حين يتحول الرئيس إماماً!

> مصطفى النعمان

> كان الخطأ الفاضح في صياغة المبادرة الخليجية (وآليتها التنفيذية) هو أنها جعلت الرئيس فوق الدستور ومنحت قراراته حصانة غير قانونية.
قد يتحجج البعض بأن الظرف كان استثنائيًا ومؤقتًا، وهو في نظري تبرير ساذج متكرر في كل المراحل السياسية التي مرت بها اليمن منذ 1962، هكذا استمرت قوة العادة السياسية حتى جعلت الرئيس إماما.

وللتذكير في هذا المقام، فإن الحكومة الدستورية الوحيدة في عهد الرئيس هادي هي الحكومة التي شكلها خالد بحاح وحصل بموجبها على الثقة من مجلس النواب الذي لم يكن له خيار غير الانصياع بحسب المبادرة الخليجية، لكن الرئيس لم يكن يوما حريصا على حماية الدستور والقانون بل على استمرار سلطانه دون اعتراض ولا تحفظ من مستشاريه الموظفين ولا من السياسيين الذين أصبح يمتلك حاضرهم ومستقبلهم بالمال والمنصب أو الإفقار والإبعاد.

لقد أثبتت الطبقة السياسية الحالية أنها الأكثر انتهازية في تاريخ اليمن، فلم نعد نشعر منها حرصها على كرامتها ولا مقاومة خجولة لما يصدر عن الرئيس وحكوماته من عبث بكل مادة في الدستور والقوانين، بل إنهم يبررون ويتصدون لكل معترض لأنهم يحققون بصمتهم المذل ضمان مرتباتهم ومواقعهم ووظائف أبنائهم، فتحول الرئيس إلى إمام مكتمل الأركان لا يجرؤ أحد على انتقاد أو تناول تصرفاته وأفعاله المخالفة للدستور والقوانين والتقاليد.

ما يزيد الأوضاع رداءة هو غياب الرئيس عن المشهد وعدم ظهوره على الناس في أحلك الظروف، وتحول إلى ما يشبه (الإمام الغائب) وانتقلت صلاحياته كاملة إلى نجليه ومدير مكتبه وعدد من الموظفين، مهمتهم الوحيدة هي طباعة قرارات التعيين والطرد والإحالة إلى التحقيق ومذكرات التحويلات المالية ولا شيء عدا ذلك.

كيف يمكن تفسير أن يتغيب رئيس دولة وحكوماته عن وطن في حالة حرب منذ خمس سنوات؟ أين موقف الرئيس في ظل خلافات بين وزراء حكومته ونشر غسيلهم القذر في المواقع الإلكترونية؟ كيف يجرؤ أن يتحدث كل هؤلاء عن (استعادة دولة)؟ كيف يقبل أخلاقيا أن يعيش برفاهية مع حكومة مهلهلة بينما المواطن لا يحصل على وجبة طعام؟ كيف لا يتألم على الموظف الذي لا يستلم مرتبه منذ 5 سنوات؟ هل تخلى الرئيس عن الوطن والمواطنين؟

المدافعون عن تصرفات هادي اليوم هم من كانوا أقسى منتقدي صالح بحجة مخالفته للقواعد الدستورية وتدخلات وفساد عدد من أفراد أسرته، رغم أنه كان يستعين بعدد من "ترزية" القانون والسياسيين للتغطية على ذلك، أما اليوم فلا أحد من السياسيين الموظفين عند هادي ونجليه ومكتبه يفكر للحظة في انتقاد هادي أو أنجاله أو مدير مكتبه، فقد صاروا يعرفون أن نوبة الغضب عند الرئيس ستكلفهم مرتباتهم ووظيفتهم ووظائف أبنائهم التي حصلوا عليها مقابل الخنوع والصمت والذل، وهي أمور في نظرهم أهم من كرامتهم ومن وطنهم.

والله المستعان.

ملاحظة: لم أتناول أي دور لمجلس النواب، لأنه في مقام من النزاهة والحرص على الدستور والقسم واليقظة بما لا يسمح بالحديث عنه.

* سفير سابق - من صفحة الكاتب بالفيسبوك

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى