الثامن عشر حوالي في 1860م من خلال تقارب الأحياء بوضعها الحالي".
وأضاف عكف: "يبلغ عدد سكان المدينة 60 ألف نسمة تقطنها خمس عشر ألف أسرة، وعدد الأحياء السكنية فيها 14 حياً سكنياً، وتم توزيعها حالياً إلى 28 حياً بهدف تسهيل الحركة والسيطرة على توزيع المساعدات".

ويؤكد مأمور المديرة أن طرقات المدنية لم تجد أي اهتمام يذكر بعد الوحدة باستثناء فترة تولي م. فريد مجمور محافظاً للمحافظة، وتبعه م. أحمد بن أحمد الميسري محافظاً، إلا أن الظروف التي حصلت في البلاد أعاقت كثيراً من المشاريع التي كانت ستسهم بشكل كبير في تطوير المديرية.
وتابع حدثه لـ«الأيام»: "حالياً وبالرغم من الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد إلا أنه هناك خطوات تنفذ لعمل مشاريع لاستغلال دعم الصناديق والمشاريع في إعادة البنية التحتية للمدينة".

سلة الغذاء
أبين سلة غذاء، هكذا يصف الكثير محافظة أبين؛ لخصوبة تربتها، فالمحاصيل الزراعية فيها ذات جودة عالية، يقول سالم عكف بأن "هذه المحافظة تزرع الحبوب بمختلف أنواعها، والفواكه منها الموز والمانجو والباباي، وغيرها من النباتات، وكذلك الحمضيات مثل الليمون الحامض".

صعوبات
ويضيف مدير عام المديرية، سالم عكف: "إن المديرية تعاني من صعوبات كثيرة بسبب انعدام الموازنة التشغيلية وشحة الموارد"، موضحاً أنه "ليس لدينا إلى الآن أية ميزانية، ونعتمد على ما نحققه من تحصيل إيراد يتم صرفها في بنود ميزانية وضعت قبل ثمان سنوات لا تفي بشيء".
ويشير في حديثه لـ«الأيام» إلى تخلف وتدهور التعليم في المديرية بسبب نتائج الحروب الكارثية، وعدم وفاء الحكومات المتعاقبة بالتعويض لسكان المديرية من جراء ما لحق بهم من حرب القاعدة في عام 2011م.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى