لعنة القارب

> هايل علي المذابي

> في ليلة من شهر شباط القارس ذهبت أفكاري إلى أن أستأجر قارباً، فالليل طويلٌ في شهر شباط، ولا بد من أن أعبر نهر الليل إلى الضفة الأخرى. صعدتُ على متنِ القاربِ لا أفقهُ مما يحدثُ شيئاً. لا أملكُ أي تعاليمٍ. لم يُرسَم لي دربٌ، كنت على متن القارب وحدي أمسِكُ مجدافين، وأجدف نحو الضفة الأخرى ولا شيء سوى ذلك. حين وصلت كان الفجر بتلك الضفة يتوضأ ليصلي، يتعوذ من همزات الشيطان ولمزاته. كان عليّ أيضاً إعادة ذاك القارب من حيث أتيت به في الضفة الأولى لليل حيث غروب الشمس، ثم كان عليّ أن أتركه وأغادر. هنا حيث الضفة قالت لي نورسةٌ: ليس لها وطنٌ لا يمكن تركُ القاربِ. عليك أن تجد الشخص الآخِر ليبحر معك إلى الضفة ثم تسلمه المجدافين وتمضي في حال سبيلك ثم تصبح حراً.

من ذلك اليوم ومن تلك اللحظة وأنا أعمل في نقل الناس كبضائع تاجر يتهرب من مصلحة الجمرك من الضفة إلى الضفة. من ذاك اليوم وأنا أسألهم: من هو آخِر شخص في الرحلة؟ هل أنتَ أم أنتِ؟ ويجيبون جميعاً: لسنا آخِر شخصٍ في الرحلة. بعد سنين قابلت النورس مرة أخرى، وقد صار عجوزاً. أخبرني: "لعنة هذا القارب صنعت قدرك!".

وصار الحلم أكثر وعياً في هذي المرة. صار التحرر أن أجد الشخص الآخِر في الرحلة. ولا بد أن أتحرر من لعنة هذا القارب أن أجد الرقم المتناهي، آخِر رقمٍ في الرحلة. يا ربّ متى أتحرر من هذي اللعنة، وأغادر هذا القارب؟. يا رب متى يأتي من يعتق كفيّ من المجدافين، ويعتق قلبي من ربق اللعنة؟.

فكرت مليّاً.. فكرت طويلاً.. لم يبق أحد غيري. أيكون أنا هو آخِر شخصٍ في الرحلة؟!

ذلك ما قالته نوارس نهر الليل في آخر لحظة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى