فضيحةُ القــرن !!

>
 
د. محمد  باحميش
د. محمد باحميش
دخل برشلونة إلى مسرح النزال من بوابة (الإيمان بالحظ) وهو يعزف سيمفونية الإبداع ويجر خلفه تقاليد (التيكي تاكا) وهو المنتشي بتحطيم أسوار نابولي في موقعة الانتصار للذات ، وفي المقابل دخل العملاق البافاري من (بوابة الواقعية) وهو يجر خلفه ثقافة (اللعب الجماعي) ، وهو الذي بصم مؤخراً على سباعية صَبغَت قميص البلوز التشيلساوي بلون السواد.

 * هذه المؤشرات التي وُضعت على (طاولة التنافس) ، وأُسقطت على ورق التحليل التكتيكي تنذر بـ (قمة كروية) واعدة تتكسر فيها عظام التحدي وتُقرع بها طبول الحرب ، ولكن بأبعادها الرياضية السلمية ، ومن سيطير بأرزاق هذه المواجهة سيجد نفسه في المشهد الختامي لأعرق البطولات العالمية .. وقص حكم المباراة شريط المنافسة بإطلاق (صافرة  الاستهجان) على وقوع هذا النهائي الناري قبل أوانه، ورمى قاضي المباراة كرة التنافس في ملعب الأمنيات المشروعة ، وبدا للمتابع منذ الوهلة الأولى بأن زوايا الملعب لن تميل إلى طرف على حساب الآخر ، ومع الأنفاس الأولى للنزال أبانت (الروح التنافسية) عن حرب سجالية تحت (رماد المناورة) ، تهادت أغلب كراتها خارج إطار الخشبات الثلاث.

 * وانتهت دقائق جس النبض سريعاً ، وكان لا بد للمواجهة أن تدخل في منعطف آخر ، لتفي بوعودها وتضمن الفرجة للمشاهد وتُقدَّمُ فيها الفواصل الفنية والمهارية .. كيف لا .. وساحة الملعب تزخر بألمع نجوم المستديرة ، الذين رسموا بمهاراتهم أروع اللوحات الفنية ، وكتبوا بأصابع أقدامهم (قصائد العشق والغرام الكروي) ليبدأ ميزان المواجهة بالاختلال حيث مالت (كفة السيطرة) لصالح الفريق الأبيض بلباسه، والفيروزي بأحلامه وأهدافه ، فدقَّ ناقوس الخطر في كاتالونيا، وأثمر الضغط البافاري عن هدف مبكر حمل إمضاء لاعب الخبرة (توماس مولر) فقبل أن تُمزق شباك (تير شتيجن) مزقت قلوب العاشقين والمحبين ، فتسربت معاني الشك السوداء، كتسرب الماء الزلال إلى قلوبهم فانخفض منسوب الثقة وعاشوا في فترة فراغ لم تدم طويلاً.

 * الفريق البرشلوني يجيد التعامل مع سيناريو التأخر ، فلم يرمِ (منديل الاستسلام) ، فقد حافظ على رباطة الجأش رغم الهدف المبكر الذي دمّر (خطوط الإمداد النفسي)، ولكن تيار الأمل لم ينقطع ، ولم يُخيم ظلام اليأس على مراكز القرار والتحكم ، ومن نقلة محكمة ضُرب بها الدفاع البافاري المتقدم تهادت الكرة عبر (النيران الصديقة) إلى مرمى الحارس العملاق (نوير) ، وقد حاول أن يحرف مسارها، بتحديه لـ (قانون الجاذبية) ولكن أبت الكرة إلا أن تُداعب شباكه.

 * وعادت (المواجهة الكلاسيكية) إلى مربع الصفر، ولكن بستار القيمة الإيجابية، وعزمت (العقلية الأسبانية) على إيقاف عداد المباراة عند نقطة التعادل الإيجابي لأطول فترة ممكنة ، عن طريق التموضع الإيجابي ، واتباع (سياسة الانتشار الآمن)، ولكن عقلية الألمان (الواقعية) حالت دون تطبيق ذلك (الفكر الغادر) فخلخلت خطوط الكتلان واخترقت ذلك الانكماش الدفاعي وأربكت الرسم التكتيكي للخصم ، فانكشفت (سوأة برشلونة) ونُزعت عنه ملابس التمنع والكبرياء الكروي.
 * تمكنت العقلية الجماعية من ترويض (فرس المهارة والفردية) وكبحت جماحه فضرب فريق الإبداع والإمتاع، حصاراً خانقاً على حامل الكرة ، و(بسط الألمان نفوذهم الكروي) على ردهات الملعب، وسيطروا عليه بالطول والعرض وساعدهم على فرض ذلك الإيقاع الرهيب الواقعية الألمانية ، والتحرك وفق منظومة واحدة تضغط على المنافس في مناطقه ، ومن ثم تحول تلك الهجمات إلى مشاريع أهداف دمَّرت (حصون برشلونة) وأصابتهم بمقتل.

 * وظهر فريق برشلونة على أرضية الملعب كـ (طائر) نُزع عنه ريشه ، فلم يتمكن من التحليق في سماء المنافسة ، وفقد الروح التنافسية ليظهر كـ (حمل وديع) تم وضع (سكين الفضيحة) على عنقه ، فلم يحرك ساكناً ، ولم يظهر الممانعة المطلوبة ، ومع مرور الوقت ، أظهر استسلامه ، وصار كـ (العجينة) بين أقدام الألمان ، فسُجِّي ذلك (التاريخ الوليد) في كفن الهزيمة، وأرسل إلى مزبلة التاريخ والعار، فداست أقدام الألمان على (جثة الكتلان) المثخنة بالجراح وواصلوا طريقهم نحو شاطئ التأهل وصناعة الإنجاز.

 * نجم الفريق المتوهج وجوهرته البيضاء (ليونيل ميسي) فقد إشارة ماجلان الكروية وفُقِدَت معه بوصلة الشباك البافارية إلا في مناسبتين : إحداهما ضربت القائم الأيمن ، والأخرى ذابت بين أذرع العنبكوت الألماني (مانويل نوير) وما عدا ذلك ظل البرغوث الأرجنتيني يبحث عن نفسه وذاته فلم يجده إلا و(الثمان الكرات الغادرة) تسقط فوق رأسه فتؤرق تفكيره وتحرق تاريخه.

 * إنها هزيمة قاسية ، و(هزة نفسية) ، ضربت البيت الكاتالوني ، بلغت قوتها (8) درجات على مقياس الألمان لن تمر مرور الكرام، لأنها سوف ترخي بظلالها السوداء على قلعة البارسا لتتغير معها الكثير من المعطيات ، وسوف تجبر إدارة النادي على اتخاذ القرارات الجريئة التي تعيد التوازن إلى (قطار الفريق) عقب ذلك (الزلزال البافاري) ، الذي ضرب أروقة النادي في أرض البرتغال ، حيث سوف يعيد ذلك الكابوس كتابة (البروتوكول) الخاص بالتعاقد مع اللاعبين.

 * بايرن لعبت فأبدعت ، ووعدت فأوفيت ، لقد لقَّنت فريق برشلونة أبجديات لعب كرة القدم وحطمت أسوار الكبرياء وأسْقَطَت رصاصاتك الـ (8) الغادرة قلعة ، ظل الفريق البرشلوني يشيد أساساتها طيلة (15 عاماً)، مع ذلك لا نريد لمسيرتك أن تنتهي في الجولة القادمة نريدك أن تواصل رحلة كتابة التاريخ وإعادة الروح لكرة القدم التي ظلت تتخبط في رياح العشوائية واللعب الهزيل .. أنصارك لن يرضون بغير رفع الكأس الغالية والتربع على عرش الكرة الأوروبية ، وبغير هذا (الهدف الاستراتيجي) ، سوف تذهب (ثمانيتك القاسية) أدراج الرياح وكأنك لم تسقط خصمك البرشلوني بالضربة الفنية القاضية.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى