الأخطاء الاستراتيجية الأميركية في المنطقة زادت من وجود إيران باليمن

>
لاعبون جدد في الشرق الوسط يسعون إلى ترسيخ موطئ قدم قبل انسحاب واشنطن
مع بدء العد التنازلي للانتخابات الأميركية التي ستكون المحدد الرئيس لبقاء الجيش الأميركي في الشرق الأوسط من عدمه، تزداد التكهنات بشأن خارطة التحالفات الجديدة في المنطقة المتوترة أصلا واللاعبين الأساسيين فيها بعد إتمام واشنطن انسحابها.

ومهما كانت نتيجة الصّندوق في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في نوفمبر المقبل، سواء فاز المرشّح الجمهوري دونالد ترامب أو الديمقراطي جو بايدن، فإن الأميركيين يتطلعون إلى قيام بلادهم بدور أقل في الشرق الأوسط حيث أعرب هؤلاء عن رأيهم هذا في العديد من دورات الحملات الرئاسية ما يثير تساؤلات بشأن الأطراف الرئيسية التي ستملأ الفراغ الذي ستتركه الولايات المتحدة في منطقة توصف بأنها “جحر أفاع” على ما احتوته من فاعلين لهم مصالح متضاربة.

ويقول وليام ويشسلر، مدير برنامج الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي الأميركي للأبحاث إن الأهم من ذلك هو أن الأطراف الفاعلة في المنطقة تعاملت مع ثلاثة رؤساء أميركيين متعاقبين تخلّوا عن الدور الأميركي التقليدي المتمثل في الحفاظ على الوضع القائم في الشرق الأوسط، وفعل كل منهم ذلك بطريقة مختلفة.

ويرى ويشسلر، الذي كان نائبا سابقا لمساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون العمليات الخاصة ومكافحة الإرهاب، أن توقيتات الانتخابات الأميركية، وليس الاستراتيجية، هي الدافع وراء القرارات الخاصة بتخفيض عدد القوات الأميركية في العراق وأفغانستان.

ويضيف في تقرير نشرته مجلة “ذا ناشيونال أنتريست”  الأميركية إن الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط تسمع الإصرار المتكرر للرئيس دونالد ترامب على أن الولايات المتحدة ليست مهتمة بالحفاظ على التدفق الحر للطاقة، وهو أمر كان يعد من أساسيات الوجود الأميركي طوال أربعين عاما.

وتشهد الأطراف الفاعلة الخلل العميق في السياسة الأميركية والتصدع المتزايد في المجتمع الأميركي، وهو ما يدفعها إلى التساؤل عن المدة التي ستظل فيها الولايات المتحدة قادرة على قيادة المنطقة. ولذلك فهي تقوم بالفعل بالاستعداد لهذا المستقبل.

ونتيجة لذلك، يشهد العالم ميلاد نظام جغرافي سياسي جديد في الشرق الأوسط. وهو نظام من المرجّح أن يكون أقل استقرارا حتى من النظام الخطير الذي أصبحت المنطقة معتادة عليه، نظام ينطوي على عدد كبير من الأطراف الفاعلة ومستقبل أكثر غموضا. ولكن معالم هذا النظام أصبحت الآن محورا للتركيز.

ويقول ويشسلر إن الصين محرك اقتصادي دائم بالنسبة إلى جميع دول الشرق الأوسط، وهي شريك تجاري أساسي بالنسبة إلى معظمها، ومستهلك لا غنى عنه للطاقة بالنسبة إلى بعض هذه الدول، ولكن لم تصبح بعد لاعبا مهما في الجغرافيا السياسية للمنطقة. ومن المحتمل أن تتحرك في هذا الاتجاه في العقود المقبلة عندما تستخدم بكين ذات النشاط التجاري المتزايد أسطولها البحري المتنامي لحماية شريان الطاقة بالنسبة إليها.

في المقابل، هناك ثلاث دول أخرى غير عربية وهي إيران وتركيا وروسيا، تسعى بالفعل لملء الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأميركي المرتقب.

وبالنسبة إلى إيران فإنها طوال العقدين الماضيين وبفضل الأخطاء الاستراتيجية الأميركية زادت من وجودها ونفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن وأفغانستان. فإيران تعمل إلى جانب الوكلاء الذين يعملون لصالحها على غرار حزب الله في لبنان وميليشيا الحوثي في اليمن وغيرها وتمدهم بالأسلحة الدقيقة لاستهداف المدنيين في إسرائيل ومنطقة الخليج، كما تقوم بتنفيذ عمليات سرية لزعزعة الاستقرار في المجتمعات التي تضم مواطنين شيعة. وقد استخدمت مؤخرا القوة العسكرية المباشرة عبر الحدود وفي المياه الدولية.

ويبدو أن قرار واشنطن استخدام طائرة مسيرة لقتل اللواء الإيراني قاسم السليماني جعل إيران أقل استعدادا لتهديد الأميركيين علانية، رغم أنها تواصل هدفها وهو طرد الولايات المتحدة من المنطقة.

وبالنسبة إلى تركيا فقد تولى الرئيس رجب طيب أردوغان منصبه وهو يتبنى أجندة إسلامية، محاولا ترسيخ تركيا كقائد طبيعي للمسلمين وخاصة السنة في المنطقة، وبالتالي هو قائدهم. واختارت تركيا في ظل إدارة أردوغان الوقوف إلى جانب الإخوان المسلمين ودعم أجنداتهم في المنطقة.

كما تقوم تركيا بعمليات عسكرية في سوريا والعراق وليبيا؛ ولها قوات متمركزة في قطر، وباتت لها أجندة كذلك في اليمن والصومال والسودان؛ وتهدف إلى أن تصبح لاعبا أساسيا في المنافسة على موارد الطاقة في شرق البحر المتوسط. وعلى الرغم من أن تركيا ما زالت حليفا رسميا للولايات المتحدة من خلال حلف شمال الأطلسي (الناتو) أدت تصرفاتها المتكررة إلى توتر العلاقات الثنائية، التي ربما وصلت إلى أدنى مستوياتها عندما قررت أنقرة شراء نظام الدفاع الجوي الروسي إس – 400.

وبالنسبة إلى روسيا فإن أهدافها لا تتوافق مع المصالح الأميركية. فقد تحالفت مع إيران لدعم النظام السوري، وتسعى إلى بيع أسلحة متقدمة في المنطقة بهدف تهديد الجيش الأميركي وتوسيع نطاق وجودها في البحر المتوسط لتهديد الناتو.

ولعبت روسيا دورا دبلوماسيا حيث أصبحت عاملا أساسيا بالنسبة إلى أي قرار يتعلق بسوريا، ومن خلال ذلك عززت علاقاتها مع إسرائيل وتركيا.

ولمواجهة هذا الصعود لنجم دول غير عربية في المنطقة، هناك تحالف جديد تشهده المنطقة تمثلت بداياته في التقاء كبار المسؤولين من الإمارات العربية المتحدة والبحرين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن يوم الثلاثاء الماضي لتوقيع اتفاقيتين لتطبيع العلاقات.

ويرى ويشسلر أنه، دون جدال، يعتبر ظهور هذا التحالف تطورا إيجابيا بالنسبة إلى الولايات المتحدة، لأن هيمنة إيران أو روسيا أو تركيا على منطقة الشرق الأوسط لا تخدم مصالح الأمن القومي الأميركي. ويتعين على الولايات المتحدة تعزيز هذا التحالف الجديد وإعادة تأكيد دورها الإقليمي وتصحيح حجم تواجدها واستراتيجيتها وتجنب التخلي عن المنطقة لصالح آخرين.

عن العرب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى