عن الجنوب والإدارة الذاتية والسعودية

> صلاح السقلدي

> القرار الذي اتخَذهُ مؤخراً المجلس الانتقالي بجنوب اليمن، والقاضي بإعلانه الإدارة الذاتية بالجنوب، وضعَ المملكة العربية السعودية في "حيص بيص" أمام شركائها، وضاعف على كاهلها المسؤولية الكبيرة في الجنوب واليمن عموماً، وجعلها في ورطة حقيقة، خصوصاً وعملياتها وقواتها والقوات العسكرية الموالية لها تشهد فشلاً ذريعاً على كل الجبهات بعد أشهر من توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية الموالية للمملكة، وبين المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو الاتفاق الذي يراوح مكانه من عدم التنفيذ بتواطؤ ومهادنة سعودية، بحسب المجلس الانتقالي الذي عزا مبرراً إعلانه لقرار الإدارة الذاتية للجنوب إلى ما يميسه بحالة التلكؤ الممانعة الحكومية بتنفيذ الاتفاق، التي ترى فيه هذه الأخيرة عائقاً أمامها، ويقوض من شرعيتها، ويحمل النزعة الاستقلالية.

هذا الإعلان الانتقالي الجنوبي (الإدارة الذاتية بالجنوب) يأتي في وقت تُمرُّ فيه السعودية، كما أسلفنا، بأسوأ أحوالها العسكرية والسياسية في اليمن منذ أكثر من خمسة أعوام هي عُمر الحرب المدمرة هناك، ويأتي وهي أي المملكة تعاني مالياً أشد العناء جرّاء عدة عوام تعصف باقتصادها الداخلي، وبأهم روافد هذا الاقتصاد (النفط)، فقبل يومين أعلن وزير المالية السعودية الجدعان أن بلاده ستقوم عمَّ قريب باقتِراض 60 مليار دولار، وسحب 32 مِليارًا أُخرى لسَد العجز في الميزانيّة الحاليّة لحكومته الذي سيَصِل إلى 112 مِليار دولار، مضاف إليه ما تعانيه من تبعات التدابير الاقتصادية والاجتماعية القاسية الأخرى بسبب وباء كورونا وهبوط أسعار النفط إلى الحضيض. وهو الإعلان، أقصد (إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي)، الذي اكتفت فيه الرياض بإصدار عدة بيانات رافضة له، برغم الإرباك الذي أحدثه لها وبعثر أوراقها من فوق الطاولة أكثر مما هي مبعثرة أصلاً، ووضعها في مواجهة مع كل شركائها باليمن، ناهيك عن خصومها، فالحكومة الموالية لها، والتي تمارس أقصى درجات الضغط والابتزاز بوجه الرياض؛ زادت من وتيرة ضغوطاتها عليها مؤخراً لانتزاع منها مكاسب، ولثني الانتقالي الجنوبي عن هكذا خطوة ترى فيها هذه الحكومة أنها تأسس لانفصال الجنوب عن الشمال بتراخٍ سعودي بحسب أصوات داخل هذه الحكومة. في ذات الوقت تخشى السعودية الصدام المباشر مع الجنوبيين لئلا تخسرهم وتخسر بالتالي آخر وأهم حليف لها بالجنوب وباليمن عموماً، وهي في غنى عن ذلك لاسيما وحبل الضغوطات المختلفة يلتف حول عنقها بشدة، بعد أن أخفقت قوتها العسكرية، وأخفقت معها القوات الموالية لها طيلة الخمس سنوات الماضية من تسجيل أي اختراق عسكري حقيقي بالشمال أو إيجاد قوة سياسية وجماهيرية وقبلية هناك موثوقا بولائها لصانع القرار بالرياض.

تحدث كل هذه التطورات الدراماتيكية باليمن في حين يشهد فيه هذا البلد المنهك خطراً حقيقاً جرّاء جائحة كورنا، وعدة أمراض تفتك بعامة الناس في كل اليمن وبحاضرة الجنوب (عدن) على وجه الخصوص، هذه الأوبئة والحميات التي أطلت بقرونها بالتزامن مع وباء كورونا، وحصدت المئات من الضحايا حتى اليوم، في بلد يفتقر لأبسط مقومات الوضع الصحي الذي يعاني من انهيارٍ كامل بنيته الصحية نتيجة أثار الحرب المدمرة، وفشل السلطات الحكومية بإدارة البلاد، واستشراء الفساد والفوضى الإدارية والأمنية بشكل مريع، فضلاً عن تعمّق الأزمة السياسية اليمنية، ودخول القضية الجنوبية في حالة ضبابية قاتمة، وانسداد أفق التسوية السياسية الشاملة برغم الجهود الحثيثة التي تبذلها الأمم المتحدة، والمحاولات السعودية للخروج من هذا المستنقع الذي وجدت نفسها تغوص في أعماقه بسبب الحسابات وقاعدة البيانات العسكرية والسياسية الخاطئة التي على ضوئها اتخذ قرار الحرب. كل هذه التحديات تضع السعودية على فوهة الفشل بشكل مباشر إن لم تحدث معجزة في زمن اللامعجزات، وتنجح بجمع الفرقاء على طاولة واحدة لوقف الحرب واستشراف المستقبل، لتنجو المملكة وينجو معها اليمن من الذهاب إلى هوة المجهول السحيقة.

خلاصة: الجميع في اليمن شمالاً وجنوباً، ومعه بالطبع السعودية واقعون في حالة من الاشتباك والضياع وفقدان حالة الوزن والتوازن، وبحاجة لمَن يمد لهم طوق النجاة صوب طاولة الحل السلمي، في غمرة انشغال العالم بعاصفة كورونا.. ومع ذلك لعل من رحم الجائحة يولد الفرج وتتمخض الحلول، وتنتهز أطراف الصراع الفرصة لاقتناص السلام والاستفادة من انشغال حاكم البيت الأبيض (رجل الأعمال الجشع ترامب)، الذي يستميت بإطالة هذه الحرب التي وجد فيها سوقا مزدهرة لأسلحته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى