> راؤول السروري

راؤول السروري
راؤول السروري
ظهر فيروس كورونا ليحدث خلخلة، ليست اقتصادية وحسب، بل اجتماعية أيضاً، وكان ظهوره كنتاج تحدي الإنسان وتطفله على الحياة البشرية، من خلال ما توصلت إليه ثورة الأبحاث العلمية في شتى المجالات، حيث أدى شغف الإنسان في الدول المتقدمة إلى الذهاب لاكتشاف حقيقية الأمور الضارة بيئيا للحياة على كوكب الارض، وتسخير تلك الأمور لما تسمى بالحرب البيولوجية غرضها الهيمنة والتعدي على سنن الخالق في كونه، حيث سارعت الأقطاب المتصارعة للتسابق فيما بينها للسيطرة على العالم من خلال محاكاة تكنولوجية في شتى المجالات وتسخير تلك المحاكاة للنفع الاقتصادي، تارة من خلال صراع الشركات وتارة أخرى من خلال العملات، ومع ذلك الصراع الذي أصبح ظاهر للعيان، شاءت الأقدار لحدوث جائحة كورونا بعد خروجها عن سيطرة البشر، وكل ذلك سببه الأساسي هو السعي لفرض نظام اقتصادي ومالي جديد يتماشى مع الواقع الجديد الذي فرض نفسه من خلال الصراعات التي حدثت خلال العقدين المنصرمين.

وهنا نقف في مقالنا المتواضع لإيصال ما نستشعره من خطورة حقيقية ستنعكس علينا مع الاضطرابات التي نعاني منها في بلادنا منذ أكثر من ثلاثة عقود مضت.

ولكوننا بلد لا ينتج ولا يمتلك اقتصاداً صحياً حقيقياً، وما صاحب العقد الأخير من ازدياد في الاضطرابات السياسية الذي أدى إلى التدخل العسكري لدول الجوار بسبب سوء الإدارة الذي أصبح ثقافة فرضت نفسها على مجتمعنا وأصبحت سلوكاً تمارسه السلطة في البلاد، بغض النظر عن تغير الرموز، كل ذلك بالإضافة إلى أطماع الهيمنة الدولية والإقليمية، كانت من أسباب تهاوي الاقتصاد الهش وهبوط العملة المحلية أثرت على مجتمعنا وحولته إلى مجتمع يعيش على المعونات، خاصة بعد عودة الكثير من المغتربين من دول الجوار.

كما أن من أسباب هبوط القوة الشرائية للريال اليمني توقف الكثير من التحويلات التي كانت قبل عودة المغتربين، وما كان ملموساً من استقرار في صرف العملة قبل عام 2015م، كان بسبب التحويلات من الخارج بجانب تصدير النفط الخام، وفي ظل وجود نسبة خفيفة من صادرات الثروة الزراعية والسمكية، يتخللها عبث إداري لا يمكن أن يصب في مصلحة البلد.

وكل ذلك كان، حسب زعمهم، مبرراً لتدخل دول العالم وحماية البلاد والشعب من الهاوية، إلا أن ما لمسناه حقيقة كان سبباً في تعجيل ذهاب البلاد للهاوية، حيث ازداد الفساد في شتى المجالات وانتشرت العشوائية الإدارية بادية للعيان حتى أقبل علينا (عشرون عشرون) بجائحة كورونا التي منعتها رحمة الله بنا حتى اللحظة من دخول البلاد، ومع استمرار هذه الجائحة في دول العالم سنجد أنفسنا بلا مأكل ولا ملبس، بالتأكيد كوننا بلد لا ينتج ويستورد كل احتياجاته من الخارج، ولأننا بلد لا يحتفظ بمخزون إستراتيجي للغذاء والسلع، فبالتأكيد ستحدث ارتفاعات مهولة في الأسعار التي هي بالأصل تشكل عبئاً على كاهل المواطن، وكل هذا دون استشعار من أي مسؤول حكومي بهذا الشأن، كون أن من يسمون انفسهم ممثلين للسلطة عينوا أشخاصاً بالمحاصصة لا يفقهون من الأمور الإدارية شيئاً وتخصصوا في السطو على المال العام والخاص.

ووسط ذلك وبظهور الجائحة أصبحت الدول التي نعتمد عليها في تغطية احتياجات السوق المحلية من مواد غذائية أو استهلاكية مقيدة الإنتاج في عقر دارها، بل وجل همها يتركز في محاربة كورونا في ظل توقف ناتجها القومي، وكوننا بلداً لا يحتفظ بمخزون إستراتيجي ولا ينتج، بل حتى إننا لا نحتفظ بسلطة يمكن لها أن تضع الحلول الاقتصادية والمالية في ظل هذه الاضطرابات التي تعصف بالعالم ككل، لابد أن نذكر بقوله تعالى: "فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون" سورة يوسف.

وأخيراً نحمد الله جل في علاه أن جنب بلادنا وباء كورونا، ونسأله أن يحفظنا وسائر البشرية ونستغفره ونتوب إليه، ونأمل أن يلهم من بيدهم أمرنا أن يجنبونا أيضا كارثة أخرى وهي نفاذ المخزون السلعي والدوائي في الداخل، يلهمهم التعقل ومحبة الخير للبلاد والعباد كونهم هم المسؤولون فعلاً في هذه اللحظات العصيبة وليعلموا أنهم سيحاسبون في الدنيا قبل الآخرة إذا تركوا مسؤولياتهم تجاه مجتمعهم.