تعيين توكل كرمان مثالا.. شكوك مشروعة حول حياد مواقع التواصل الاجتماعي

> د. عماد بوظو

>
د. عماد بوظو
د. عماد بوظو
استجوب الكونجرس الأميركي قبل أيام مؤسس فيسبوك مارك زوكر بيرج ومدير تويتر جاك دورسي، بعد اتهامات من نواب جمهوريين بأن المنصتين تقمعان الأصوات المحافظة على مواقعهما، وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أصدر قبل بضعة أشهر أمرا تنفيذيا يهدف إلى إلغاء بعض جوانب الحماية القانونية لشركات التواصل الاجتماعي. والشركتان أميركيتان وتخضعان لقوانين بلدهما رغم أنهما شركات عملاقة، فقد بلغت قيمة فيسبوك 777.41 مليار دولار وقيمة تويتر 34.69 مليار في عشرين نوفمبر الحالي.

كما أن عدد مشتركي فيسبوك أكثر من 2 مليار، ولدى تويتر بضعة مئات ملايين المشتركين بما يعطي للشركتين أهمية استثنائية نتيجة تأثيرهما الكبير في صناعة الرأي العام خصوصا بعد إغلاق وإفلاس الكثير من الصحف والمجلات الورقية، وتراجع دور الإعلام المرئي والمسموع لمصلحة وسائل التواصل الاجتماعي خلال السنوات الماضية، بحيث أصبح أكثر من تسعين في المائة من جيل الألفية الحالي يعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي لتلقّي الأخبار والمعلومات والتفاعل مع العالم الخارجي، بينهم مئات ملايين المدمنين على تلك المواقع، وفيسبوك وتويتر من أكبر تلك المواقع وأكثرها تأثيرا.

رغم أنهما كانتا في البداية مجرد منتدى للمشتركين يعبرون من خلاله عن آرائهم ويتحمّلون لوحدهم المسؤولية عن تلك الآراء، ولم تكن الشركتان مسؤولتان بشكل عام وقتها عن المحتوى رغم أن بإمكانهما حجب بعض المنشورات ذات المحتوى الفاحش أو العنيف أو المزعج، ولذلك كانت هذه المواقع مشمولة بالمادة 230 من القانون الأميركي التي منحتهم حصانة قانونية تمنع مقاضاتهم لأنها صنّفتهم كوسطاء مثل بائعي الصحف غير المسؤولين عن محتواها، ولكن الزيادة الكبيرة في أهمية هذه المواقع واستغلالها من قبل أطراف وجهات عديدة جعل مراقبة محتوياتها أمرا لا غنى عنه.

كما كانت هذه المواقع في طريقة عملها القديمة عاجزة عن التعامل مع الحسابات الوهمية خصوصا تلك التي تساعد في نشر الكراهية أو الترويج لنظريات المؤامرة، والتي كان منشأها في أحيان كثيرة أجهزة دول عملت على بث دعايات أو على التحريض ضمن وسائل التواصل لخدمة أهدافها الخاصة، مما جعل الموضوع أكثر تعقيدا فلهذه الأجهزة قدرة أكبر على الالتفاف على محظورات شركات التواصل والتدخّل بشكل فعال في توجيه المزاج والرأي العام الشعبي بأساليب أكثر تعقيدا وبما يجعل مراقبتها وإغلاقها أكثر صعوبة.

ويمكن أخذ فكرة عن ذلك في التدخل الروسي الذي سبق الانتخابات الأميركية عام 2016 والتي اعترف مسؤولو الشركتين خلال جلسة استماع في الكونغرس عام 2018 بالإخفاق في التعامل معه نتيجة عدم الاستعداد له والبطء في مواجهته، ووقتها قالت مصادر أميركية إن مواقع روسية أقامت المئات من الحسابات الوهمية لبث الفرقة في الشارع الأميركي في تقاسم أدوار بين حسابات تروّج مثلا لتفوق العرق الأبيض وأخرى تستنكر التمييز الذي يتعرض له الأميركيون من أصول أفريقية، وحسابات تتحدث عن الحق في اقتناء وحمل السلاح وأخرى تدعو لانفصال كاليفورنيا أو تكساس عن الولايات المتحدة بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والذي تم اتهام حسابات أجنبية بالتشجيع عليه، ولم يكن من الممكن لمثل هذه المساعي أن تنجح أو تحدث أثرا أو فرقا لولا وجود انقسام حاد ومتقارب في الرأي العام، وكان هذا سببا إضافيا لحماية ومراقبة هذه المواقع.

ولذلك قامت هذه الشركات بتعيين عشرات آلاف الموظفين مؤخرا لمراقبة ما يتم نشره في مواقعها ضمن ضوابط حددتها، منها عدم نشر أخبار كاذبة، أو الترويج لخطاب الكراهية وهو استخدام لغة تحقيرية أو تمييزية تجاه شخص أو مجموعة بشرية على أساس الهوية أي العرق أو الدين أو الجنس أو اللون أو النسب أو أي عامل هوية آخر، ولكن هذه المحظورات والممنوعات اصطدمت مع حرية التعبير كمبدأ يجب الحرص عليه، كما أن هذا طرح تساؤلا آخر حول كيف تقوم إدارة الشركتين بمراقبة الآراء السياسية لهؤلاء الموظفين المكلفين بمراقبة المحتوى للتأكد من حيادهم.

وفعلا مع زيادة الدور الرقابي ضمن فيسبوك وتويتر كثرت الاتهامات لهما بالحجب المضلّل، أي إزالة منشورات لأسباب أخرى غير تلك المذكورة نتيجة ميل أيديولوجي عند الشركات أو بعض موظفيها، وكذلك اتهمت بعدم الحياد عندما قامت بالتشكيك بصحة بعض المعلومات أو الأخبار أو الحذف الكامل لبعض المنشورات ومعاقبة بعض المشتركين بالحرمان من التعليق أو الكتابة أو التفاعل وحتى إغلاق الحساب لفترات متفاوتة، ومثل هذه التصرفات جعلت الشركات غير جديرة بالحصانة، لأنها عندما تقوم بفرض رقابة على المحتوى تصبح مسؤولة عن ما يتم نشره لأنها تكون قد تحولت إلى دار نشر بعد أن كانت مجرّد منتدى للمشتركين مما ينزع عن الموقعين الحماية التي توفرها المادة 230.

وإذا كانت مراقبة المحتوى في مواقع التواصل ومراقبة حياد المنصات ممكنا وغير معقّد عند استخدام اللغة الإنكليزية لأنها اللغة العالمية التي يتقنها أغلب موظفي مواقع التواصل ومن السهل ملاحظة وإثبات أي تحيّز فيها بمجرد حصوله، ولكن الموضوع يصبح أكثر صعوبة ويلاقي عقبات إضافية عند استخدام لغات أخرى مثل اللغة العربية، ففهم محتوى أي تعليق ومعرفة إذا كان يطابق المعايير المطلوبة في وسائل التواصل يتطلب فهما كاملا لتلك اللغة وحيادا من المراقب، وفي كثير من الأحيان من الصعب فهم المحتوى الحقيقي للمنشور عند من لا تكون اللغة العربية هي لغته الأم، فيصبح من السهل اتهام منشور بأنه عنصري مثلا إذا قام بانتقاد بعض الأفكار أو التوجهات الثقافية أو السياسية لبعض الدول والأطراف.

وكان من الأمثلة الإشكالية تعيين الناشطة والسياسية اليمنية توكل كرمان في مجلس حكماء فيسبوك، ورغم أن كرمان حائزة على جائزة نوبل تكريما لدورها في الربيع العربي، لكنها متهمة اليوم بأنها قريبة من محور الإسلام السياسي، كما عبرت مرارا وبوضوح عن وقوفها ضد المحور السعودي المصري الإماراتي الداعم لحكومة هادي في اليمن المواجه للمحور الآخر المدعوم إيرانيا، وبالتالي يصبح حيادها في المواقف الإقليمية أمرا مشكوكا فيه، كما أن الإسلام السياسي بشكل علم لا يتفق تماما مع مبدأ الحرية الدينية التي يجب أن يحرص عليها الفيسبوك،. والسيدة كرمان هي العربية الوحيدة في هذا المجلس الذي يعتبر بمثابة المحكمة العليا في هذه المنصة، أي المرجع الرئيسي للمشاركات بهذه اللغة، كما أنه من اللافت للنظر أن موقف كرمان المعادي للسعودية قريب من موقف الكثيرين في اليسار الأميركي، الذي يتهم المحافظون هذه المنصات بمحاباته، مما يثير تساؤل إن كان تعيينها أكثر من مجرد مصادفة.

من المسلّم به أن المطالبة بالموضوعية والحياد في ظروف العالم الحالية أمر بالغ الصعوبة وحتى غير واقعي مع الانقسام الحاد الذي يشهده العالم على كافة المستويات والذي يمكن ملاحظته في غياب الاحترافية عن الأغلبية المطلقة من وسائل الإعلام التقليدي، ومن الصعب المراهنة على حياد مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي لابد من مراقبة محتوى هذه المواقع وتنبيه القائمين عليها عن أي حادثة تحيّز أو تحامل، والبحث عن طرق لإيصال الرأي الآخر لإدارة هذه المنصات ودفعها لتكون أكثر موضوعية وأن لا تغرّها القوة التي تتمتع بها حاليا وفي حال إصرار هذه المنصات على التحيّز فلابد من البحث عن حلول أخرى.

"قناة الحرة"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى