اتفاق الرياض.. ما وراء كواليس السياسة؟!

> يعقوب السفياني

>
تشهد العاصمة السعودية الرياض عراكا سياسيا ودبلوماسيا محموما بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين. يأتي هذا العراك السياسي المحتدم في ظل متغيرات محلية وإقليمية كثيرة لعل أهمها الانشقاق الذي تشهده حكومة الرئيس هادي، وهو ما انعكس على الأرض عندما ضربت قوات الحكومة اليمنية في محافظة أبين بتوجيهات هادي القاضية بالاستجابة لوقف إطلاق النار.. ضربت بها عرض الحائط. هذه القوات التي تخرق وقف إطلاق النار مع كل إشراقة شمس، عززت من تواجدها في محافظات الجنوب عبر استحداث معسكرات في محافظة شبوة، بإشراف من وزير النقل السابق في حكومة هادي، صالح الجبواني، وبدعم من المخابرات القطرية والتركية، وقامت بتدريب جنود مرتزقة فيها، السواد الأعظم من هؤلاء قادم من محافظة مأرب اليمنية.

تعثرت المفاوضات الحالية في الرياض بالعديد من العقبات، يشكل تمثيل "الجنوب" في الحكومة المزمع تشكيلها ضمن الشق السياسي للاتفاق المعضلة الأكبر في المفاوضات، إلى جانب الخلاف على أولوية الشق العسكري والسياسي، فبينما ينص اتفاق الرياض على تشكيل حكومة مناصفة بين جنوب وشمال اليمن، يتمسك الانتقالي الجنوبي بأحقيته الكاملة بحصة الجنوب انطلاقا من تفويض الشعب الجنوبي (إعلان عدن التاريخي)، وهو ما يقطع الطريق أمام شخصيات جنوبية في حكومة هادي محسوبة على تيارات وأحزاب تدار من الشمال. تصر قوى النفوذ في حكومة هادي وبشكل أساسي جماعة الإخوان المسلمين على التلاعب بحصة الجنوب عبر الدفع بجنوبيين موالين للجماعة إلى الواجهة للظفر بحصة الجنوب، إلى جانب حصة الشمال في الحكومة والتي ستكون شبه خالصة لهذه الجماعة.

وضمن حربها السياسية في الرياض، عمدت الحكومة اليمنية إلى الضغط الشعبي، وتفجير الوضع المعيشي والخدماتي، في المحافظات التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي وتديرها الإدارة الذاتية. رواتب منتسبي وزارتي الدفاع والداخلية من أبناء الجنوب – يشمل ذلك المتقاعدين – أبرز أوراق الضغط التي تستعملها الحكومة ضد المجلس، عرقلت الحكومة اليمنية صرف هذه المرتبات دافعة بآلاف الموظفين العسكريين الجنوبيين الغاضبين إلى الاحتجاجات والاعتصام في العاصمة عدن. إضافة لمرتبات هؤلاء، تواجه الإدارة الذاتية لمحافظات الجنوب عقبات وعراقيل كثيرة في ملف الخدمات أهمها قطاع الكهرباء والصحة، علاوة على تفجر أسعار السلع الغذائية ونزيف العملة الوطنية، كل هذه أوراق ضغط تستعملها الحكومة اليمنية في حربها السياسية أمام المجلس الانتقالي في الرياض، بعد فشل الضغط العسكري في أبين، وتحوله لانكسار كبير ونتيجة مخيبة وعكسية، بعد صمود القوات الجنوبية المسلحة التابعة للانتقالي واستماتتها في القتال، وانتزاعها لأرخبيل سقطرى ذي الأهمية الاستراتيجية.

يشكل موقف المملكة العربية السعودية الحلقة المفقودة في السلسلة المنطقية للوضع السياسي جنوبا، تتأرجح سياسة السعودية من النقيض إلى النقيض، فبينما سهلت السعودية للانتقالي الجنوبي عملية السيطرة على سقطرى، تدعم السعودية قوات الحكومة اليمنية بالسلاح والآليات العسكرية، رغم تأكيد تبعية جزء كبير من هذه القوات للإخوان المسلمين. السعودية التي جمعت طرفي النزاع في وقت سابق في مفاوضات "جدة" التي تمخض عنها اتفاق الرياض، تجمعهما اليوم مجددا على ضوء المتغيرات الجديدة، ومع احتساب الخارطة العسكرية للجنوب، ولكن هذه المفاوضات مهددة بالفشل الذي سيعقبه -وفق تقارير استخباراتية- نزاع عسكري دامي وشامل بين الانتقالي والحكومة اليمنية. يشكل اتفاق الرياض -حال نجاحه- فرصة كبيرة لإحلال السلام وحقن الدماء في جنوب اليمن، وهو ما أكده مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، وما أكده وزراء خارجية الدول الكبار. هل ستذوب العقبات الكبيرة أمام هذا الاتفاق؟ وهل ينساب الموقف السعودي خارج منطقته الرمادية الضبابية؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة للجميع.

"رأي اليوم"​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى