عدن

> د. هشام محسن السقاف

> عدن لا تستحق كل ما يحدث لها، ولكنها تستطيع أن تستوعب الكارثة وتمر منها أياً تكن التضحية والخسائر.

أما والخسائر هذه المرة بسبب الموت الأسود في عدن، فلذات أكبادها وأبنائها ممن تكتظ بهم مقابر القطيع وأبو حربة والممدارة وسواها، فإن الأمر سيخضع للمساءلة والمحاكمة ولو بعد حين لكل من كان سبباً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في هذه الأزمة والجائحة الخطيرة والمخيفة، وعلى كل ما مر على هذه المدينة العظيمة منذ تسلمنا حكمنا الوطني من الاستعمار البغيض، كما نسميه، قبل نصف قرن ونيف من السنين، لأن التاريخ لا يرحم والجرائم الإنسانية لا تسقط بالتقادم.

بالأمس وأثناء كارثة الأمطار والسيول رأينا أبناء عدن مبادرين في إنقاذ المنكوبين، ونام مسؤولو "الشرعية" في العسل، كما وصفت ذلك "الأيام" الغراء، ولم يظهروا إلا بعد أن وقع الفأس في الرأس، ولم يكن الظهور إلا لإبعاد العتب والسخط قليلاً عنهم. أيضاً لم نرَ الأطقم التي "تفحط" في شوارع عدن تفحط لإنقاذ الناس. ولذلك ننبه أن المواطن لن يتجاوز عن أحد ويسقط عنه التهمة إلا بمقدار انحياز هذا "الأحد" لهذه المدينة وسكانها الطيبين ولن تكون له حصانة أو مكانة لمجرد سواد عينيه.

كان د. معين عبدالملك مبادراً بإعلان عدن مدينة منكوبة، ثم جلس منتظراً العون الأممي على "تبة" وفيرة المجلس في الرياض ليراقب نكبة المدينة كما فعل "نيرون" بروما المحترقة. أليس يسيراً عليه أن يتبرع ومجلسه الموقر والنواب والوكلاء الكثر براتب يوم أو يومين أو أسبوع لصالح المنكوبين وعلى وجه السرعة؟!
أو ليس بمقدار هذا الجيش المرابط في فنادق الرياض والقاهرة وأنقرة وعمان وسواها أن يجترح مكرمة وطنية واحدة بإيداع مرتباتهم بعملة الشقيقة الكبرى في البنك المركزي والخضوع لقانون المرتبات اليمني والتساوي وفقاً للقانون مع إخوانهم المواطنين في الوطن دون أن ننسى أو ينسوا القول للشقيقة؟!: شكراً.

لم يحدث ذلك ولن يحدث لأنهم أشد الناس حرصاً على حياة في ظل الحرب المغنمة. ولأنهم أقل من يفعلون كما يفعل المواطن المصري البسيط والذي يتبرع ولو بجنيه واحد لحفر المجرى العالمي الثاني لقناة السويس أو في بناء المشاريع العمرانية الكبرى.

وقس على ذلك توليفة السلطة المحلية في عدن، حيث لم تظهر الخمسون مليوناً المحولة للمديريات في عمل ملموس ينقذ المواطنين من الموت الأسود في أبسط الإجراءات الوقائية بشفط برك المياه والمستنقعات وتنظيف الشوارع من الأوساخ والقمامة وطفح المجاري والرش اللازم لمكافحة البعوض والذباب والحشرات الضارة.. إلخ، وبالسرعة القصوى المطلوبة.

ولنا أن نتساءل عن بقية الملياري ريال، ولماذا لا تسخر لصد هذا الكابوس المميت والذي لن يرحم أحداً؟
إن الضحية هم "الأبتال" كما قال سالمين الأب ذات يوم، وهو من هو كما نعرف وأقرب إلى الفقراء والكادحين والفلاحين من حبل الوريد.

لا بد من مشروع إنقاذي وطني وشامل يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح ولا يستبدل الحمى بالموت كما يقولون، ومن هنا كان التأييد الشعبي لقرار المجلس الانتقالي بإنشاء "الإدارة الذاتية" كقرار شجاع ينحاز للشعب، ويجب المضي قدماً لاجتثاث المفسدين أياً كانت مواقعهم أو مكاناتهم أو مناطقهم أو قراباتهم مع إشراك أبناء عدن من الكفاءات والتكنوقراط والمتعلمين والمجربين في تحمل هذا الأمر العاجل جداً والخطير الذي لا ينبغي التأجيل أو التسويف فيه بأي شكل من الأشكال.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى