الإدارة الذاتية للجنوب التحديات والمهام الماثلة أمامها

>
كثيرة هي التحديات التي تواجه الإدارة الذاتية للجنوب، وللوصول إلى التشخيص الدقيق لها لابد من فهم منهاج تشخيصها بدقة وتحديدها للتعامل معها، فالتحديات الماثلة أمام المجتمع ومنظماته كثيرة لكن هناك تحدٍ واحد هو التحدي العام لكل مجتمع، وهو استخلاص القاسم المشترك لجملة الصعوبات والمشاكل (التحديات الفرعية) التي تجابه المجتمع، ومقلوب هذا التحدي هو الهدف العام الذي ينتصب أمام هذا المجتمع، فالعلاقة بين التحدي والهدف تشبه العلاقة بين جانبي محور التقاء خطين متقاطعين يشكلان حرف الحرف الإنجليزي (x)، فلكي تصل إلى التحدي العام تبدأ بجمع البيانات وتحويلها إلى معلومات، وجمع معلومات نوعية أخرى، وكأن البداية هي بداية طرفي الخطين وما بينهما، ثم تبدأ بالتحليل وتجميع النتائج، وكان الفراغ بين الخطين  يضيق إلى أن تصل إلى المحور أو نقطة التقاطع، وهناك تجد التحدي العام. أما اذا انتقلت إلى الجانب الآخر للمحور فإنك تجد الهدف العام، وهو مقلوب التحدي  وتبدأ بتفكيكه إلى أهداف فرعية، ثم ملحات تليها السياسات، ثم البرامج، وأخيرا المشاريع و الأنشطة والفعاليات. هذه هي منهاجية التشخيص للتحديات وصولا إلى التحدي العام الذي أشرنا إليه آنفا، وهو المتمثل في القاسم المشترك بين التحديات الفرعية (الصعوبات والمشاكل) الماثلة أمام المجتمع المنظور. والمهم هنا الانتباه لأن لا يؤثر وصولنا إلى التحدي العام على تشخيص التحديات الفرعية وخصوصياتها، وجعل الشمولية تضغط على تفكيرنا، فنجد أنفسنا بعيدين عن خصوصيات المحتويات الداخلية للمشكلات المتعددة وخصوصياتها.

يطول الحديث في مجال البحث والدراسة للوضع الراهن وفق المنهاجية، ونكتفي بما خلصنا إليه من استنتاج للتحدي العام أمام الإدارة الذاتية المتمثل في الصعوبات المؤسسية للإدارة، وتدني خدمات ومستوى معيشة الناس، وأما الهدف العام للإدارة الذاتية، فهو مقلوب هذا التحدي، وهو التطوير المؤسسي، وتحقيق إنجاز سريع وواضح في الخدمات، ومستوى معيشة الناس.

البناء المؤسسي الحالي
إن الإدارة الذاتية للجنوب تجد نفسها أمام وضع مؤسسي هش، إن لم نقل معيق لعملها، وهو تركة ٣٠ عاما تمثل في فساد وإفساد الإدارة والكادر الإداري والفني؛ فقد تدهورت القيم الأخلاقية، والانضباط للعمل، وعدم الالتزام بمواصفات شغل الوظيفة في الجهاز الإداري، وكرست آليات عمل متخلفة، وغابت المقاييس ومعايير الكفاءة والمهنية والنزاهة والإخلاص، لاختيار وتوزيع وتأهيل الكادر، وكرست المحسوبية والمناطقية والحزبية، بل وتسليط  الأسوأ  والأجهل في أحيان كثيرة، وتحميلهم الإخفاقات الناتجة عن تكريس سياسة هدم العمل المؤسسي المتعمدة التي اتبعتها سلطة صنعاء، واستفزاز الكفاءات الوطنية النزيهة وإحباطها، وجعلها عبرة لكل من لم يتماهى مع تلك السياسية السيئة، وتم إهمال الكوادر وعدم تأهيلها وعدم إعطاء فرص لقطاع الشباب في التأهيل والتدريب، أكان ذاك على صعيد مخرجات التعليم أم الشباب العاملين في الأجهزة والمؤسسات،  وتخلفت أنظمة العمل، حتى تلك الأنظمة القائمة لا يتم تطبيقها، ويتم مخالفتها، وكانت المخالفات هي الآلية السائدة، وتطبيقها هي الحالات النادرة، ولم يجر الاهتمام بنظم المعلومات، ومجاراتها للتقدم العلمي في هذا المجال، ولم يساعد على تكوين قناة معلومات دقيقة يمكن الاستناد عليها عند اتخاذ القرارات والمعالجات للأوضاع المتدهورة.

وكانت العلاقة بين الأجهزة والمؤسسات والفروع تخضع للمزاجية، ولمصالح مراكز النفوذ، وتم تشجيع العشوائية في العمل، ولم يتم تحديث المباني، أو تأثيثها، فنجد الوضع والبيئة لا تشجع على الانضباط، والإبداع في العمل، وأمور كثيرة تواجه الإدارة الذاتية في إطار البناء المؤسسي، لا يسمح الحيز هناء بذكرها.
 
الخدمات والمستوى المعيشي لناس
والوضع هنا أسوأ وأخطر، فالإدارة الذاتية أمام خدمات متدهورة، ومستوى معيشي متدنٍ، ومتخلف كثيرا؛ فالكهرباء متدهورة، فالأصول المنتجة للطاقة لم تحدث، بل تركت للإهمال، وعمرها الإنتاجي قد انتهى؛ مما جعل صرفها من الوقود والزيوت كبيرا، واحتياجها للصيانة باستمرار، وبتكاليف عالية، ولم تُنشأ محطات توليد كهرباء جديدة، ولم تجدد الشبكة، وكان يتم تغطية العجز -وهو كبير- من خلال ما اصطلح عليه بالطاقة المشتراة، أو بتصدير طاقة من محطات مأرب التي توقفت في بداية الحرب، وأصبح الظلام هو السائد في مدينة النور، التي كانت من آوائل المدن التي عرفت الكهرباء  قبل عواصم عديدة.

وتم استنزاف حقول المياه وانهارت الآبار، وتدهورت المضخات وشبكات إمدادات المياه والخزانات، وانقطعت المياه على بعض الأحياء والوحدات السكنية، وظهر شراء الماء من شاحنات نقل الماء (البوز).
وانهارت منظومة شبكات الصرف الصحي، وتدهور وضع أحواض التصريف، وتركت بعض أحياء عدن تغرق في المياه الآسنة، والقمامات ومخلفات البناء والبناء العشوائي، في سياسة متعمدة انتهجت لتحويل عدن إلى قرية في حقد دفين على هذه المدينة الجميلة، التي حظيت بتلك الخدمات قبل غيرها في المنطقة.

وتدهورت الخدمات الصحية والتعليمية، وانتشرت الأوبئة والأمراض، وارتفعت معدلات الأمية  وانخفض معدل الالتحاق في التعليم العام، وتدني مستوى المخرجات التعليمية، وتدهورت كذلك بقية الخدمات.
وتدهور المستوى المعيشي للشعب، وارتفعت معدلات الفقر في حديه الأعلى والأدنى، وارتفعت معدلات الفقر والجوع، وارتفعت معدلات البطالة.

إننا بهذا الحيز لا نستطع الإشارة إلى كل شيء، ونكتفي بما تم ذكره.
وأمام هذه الأوضاع، وقفت الإدارة الذاتية منذ إعلانها بجدية، ولما كانت حالة الانهيار كبيرة في مختلف المجالات، وفي ظل شح الموارد، وظروف الحرب ضد الجنوب من عدة أطراف، فكان لزاما عليها أن تقوم بترتيب أولوياتها؛ فالوضع الراهن لا يسمح بالانتقال إلى التنمية المستدامة، ولا حتى إلى إعادة الأعمال، ولا إلى مستوى خطة للتعافي فإن الملحات كانت تفرض نفسها، فحددت أولوياتها في:
- مجابهة انتشار فيروس كورونا وبقية الأوبئة، وخصوصا الحميات، وانتشال الوضع الصحي.
- مواجهة كارثة الأمطار والسيول وتنظيف المدينة.
- معالجة أوضاع الكهرباء.
- معالجة أوضاع المياه.
- معالجة التموين بالوقود والمشتقات النفطية.
- متابعة أوضاع التعليم لهذا العام والاستعداد للعام القادم.
واتبعت سياسة وقف التدهور والتحسين حيثما يمكن تحقيقها، وبدأت خطوات في التطوير،  وما زالت في بداية الطريق.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى