صبر الحمير يهزم قوة الفيلة

> أحمد يسلم

> على مدى أيام مضت تسمر العالم مشدودا إلى سباق الانتخابات الرئاسية في الدولة العظمى الأقوى في العالم الولايات المتحدة الأمريكية بين مرشحي الرئاسة ترامب عن الحزب الجمهوري وشعاره الفيل ومنافسه الفائز بمقاعد المجمع الانتخابي بأكثر من 300 مقعد جون بايدن.

قال المراقبون إنها أقوى الانتخابات الرئاسية في تاريخ أمريكا تنافسا وحدة وحشودا وتصويتا، بل وأكثرها إنفاقا على الحملات الدعائية والترويج الانتخابي. المتابعون لنتائج الفرز الأولى بدا أن الرئيس ترامب سيكتسح نتائج الانتخابات لكن ما لبث أن استمرت عمليات الفرز للأصوات الإلكترونية حتى ترنح ترامب كثور هائج يكثر من التغريدات والتصريحات العنترية والاستعراضية زاعما تارة بالتزوير وتارة إعلانه الفوز بالأصوات القانونية كما قال، وثالثة مطالبا بإيقاف الفرز وإعادة عد الأصوات، ورابعة بالمراهنة على المحكمة الدستورية العليا لتسيد البيت الأبيض. كل هذه الحركات الترامبية وفقا وأسلوب وطريقة ترامب لن تجدي نفعا أمام الفوز المستحق لبايدن الذي خرج إلى العالم مع بدايات إعلان نتائج الفرز بدعوة ناخبيه إلى التحلي بالصبر وعدم الاستعجال معتمدا على نصيحة جده التي كان يوصيه بها كما قال، ولم يقل طبعا عن صبر الحمار الحيواني والانتخابي الديمقراطي.

والسؤال الآن ما سر اختيار الديمقراطيين شعار الحمار؟

السر ينبع هنا من أن الحمار ذلك الحيوان الصبور يتصف أصلا وقبل كل شيء بقوة التحمل والصبر، وبالتالي تجنب اقتحام المخاطر، بل إن الحمار سيكولوجيا يمتاز عن سائر الحيوانات بقدرات خارقة في استشعار الخطر قبل وقوعه، ومن حكمة الصبر والجلد جاءت موهبته في استشعار الخطورة وبالتالي عدم المغامرة في اقتحام الأهوال، عكس الفيل ذلك الحيوان الضخم الذي يتصف بالقوة وحمل الأثقال بيد أنه قد يموت لمجرد حشرة صغيرة تلج أذنه وتجعله يحطم رأسه ويدوس جثة صاحبه.

الآن أمام بودن تحديات كبيرة وصعبة كما قال هو، في مقدمتها (كورونا) التي ربما كانت السبب في خسارة ترامب وهو الذي لم يكترث لها بل وسخر منها ونجاح خصمه الذي دعا أنصاره وناخبيه إلى التصويت الإلكتروني، فكان ذلك ليس سر الحشرة الصغيرة بل الفيروس غير المرئي الذي حطم قوة الفيل وكبرياء وصلف ترامب معا.

رغم عظمة أمريكا إلا أن انتخابات هذه المرة كشفت أشياء كثيرة عن (أمة منقسمة) كما عنونت كبريات الصحف الأمريكية صبيحة يوم إغلاق مراكز الاقتراع، وبالتالي تنامي الانقسام والتطرف اليميني والعصبية بين السود والبيض، وقد عزاه خصوم لترامب نتاجا لسياساته وإدارته المتعجرفة للبيت الأبيض وبالتالي خلق توترات مع الصين التي نسب إليها فيروس كورونا، ناهيك عن خلافه الكبير مع أوربا التي وصفها ذات مرة بالعدو، وهذا ما أغضب ميركل وماكرون ومعظم دول القارة العجوز، وفي المقابل إصراره على صفقة القرن ونقل سفارة أمريكا إلى القدس ضاربا عرض الحائط بكل قرارات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا ودول العالمين الإسلامي والعربي. وفوق هذا وذاك إخراج أمريكا من منظمة الصحة العالمية واليونيسكو ورفض نتائج مؤتمر المناخ العالمي، والاتفاق النووي الإيراني، ولم يردع غروره سوى الزعيم الكوري الشمالي حين رد على توعد ترامب باستخدام القوة برد عملي بإرسال صاروخ عابر للقارات إلى جزيرة نائية أبعد من أمريكا.

أعتقد أن الناخب الأمريكي قد أدرك أن ترامب يقود أمريكا إلى المجهول وأن نجاحه في دورة رئاسية أخرى قد يعصف بقوة أمريكا كما فعل من قبله (جورباتشوف).

حقا لقد هزمت (الترامبية) وطريقة ترامب في الحكم والإدارة ولكن بصعوبة بالغة، كونها هزمت من رأسها لا من أخمص قدميها، هزمت النزعة العنصرية ونزعات اليمين المتطرف وتقسيم المجتمع التي كانت ستقوى وتتمدد فيما لو فاز ترامب مرة أخرى ليس في أمريكا بل ودول العالم، وهذا كان سر مخاوف ميركل وماكرون وآخرين. هزمت أطماع نتنياهو بالتأكيد ونظرية شراء مواقف أمريكا بالمال على حساب مبادئ الديمقراطية والحرية والعدالة التي على أساسها كانت قوة أمريكا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى