وا أبيناااااه!

>
في عددها الصادر يوم السبت  8 أغسطس 2020 م،  أثارت صحيفة الأيام قضية إهدار السيول وذهابها إلى البحر في محافظة أبين كما هي عادتها في تناول القضايا الحساسة الملامسة لحياة المواطنين.  وتأكيدا على هذا أقول: إنه منذ قرابة ثلاثين يوما ومياه السيول القادمة صوب دلتا أبين تسيل هدرا  إلى البحر في مشهد يختصر فداحة الدمار الماثل للعيان والحالة  المأساوية و العبث المستهتر  بثروة ربانية لا تقدر بثمن.  وفي تقدير أولي عن مردود كل كمية تذهب هدرا إلى البحر كما قال لي أحد مهندسي الرِّي إن ذلك لا يقل عن خمسين مليار ريال،  ناهيك عن حرمان الحوض المائي في إطار دلتا أبين من كميات ضخمة كانت ستعزز المخزون المائي الاستراتيجي الذي يشهد هو الآخر استنزافا وهدرا للمياه الجوفية لا مثيل له.

على رغم ما عانته أبين من سلسلة نكبات وحروب، لكن إهدار مياه السيول في موسم زراعي  يعد من أفضل المواسم لهو من أفدح الخسائر المباشرة ضراوة، لأنها  تطال المواطن الأبيني في رزقه ومصدر عيشه في ظل الإجهاز ودفن معالم السياسة الزراعية التي اختطها الإنجليز ودولة الجنوب -فيما بعد- التي كان من أهم معالمها قنوات وسدود الري وأكبر مركز أبحاث زراعي في الجزيرة والخليج متمثلا بمركز أبحاث الكود، الذي مثل دعامة قوية جدا للزراعة والكادر الزراعي الوطني الرفيع، وصل الأمر إلى إنجاز بنك للبذور الوطنية السيادية، فيما هو اليوم خرابة ينعق عليها الغراب. هذه الحالة قد لا نجدها في محافظات أخرى على الإطلاق. وفي المقابل فإن العنصر القيادي في سلم الدولة والقرار السياسي يأتي في الصدارة أيضا وهذه  مفارقة عجيبة غريبة لا يستوعبها العقل والمنطق بالمرة, وتثير تساؤلات شتى. ليقل لنا ممن تسلقوا السلم على حساب أبين، وعندما أقول أبين  بمساحتها ومديرياتها الـ11،  وليست  أبين من العرم إلى العدم، كما يعرفها البعض، لهذا نتساءل: ما الذي قدموه لأهلهم غير العبث بإنسانها ومواردها؟! بل جعلوا منها ساحة للحروب والصراعات وتصويرها بيئة خصبة وتربة غنية لاستزراع وتنمية نوازع الشر والفساد والإرهاب. وعليه، إنني قد لا أبالغ إذا قلت إن الفشل والنجاح يبدأ من أبين ومن يفشل في أبين ويعجز عن تمتين لحمة نسيجها الاجتماعي والاقتصادي لن ينجح.

 في مكان آخر نحتاج لوقفة أمينة وصريحة مع النفس فيها ندرس أسباب كل هذا. لا ننحي باللائمة على أحد، ولا نتهم أحدا، ولسنا ضد أحد قدرما الكل  معنيون بدراسة الظاهرة وتشخيص أسبابها بتجرد وإنصاف بعيدا عن لغة التهم الموجهة أو الشطط الانفعالي غير المعقلن.
عندما صدر القرار الجمهوري بإنشاء جامعة أبين كتبت مستبشرا  بصحة قرار الرئيس هادي بكون الجامعة أولى الخطوات الجادة التي قد تغير وتحسن الصورة النمطية المخربشة لوجه أبين، لاسيما وهي تكتنز في ظاهرها وباطنها الكثير من أسباب النجاح والتفوق والثروة والجمال، بدليل أن هناك محطات مضيئة برزت في مراحل مختلفة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر  قيام لجنة أبين الزراعية في الأربعينات كمشروع اقتصادي زراعي أسس بداية موفقة للمدنية ومجتمع المدنية واحترام روح  النظام والقانون، وفي الثمانينات خطفت أبين الأضواء عن أخواتها المحافظات الست من خلال جملة مشاريع طموحة اعتمادا على إمكاناتها وكادرها الوطني ومحافظها الطموح محمد علي. وهذا معناه أن مقومات النجاح موجودة وميسرة، وبالنظر إلى دلتاها من بحرها إلى جبالها فهي تعد من أغنى واثمن بقع الأرض بما تمتلكه من مقومات زراعية هامة لأغلى المنتجات الزراعية، وفي باطنها  مخزون مائي استراتيجي، ويقال نفطي، ناهيك عن إنتاج سمكي وفير، وصناعة سمكية دمرت بتدمير مصنع شقرة، وفي ذات الوقت صناعة الإسمنت والرخام التي تعد جبال حطاط وحواليها من أشهر المناطق الصناعية الواعدة والهامة. هذا القول ينطبق على دلتا أحور أيضا ويرامس  في الزراعة والإسمنت أيضا، أضف إلى ذلك مستقبل زراعة البن في مديريات يافع وجيشان، وإنتاج العسل والبرتقال والخضار والثروة الحيوانية في المديريات الوسطى، ومنها مكيراس، لهذا تعد أبين من أشهر المناطق الواعدة في إنتاجها والاستثمار، اعتمادا على السمعة العالمية للبن والعسل  في الخارج منذ القدم وحتى اليوم.

لن أسهب في الشرح، ومختصر الكلام أن علة أبين ترسم من خارجها، وتنفذ بأيدي بعض أبنائها كبارا وصغارا -بكل أسف- بوعي أو بغير وعي؛ لهذا طغت لغة الحرب والنهب والطمع على لغة التنمية والاستقرار.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى