اليمن ولعبة الأحلاف.. هرمز وباب المندب والسويس مثلث الصراع الجديد

> د. أحمد سنان الجابري

>
تتداخل الأزمة الليبية في مثلثات جيوسياسية غريبة. مع اجتياح الجنود الأتراك الحدود للمشاركة في الحرب الليبية برز زعيم إخوان تونس مناديا لجعل تونس قاعدة انطلاق لدعم حكومة الوفاق الليبية. هذا الأمر أثار ضجة واسعة في تونس، حيث طالبت القوى السياسية التونسية بالحفاظ على حيادية بلادها في هذه الحرب، بينما أكد الغنوشي أنه لا حياد لتونس حيال مصالحها في ليبيا، على أنه لم يوضح طبيعة تلك المصالح بصورة دقيقة. لقد كانت حركة النهضة مندمجة منذ البداية بحرب ليبيا إلى جانب الجماعات المسلحة فشكلت تونس بذلك نقطة عبور قبل أن تتم السيطرة على الوضع. يمكن الافتراض بسهولة أنه في حال رفضت الرئاسة والحكومة التونسية التورط في ليبيا فإن حركة النهضة ستكون حاضرة من خلال ميليشياتها وجهازها السري الذي تم الكشف عنه بعيد اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي عام 2013.

طبعا، القصة ليست هنا، القصة في التحالف الثلاثي الذي سينشأ بين كل من تونس (النهضة) وتركيا وحكومة الوفاق الليبية وعلى الجغرافيا سيكون رأس المثلث تركيا وقاعدته تونس وليبيا. وهناك مثلث جغرافي إستراتيجي يحتدم حوله الصرع هرمز، باب المندب، السويس، تشرف اليمن على إحدى زوايا هذا المثلث وكل من إيران ومصر على الزاويتين الأخريين. وبالتالي ستحشر اليمن في جوف هذا الصراع أرادت ذلك أم لم ترد. ثم هناك تحالف ثلاثي آخر، ونقصد التحالف التركي القطري الإيراني، والذي تشكل عقب انفراط عقد التحالف التركي السعودي القطري الذي نشأ لإسقاط النظام السوري. ويعتبر التحالف القطري التركي الإيراني هشاً قياسا إلى التحالف الأول بسبب تضارب المصالح التركية الإيرانية وحضور العامل الأمريكي.

ستجد اليمن نفسها محشورة في تحالف ثلاثي جديد تروج له بعض الأوساط (تركي، قطري، إخواني)، وهذا لم يعد سرا، فقد كشفت وسائل إعلام عن وجود استخباري تركي في شبوة شرق البلاد بشدة يقوم بالتحضير لاستقبال القوات والمعدات العسكرية التركية، خصوصا بعد زيارة بعض المسؤولين الحكوميين اليمنيين لأنقرة. وقالت المصادر إن ذلك يأتي بهدف تشكيل سياسي مناهض للتحالف العربي، إن "إخوان اليمن الذين يقفون وراء هذا التكتل يخططون للاستقواء العسكري والسياسي بتركيا في استنساخ للتدخل التركي في سوريا وليبيا". بل ذهبت بعض الأوساط للحديث عن تجنيد مواطنين يمنيين للقتال إلى جانب قوات حكومة الوفاق الليبية، وفي نفس الوقت هناك حديث عن طلب مصري لتجنيد مقاتلين من اليمن لدعم الجيش الوطني الليبي. وما من شك في أن بعض الأطراف على الضفتين ستسارع إلى تلبية هذه الطلبية العاجلة، بل وربما قد فعلت. هذا لا يزيد عن كونه عبثا إضافيا ضد أبناء البلد بعد الحرب والأمراض والأوبئة التي تفتك بهم وبمستقبلهم لصالح حفنة قليلة.

إن احتمالات قيام تحالف من هذا النوع كبيرة جدا، خاصة إذا ما استمرت قوات حكومة الوفاق الليبية بقيادة تركيا في تحقيق انتصاراته المتسارعة وحققت السيطرة بأقل الخسائر البشرية والتقنية.
وفي حال اليمن، فلن يتردد الأتراك بالاستنجاد بالعلاقة التاريخية التي تربط البلدين، مع فارق أن الوجود التركي في اليمن لم ينجم عن طلب اليمنيين للنجدة من الأتراك. لقد حضر الأتراك دون دعوة، مثلهم مثل البرتغاليين والأحباش والإنجليز، وكان حضورهم على مرحلتين. في الحملة الأولى التي استمرت من عام 1539 حتى 1634، أحكموا سيطرتهم على عدن بعد شنق حاكمها الطاهري عامر بن داود الذي ذهب لمقابلة الحملة التركية في ميناء المدينة، ونهب الجنود الأتراك المدينة، ثم تركز وجودهم في عدن وزبيد والمخا، ولم يستقر لهم الأمر في المرتفعات. كان احتلال الأتراك لليمن بدواع سياسية واقتصادية بحتة، فقد وقف خادم سليمان باشا وراء قرار احتلال اليمن بعد مصر التي احتلوها عام 1617 بعد هزيمة المماليك وقال مسوغا قراره: "اليمن بلد بلا حاكم، مقاطعة خالية. لن يكون احتلالها ممكنًا فحسب بل سهل وعندما نسيطر عليها، ستصبح سيدة أراضي الهند ترسل كميات كبيرة من الذهب والمجوهرات لإسطنبول"، [ويكيبيديا]. أما الحملة الثانية فكانت من 1872 حتى 1911، أسقطت فيها تركيا الدولة القاسمية وأسست ولاية اليمن.

في حالة تشكل التحالف الثلاثي الجديد (اليمن، تركيا، قطر)، ستبرز مفارقة غريبة ربما ستظل ملازمة لليمن إلى ما لا نهاية. تكمن هذه المفارقة في وضع تحالف إخوان اليمن العضوي مع السعودية، فقد كانوا منذ انقلاب 5 نوفمبر 1967 الوكيل المحلي الأمين لتنفيذ الاجندات السعودية على المستوى المحلي والإقليمي. إذن من سيفض تحالفه أولا السعودية أم الإخوان؟
كما ستبرز الكثير من الأسئلة التي تتطلب إجابات واضحة ودقيقة، كونها ستحدد ليس فقط مصير الحرب بل والبلد بأسره.

من بين أهم الأسئلة التي ستبرز:
ما إذا كان بريق النجاحات التي تحققها القوات التركية في ليبيا سيعميها عن خسائرها البشرية التي منيت بها في اليمن أبان حملتيها، وفي حالة قررت المضي قدما هل سيكون حالها بالنتيجة أفضل من حال السعودية؟
وهل حددت تركيا أمام حلفائها اليمنيين طبيعة المصالح التي يجب تحقيقها في اليمن؟ وهل تدخل منابع النفط والموانئ في نطاق المصالح التركية؟ وما هي المصالح التي سيحققها الحلفاء لأنفسهم؟ (هنا ينتفي أي حديث عن السيادة).  
ثم هل ستفض الشرعية بكل جزرها المتناثرة تحالفها مع السعودية، وهل هي من يملك قرار ذلك؟
أم أن الشرعية ستنقسم انقساما مخططا ليكون فريق منها ضمن التحالف السعودي الإماراتي، والآخر ضمن التحالف القطري التركي؟ أو أن أنه سيحدث انقسام عشوائي لا رجعة فيه في بنية الشرعية يحدد فيه كل طرف وجهته النهائية.
هل القوى التي تم تصنيفها في خانة الإرهاب ستحافظ على ولائها للممول القديم، أم أنها أيضاً ستتأثر بالاستقطاعات الجديدة؟ والسؤال الأهم هل ستترك الإمارات (شقيقتها السعودية) تواجه تركيا منفردة، أم ستعود بعد أن كانت قد انسحبت؟
ثم ما موقف الولايات المتحدة في حالة كهذه، هل ستقدم الحماية للسعودية أو ستقف إلى جانب تركيا العضو في الناتو وتقول (من حق تركيا الدفاع عن مصالحها)، أو أنها ستغض الطرف عما يجري؟ 
لا شك أن نشوء تحالف كهذا من شأنه أن يرغم جميع القوى المتقاتلة والمهيمنة على الأرض- (لأننا لا نستطيع هنا الحديث عن قوى سياسية) - على إعادة صياغة تحالفات جديدة تستوعب جملة المتغيرات التي ستطرأ على طبيعة الحرب.
وأمام هذه القوى يقف تحدي حقيقي، يتمثل في استعدادها وقدرتها على تبادل التنازلات في سبيل مواجهة تحالف كهذا؟
المؤشرات كثيرة على استحالة تحقيق نصر كامل لأي طرف. الكثيرون يدركون ذلك جيدا، ولكن بالنسبة لفريق كبير من الساسة وأمراء الحرب لا بأس من إطالة أمد الحرب ما دامت توفر عائدات مرضية له.
هناك احتمالات كثيرة لأحداث كبيرة قد تسبق وصول القوات التركية فيما لو تحقق الحلف، ليس أقلها حدوث انشقاقات وتصدعات كبيرة في داخل أغلب الأطراف. على أن أفضل ما يمكن أن تقوم به جميع الأطراف هو الدعوة الوطنية لإيقاف الحرب والالتزام بها. واقتراح مؤتمر وطني إطاري لتحديد مصالح الأطراف وحدود تصرفاتها.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى