مَنْ أمِن (العقوبة) أساء (الأدب)!

> حمّاد حامد السالمي

> يقال إن أول من قال: "من أمن العقوبة أساء الأدب"، هو عبد الله بن المقفع، في ترجمته للكتاب الحِكمي الشهير "كليلة ودمنة" الذي ألفه الفيلسوف الهندي (بيدبا)، مرسلاً الكثير من المواعظ والعبر والحكم على ألسنة الطيور والحيوانات.
وقصص كليلة ودمنة تراثية تناسب مع ما نعيشه من تناقضات حياتية. يقال: بأن أحد الثعابين قرر يوماً أن يتوب ويكف عن إيذاء الناس وترويعهم، فذهب إلى راهب يستفتيه فيما يفعل، فقال له الراهب: نتح من الأرض مكاناً معزولاً، واكتفِ من الطعام بالنزر اليسير. ففعل الثعبان ما أُمر به، لكن قضّ مضجعه أن بعض الصبية كانوا يذهبون إليه ويرمونه بالحجارة! وعندما يجدون منه عدم مقاومة، كانوا يزيدون في إيذائه، فذهب إلى الراهب ثانية يشكو إليه حاله، فقال له الراهب: انفث في الهواء نفثة كل أسبوع، ليعلم هؤلاء الصبية أنك تستطيع رد العدوان إذا أردت، ففعل بالنصيحة، وابتعد عنه الصبية، وعاش بعدها مستريحاً.

أظن أن المغزى من القصة بات واضحاً، فكم من الناس من يغره الحلم، ويغريه الرفق، وتخدعه الطيبة، فيستمرئ العدوان والإيذاء دون وازع من دين أو ضمير أو خُلق، وإذا قوبل بالمزيد من الحلم والرفق زاد في عدوانه، وخُيل إليه أن عدم رد العدوان هو ضعف واستكانة وقلة حيلة.
هنا تأتي القوة، وينتصر الردع، في شكل نفثة الثعبان، فهي وحدها من يوقظ المغتر بحلم الحليم، ومن ينبئ الطائشين والسفهاء، بأن اليد التي لا تبطش ملجمة بالأدب لا الضعف، واللسان العف، يستمد عفته من حسن الخلق لا من ضعف المنطق وقلة الحيلة. وأن مهانة المسيء، هي التي منعته من مجاراته، لا الرهبة منه أو خشيته.
كم نحن بحاجة إلى ثعبان نافث في زمان قلّ فيه الحياء، وساء فيه الأدب، فنفثة الثعبان اليوم لها قيمة، ورفع العصا بين الحين والآخر، مطلب كفيل بردع المستهترين ودحض المدعين وكف المسيئين، وإعلام الجهلة والبلاطجة، أن أصحاب الضمائر الحية، أقوياء أشداء، وأنهم أقدر بالحق على حفظ الحقوق واستتباب الأمن، وتأديب السفلة من الناس.

قد يعفو المقتدر لكنه لا يغفو، وقد يتغاضى من يملك حق الردع تارة، لكن هذا لا يفسر على أنه قلة حيلة وضعف، ولا يجب أن يكون على حساب مصالح الناس وكرامتهم وأمنهم وحياتهم، فهذا أمر غير مقبول لا ديناً ولا عقلاً، ولا منطقاً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى