بات وسيلة لتغيير المعادلة على الأرض.. اتفاق الرياض بين الممكن والمستحيل

> د. أحمد سنان الجابري / «الأيام»

> لا يجب علينا تناول اتفاق الرياض بمعزل عن كل المتغيرات التي فرضتها الحرب، ولا نحلل للحرب كأنها قاطع طريق ظهر أمامنا فجأة وسلبنا متاعنا. الجميع خطط لحربه الخاصة منذ وقت مبكر، ولم تندلع هذه الحرب إلا وصناعها (متخندقون) في متارسهم.

فلم يكن اجتياح العاصمة صنعاء إلا المبتدأ والمنتهى، فلم تكن الحرب في عمران تستهدف عمران بذاتها ولكن نتيجتها هي ستحدد الطرف الذي سيستولي على صنعاء. هذا ليس تنجيما ولكنه واقع الحال الذي تحدثت عنه ترسانة الأسلحة التي تم نقلها من مخازن الفرقة وتلك التي تم توزيعها في العاصمة الحرب والإعلامية التي ترافقت معها، الى جانب التكتيكات والتحالفات الآنية التي ابتدعها المتحاربون. السباق على السيطرة على مؤسسات الدولة عبر (ثورة المؤسسات، أو تعيين المشرفين). كان منتهى الأمر هو سيطرة أحد الأطراف على العاصمة وتشكيل نظامه الخاص.

بساطة لا تعقيد
بمعنى أن الحرب تمت دحرجتها جنوبا دون أن تكون حتمية، لكن ظهرت مخاوف حلفاء 94، من أن انشغالهم بأمر العاصمة قد يغري قوى الحراك التي ترفع شعار استعادة الدولة للقيام بحركة تفقدهم الغنيمة. هذا السبب وحده هو الذي دفع تلك الأطراف لتحويل مجرى الصراع نحو هاوية الحرب الشاملة لضرب عدة عصافير بحجر واحد: أولا إضعاف الحوثيين والحراك ليسهل ضربهما معا، وثانيا الحفاظ على قوة تلك الأطراف لمعركة الحسم النهائية.

على أنه لم يتم حساب المتغير الخارجي الذي يمكن أن يطرأ، وهكذا أربك تدخل التحالف العربي المشهد برمته، فظهر الرئيس هادي يجهل بقيام هذا التحالف بينما استغرق الإخوان المسلمون عشرة أيام لتحديد موقفهم مما يجري.

اذا كانت أحداث 13 يناير قد أحرقت شعرة التوازن الوحيدة في المشهد السياسي الجنوبي كون تحالف مناطقي قد ذهب لاستئصال تحالف مناطقي آخر يشكل معه معادلة السلطة، فإن حرب 94 قد غيرت جوهر ومضمون الوحدة باعتبارها مشروعا تاريخيا بمضمون سياسي واقتصادي معاصر نقيض لما ساد ومنقطع عنه تطبيقا ومرتبط به خبرة ودروسا، لتقدم لنا شبيها أكثر قتامة وبؤسا، نقيض يقوم على معادلة (الفرع والبنت الضالة والوالدة الحنونة).

لم تكن هذه المعادلة موجهة للجنوب كدولة وشعب وجب كسر ناموسها انتقاما ابتداءً فحسب، بل ورسالة للداخل الشمالي الرعوي (إب، الحديدة، وصابين وريمة)، أن لا تغتروا فلن يتغير شيء.

وهكذا جاءت حرب 2015، مثقلة بكل التداعيات الماضوية التي تحفز الجميع على الشك والريبة من الآخرين. وهذا ما لمسه الناس من تصرف الحكومة حيال واجب إعادة الإعمار وعدم القيام بعمليات الإنعاش المبكر لمدينة عدن بعد خروج الحوثيين منها، معللة ذلك بالخوف من أن يستغل الجنوبيون ذلك للإقدام على الانفصال، (بالمناسبة هذا ليس تحليل بل معلومة وردت على لسان أكثر من وزير حكومي)، أن اللواء جعفر ظل حتى لحظة استشهاده في مرمى الإعلام الرسمي ولا يمر يوم إلا وتستجوبه الفضائية في أخبارها الرئيسة، وتحمله مسؤولية تردي أوضاع مدينة عدن، في الوقت الذي لم يتوفر على الأقل 15 % مما يتلقاه المحافظ الحالي من الدعم المالي والإعلامي والمعنوي.

لماذا لم ينفذ اتفاق الرياض؟
لم ينفذ هذا الاتفاق وقرر عدم تنفيذه من قبل المجلس الانتقالي والشرعية بحالته الراهنة. هذا الاتفاق كبقية الوثائق السابقة تتعامل الأطراف معها بخفة لافتة، فتتخذها وسيلة لكسب الوقت عسى أن يحدث تغير على الأرض يعاد بموجبه التفاوض، وقد رأينا نتائج ذلك على الأرض.
نص الاتفاق على معالجة إشكالية النفوذ وليس حل مضلة الدولة، ولم يعمل على تسوية الجغرافيا مثار النزاع، بمعنى أنه تجاهل تماما جذر المشكلة.

عدن هي جوهر المشكلة التي غفل عنها اتفاق الرياض، ولذلك فلن يقدم أي طرف على تنفيذ ما يخصه فيه. لقد نص الاتفاق على إعادة تموضع القوات العسكرية (لأطراف الشرعية) من جهة و(المجلس الانتقالي) من جهة أخرى، ثم توجيهها نحو جبهات الحرب (مع الحوثيين)، طبعا هذا أمر محال حدوثه لتوفر عوامل الريبة وانعدام الثقة بين الأطراف المحاربة المتحاربة.

ما الذي يضمن لحلفاء حرب 94 أن الغنيمة ستبقى على حالها حتى تنتهي الحرب أو يعودون منها؟
وما لذي يضمن أن الطرف الآخر لن يتعرض للخديعة بمجرد خروج قواته من عدن؟

هناك من يرى أن وجود (الإخوان المسلمين) في عدن والجنوب لا يختلف عن (وجود الحوثيين)، إلا لجهة الزمان فقط، بل ويتفوق (الإخوان) بأنهم خططوا مسبقا للحرب ضد الجنوب، بينما كان (الحوثيون) مدفوعين اضطرارا.
إن اتفاق الرياض يحاول بلوغ الحل بالقطعة، وتكمن استحالة تنفيذه في أن واضعيه لم يروا جوهر المشكلة. لا تكمن المشكلة في القوات نفسها ولا في عودة سلطات الحكومة نفسها إلى عدن، فبمقدور هذه السلطات أن تقوم بمهامها في أي محافظة إذا تعذر عليه العمل في عدن، فهي موجودة خارج البلاد باستمرار.

المشكلة التي يحاول الجميع إخفاءها هي عدن ولا شيء غيرها. لماذا؟

كي ينفذ هذا الاتفاق أو أي اتفاق في أي مكان تحتاج الرياض إلى نزع الأسباب الحقيقية التي تدفع باتجاه الأزمات والاقتتال، في حالة عدن كان يجب أن تعرف جميع الأطراف تختلف في عدن وعليها، ولهذا ظلت المدينة رهينة الصراعات المناطقية، فكان من الضرورة بمكان أن يعمل الاتفاق على تحييدها نهائيا عن الصراعات بما يجعلها تتفرغ لإعادة بناء نفسها ومداواة جروحها العميقة.

في عدن لا يتقاتلون حول عودة الحكومة، يتقاتلون ويتصارعون حول من يهيمن على المدينة ويديرها، بل قل يستولي عليها ويضفي عليها طبيعته.

كي تكون عدن عاصمة مؤقتة كما يقولون ينبغي إعادة النظر في كيفية إدارة هذه المحافظة المدنية وكف التنافس المناطقي حولها. وهنا سيكون من الضروري أولا: وضع قانوني خاص لعدن غير قابل للنقض أو التجاوز يجعلها تحت قيادة أبنائها في جميع شؤونها ومؤسساتها كبقية المحافظات، فمن بين جميع المحافظات تدار عدن بآخرين. والخطوة الثانية: هي تحديد الحيز المكان أو الحيز المكاني الذي يجب أن يخضع للحكومة تمارس فيه ومنه عملها، بحيث لا يؤدي وجودها تضارب المصالح على سلطات وصلاحيات المحافظة. وإذا تم انتزاع هذا الفتيل فلن يكون هناك مبررا للتنافس المناطقي في المدينة.

يحتاج الجميع للتعامل مع الواقع وإفرازاته، وتحليل تلك الإفرازات ومقارنتها بقدراتنا المتاحة، وهل الشروط الذاتية والموضوعية التي رافقت بدء الحرب لا زالت كما هي حتى نتشبث برؤيتنا للحلول، أم أن واقعا جديدا قد فرض نفسه ويلزمنا للعمل وفقا لشروط أخرى مغايرة؟
بتقديرنا الحرب الأصلية انتهت عمليا، وأوجدت واقعا جديدا غير الذي كانت تتمناه بعض أطرافها، ولكنها فتحت أفاقا كثيرة لحروب أخرى. لكنها الحرب يطلق أحدهم شرارتها ولكنه لا يستطيع تحديد مسارها أو نتائجها، فعندما لا تنحاز الجغرافيا إلى جانب طرف من الأطراف فمن الصعب عليه توقع النتيجة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى