"كورونا" رعب بمسيرة شهر

> إن كثرة الأخبار والفتاوى التي توجّه بإغلاق المساجد، وإيقاف التعليم، ومنع خروج الناس من بيوتهم، وإقامة حظر التجوال عليهم بأوقات عجيبة، كانت أشد وقعاً وألماً وخسارةً وبُعداً وكُلفاً عليهم من المرض نفسه، بل إن بعضهم لربما أراد رؤيته وهل سيكون بنفس الحجم الذي صُور له أم لا؟

وحيث إن المتصفح والمطلع على جميع الأحاديث والآثار الصحيحة التي تضمنت موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام من انتشار مرض الطاعون (الذي قِيس عليه فيروس كورونا) يتبين له موقفهم على حالتين:

الأولى: أن يكون المرض منتشراً في دول مجاورة، وليس منتشراً في الدولة أو المنطقة المعنيّة (مثل حالنا الآن)، وفي هذه الحالة فإن الأحاديث والآثار تحث وتمنع وتحرّم السفر إلى تلك الدول (الموبوءة)، أو أن يُسمح لأحد من تلك الدول بالسفر إلى مناطق أو دول أخرى سليمة؛ بمعنى أن النهي بالنسبة للدولة أو المنطقة (السليمة) يكمُن في السفر من أو إلى المنطقة حدودياً، ولم يكن النهي عن حرية التنقل داخل المنطقة نفسها، أو تعطيل معاش المواطنين، أو منع المساجد من أداء صلاة الجمعة والجماعة في المنطقة السليمة.

الثانية: أن يكون المرض منتشراً داخلياً في المدينة أو الدولة نفسها، فهنا يصح الحجر، وحظر التجول الداخلي فيها تجنباً من انتشر المرض وانتقاله من شخص إلى آخر، والحث على لزوم البيت.

أما نحن في اليمن - ولله الحمد - فإن الدولة ووزارة الصحة لم تعلن حتى الآن عن أي إصابة أو حالة اشتباه، فعلى أي أساس يفرض الحجر، وتقفل المساجد، وتعطل المصالح الداخلية، وتوقف المدارس والجامعات؟!
أليس كان الأجدر والأنفع بدلاً من هذا الصنيع أن يغلقوا الحدود فقط عملاً بالسنة إذا كانوا يقصدون بذلك جانباً دينياً؟!

أما بالنسبة لمَن يتعذر أو يتحجج بما حصل أو صار في إيطاليا، ويريد أن يقيسه علينا، فإن قياسه باااااطل جداً؛ لأن خطأ إيطاليا لم يكن داخلياً (أي ليس لأنهم لم يفرضوا الحجر الداخلي)؛ بل لأنهم لم يفرضوا الحجر الخارجي الحدودي (أي لم يغلقوا الحدود مع الدول الأخرى المجاورة لها الموبوءة قبل دخول المرض إليها)، فإن كما هو معلوم أن دولة إيطاليا تنعم بسياحة كبيرة قد تصل إلى آلاف الزائرين من دول ومناطق أخرى (قد تكون موبوءة) في اليوم الواحد.

كما أن على من يقول إن الطب عندنا في اليمن ضعيف وربما قد يكون المرض موجوداً ونحن لا نعلم، أن يعلم أن الطب في اليمن حالياً أمنع وأقوى مما كان عند مَن سنّ الحجر الصحي أو عدم التنقل من مكان إلى آخر أثناء انتشار المرض (في عصر الصحابة والتابعين)، حيث اعتمدوا في حكمهم على طِبهم في ذلك العصر ولم يستأنسوا بالطب الفارسي أو الرومي في ذلك الزمان، وأنه لا تَكلُّف في هذا الجانب دام أنه قد ثبت شرعية الطب هنا.
بمعنى أن الطب في اليمن حالياً يصح أن تُبنى عليه الأحكام الشرعية في انتشار المرض أو عدمه والذي يترتب عليه جواز إغلاق المساجد وتعطيل الحياة اليومية العادية أو منع ذلك.

وإن من المضحك أيضاً أن يعتقد البعض - للأسف الشديد - أن الوباء قد يكون منتشراً حالياً، وأن هذا الحجر الصحي قد يكون تخفيفاً من انتشار الإصابة بالمرض بين أوساط الناس، معللين ذلك بأن المرض قبل ظهور آثاره على المصاب يأخذ وقت حضانة (قد يصل إلى الأسبوعين) في جسم الإنسان المصاب، وأنه قد لا تُكتشف إصابته بالمرض بشكل صريح إلا بعد أن تكون قد انتقلت عدواه لمن حوله من الآخرين.. فإن الناظر بعين التوكل والاعتبار معاً لا يجد لكل تلك الاحتمالات (الضعيفة) باباً أو حجةً (كافيةً) لإغلاق أبواب المساجد في أوجه المصلين، وإجبار أئمتها على ذلك، أو تعطيل العلم والتعليم لأجل ذلك، بالإضافة إلى أنه كما كان من المعقول أن المرض يمر بوقت حضانة بحيث لا تظهر آثاره إلا مؤخراً، كذلك من المعقول أيضاً أن تلك الحضانة تتراوح من شخص إلى آخر بحسب البُنية والعمر والمناعة، وأنه إذا كان منتشراً لتم اكتشاف حالة واحدة فقط على الأقل لنستطيع أن نحكم بذلك.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى