جبهات المجلس الانتقالي الجنوبي "1 - 3".

> د. خالد لقمان

> بالنسبة للجنوبيين المطالبين بالاستقلال، التحرير، الانفصال، استعادة الدولة، وحتى الجنوبيين الذين لا يمانعون بقاء الكيان الجنوبي موحداً في إطار فضفاض مع الشمال، بالنسبة لهم جميعاً، فإن المجلس الانتقالي الجنوبي هو الحامل الأقوى لمشروعهم السياسي ولمطالبهم الوطنية، هو ممثلهم. حتى إن الكيانات والشخصيات الجنوبية المناوئة للانتقالي ارتفعت قيمتها من حجم مناوأتها للانتقالي وعملها أو استخدامها ضده. كما كانت- بالنسبة للجنوبيين- كل الكيانات التي سبقت المجلس وحملت المطلب الجنوبي، من موج وحتم وتاج ولجان التصالح والتسامح وجمعيات المتقاعدين والحراك الجنوبي والمقاومة الجنوبية وصولاً إلى تكوين المجلس الانتقالي الجنوبي وتشكيل القوات العسكرية المحسوبة عليه.

الفضل في قوة الانتقالي يعود إلى دماء شهداء الفعاليات السلمية

المجلس هو الكيان الجنوبي الأقوى والأكثر نضوجاً حتى الآن، ويعود الفضل بعد الله سبحانه وتعالى فيما تحقق إلى دماء شهداء الفعاليات السلمية وشهداء مقاومة الحوثيين، وإلى آلام المصابين وجراحهم وصبر الأرامل والأيتام والثكالى والمكلومين، وإلى الإمارات العربية المتحدة التي تدخلت في وقت كان الحوثيون فيه يقصفون نصف عدن ويحتلون نصفها الآخر، دعمت وحاربت ثم قدمت المجلس والقضية الجنوبية إلى العالم.

إنما قيادات المجلس هم بشر مثلنا في آخر المطاف، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، وبالتالي فهم عرضة للخطأ تماماً كما هم عرضة للصواب. علينا كجنوبيين أن نؤسس ونؤصل لنقد وتصويب المجلس الانتقالي الجنوبي وأي قيادة تتولى قيادة القضية الجنوبية وتتحمل مسؤوليتها وأثقالها، يجب علينا أن نلفت أنظارهم إلى معاناة الناس إذا انفصلوا عنها أو انعزلوا، كما يتوجب علينا أن نشيد بهم عندما يصيبون.

الجبهات أمام المجلس الانتقالي متعددة، جبهات دبلوماسية وسياسية وعسكرية وأمنية وإعلامية وجبهة الخدمات الأكثر قرباً وأهمية عند الناس.

دبلوماسياً
الجبهة التي حقق فيها المجلس النجاح الأكبر هي الجبهة الدبلوماسية، إذا نظرنا للمجلس كامتداد للقضية الجنوبية التي بدأت منذ حرب 94 سنستشعر أهمية الاختراق الدبلوماسي الذي تحقق منذ أن كانت القضية حبيسة القلوب والسجون وتوزيع المنشورات، مروراً بتنفيذ فعاليات سلمية في شوارع مدن الجنوب وأريافها تُسال فيها دماء الجنوبيين ولا تغطيها أي وسيلة إعلام عربية أو أجنبية، إلى أن وصل المجلس والقضية إلى مقابلة ودعم قادة وسفراء الدول المؤثرة إقليمياً كالسعودية والإمارات ومصر وإلى مقابلة دبلوماسيي وسفراء الدول العظمى كنائب وزير الخارجية الروسي والسفير الأمريكي وباقي سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والمبعوث الأممي، وصولاً إلى تغريدة وزير الخارجية الأمريكي التي دعا فيها المجلس والحكومة اليمنية إلى العودة إلى العملية السياسية.

دبلوماسياً، نجح المجلس أيضاً وبصعوبة بالغة في أن يظهر القضية الجنوبية كقضية مستقلة –إلى حد ما- عن المشكلة اليمنية. أيضاً، تحظى القضية والمجلس اليوم بتفهم المملكة العربية السعودية، وهذا تطور مهم إذا ما قورن بالوضع منذ حرب 94.

الإنجاز الدبلوماسي الآخر الذي أخذ في التكون هو اعتبار المجلس جزءا من محور إقليمي يضم الإمارات والسعودية ومصر بالتوازي مع محور تركيا، قطر، الإخوان المسلمين ومحور إيران وحلفائها في لبنان والعراق وسوريا واليمن. مع الأخذ في عين الاعتبار خطورة التقارب والتنسيق المتوقع بين محوري إيران وتركيا وتأثيره على القضية الجنوبية.

أن يصبح المجلس الانتقالي الجنوبي جزءا من محور فاعل ومؤثر في المنطقة يعطي المجلس ومن خلفه القضية الجنوبية قدرا لا بأس به من التأمين أمام تقلبات السياسات الدولية وتعقيد الوضع السياسي والأمني في الشرق الأوسط ككل. إذ يفقد الشرق الأوسط أهميته بالنسبة للقوى العظمى، الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا خصوصاً، اكتفت أمريكا من نفط الشرق الأوسط وتستورد أوروبا نسبة بسيطة فقط من نفطها من الشرق الأوسط. بالتالي تقلل وستقلل الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا من دورها -الشرطي ورجل الإطفاء- في الشرق الأوسط. السبب الآخر لتقليل اهتمام هذه الدول بالشرق الأوسط هو عدم احتياج إسرائيل إلى نفس مستوى الحماية العسكرية والدبلوماسية التي احتاجت له في السابق.

لن ينتهي تأثير الولايات المتحدة ودول أوروبا في الشرق الأوسط بكل تأكيد، فما زالت للممرات البحرية أهمية عالمية وما زال تهديد الإرهاب قائما وعابرا للقارات وكل ما يحدث في الشرق الأوسط يؤثر على هذه الدول بشكل أو بآخر.
الحرب في سوريا على سبيل المثال أدت الى تدفق ملايين اللاجئين إلى أوروبا. لكن يبدو أن تأثير هذه الدول واهتمامها بالشرق الأوسط ينحسر في نفس الوقت الذي يزداد فيه تأثير قوى إقليمية تعمل على تكوين محاور مختلفة الأجندات.

لا يملك المجلس الانتقالي الجنوبي ولا الكيان الجنوبي المنشود رفاهية الحياد السويسري. تنضم كل دول العالم -حتى القوية منها- في محاور مصالح اقتصادية وعسكرية وأمنية ودبلوماسية، توجد في كل محور من هذه المحاور دول تتباين في أهميتها وتأثيرها وقوتها العسكرية ومساحتها وقدراتها الاقتصادية، يجمعها توجه استراتيجي عام.
إخوان اليمن سيدعمون استقلال الجنوب في حال ضمان السيطرة

الخيار الآخر فيما يتعلق بمحاور المنطقة هو خيار غير مطروح على الإطلاق لأسباب أخلاقية وتاريخية ومذهبية، خيار الانضمام لأحد المحورين الآخرين في المنطقة. هناك صعوبة حد الاستحالة بين توافق التوجه الاستقلالي للجنوبيين وبين الطبيعة الجماعاتية القائمة على الولاء والطاعة لمحور تركيا، قطر، الإخوان، سيدعم الإخوان المسلمين استقلال الجنوب في حالة واحدة فقط، هي ضمان سيطرتهم عليه، وهي سيطرة تنسف المشروع الاستقلالي نفسه وتفقده معناه.

المحور الآخر، محور إيران، هو محور طائفي كامل الدسم، نادٍ مغلق، من يرفضه يُمطَر بالبراميل المتفجرة.
قوة المجلس الانتقالي الجنوبي والقضية الجنوبية من قوة محور السعودية، الإمارات، مصر، وهذا المحور هو بوابته الأكثر انفتاحاً نحو الدول الكبرى، لن تصل القضية الجنوبية إلى الدول الكبرى عبر إيران أو تركيا لكن تصل إليها اليوم عبر الإمارات والسعودية.

سياسياً
مبدئياً، لا يمكن إغفال النصر السياسي الكبير الذي حققه الانتقالي في فرض أن تكون نصف الحكومة من الجنوب وإن لم تكن من الانتقالي، علينا أن نتذكر أن الجنوب كان فرعا عاد إلى أصل في خطاب وعقلية نخبة الشمال الاستيلائية.

في أحسن السيناريوهات السابقة كان الجنوب يمثل بعدد السكان فقط، أي أنه كتب عليه أن يبقى كأقلية على الدوام. أن تصبح نصف الحكومة من الجنوب في اتفاق أشرفت عليه القوى الإقليمية وباركته الأمم المتحدة والقوى العظمى فهو اعتراف ضمني أن الجنوب هو نصف الجمهورية اليمنية لا خمس سكانها. هذا انتصار وجزء من رد اعتبار للجنوب ككل قبل أن يكون انتصاراً للمجلس. ومع ذلك فعلى الجبهة السياسية لم يحصل المجلس على الدرجة الكاملة، السبب الأول يعود إلى رفع السقف في "إعلان عدن" خصوصاً فيم يتعلق بإدارة وتمثيل الجنوب. والسبب الآخر هو أن المجلس لعب في دوري المحترفين أمام علي محسن الأحمر بفريق شباب حسن النية وثق في الرئيس هادي.

أحد مكامن قوة المجلس هي نفسها أحد مكامن ضعفه، كون معظم قيادات المجلس من الشباب حمى المجلس من موروث الصراعات السابقة في الجنوب إلى حد كبير، كما أنه انعكس عدة مرات في تعامل الانتقالي مع خصومه الجنوبيين عند انتصاره عليهم.
وقع أو أوقع المجلس في فخ تحويل الصف الأول من قياداته المقاتلة إلى موظفين في شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي يستطيع إقالتهم، كمنصب محافظ عدن ومدير أمنها بعد تحرير عدن. ربما يمكن الجدال حول هذه النقطة ما إذا كانت خطأ استراتيجيا أم حسن نية أم فرصة للمشاركة في القرار.

الخطأ الآخر الذي وقع فيه المجلس أنه انشغل في الصراع مع أدوات جنوبية نفخها علي محسن واستخدمها لكسب الوقت بينما المعركة الحقيقية هي معه هو. كل يوم تأخير في حل قضية الجنوب واليمن بشكل عام يعطي علي محسن براميل نفط إضافية. ماذا لو اشترط المجلس وتزمت ولو من باب المناورة في إقالة علي محسن الأحمر كما أقيل بحاح وشلال؟ ماذا لو اشترط المجلس أن يحدد هو أو يوافق على تعيين نائب رئيس الجمهورية مع التوقيع على عدم إقالته دون موافقة المجلس؟ اشترط جون جرنج والحركة الشعبية لتحرير السودان أن يكون نائب رئيس الدولة السودانية من الحركة.

تمثيل أبين وشبوة العمق الحقيقي لقوة الانتقالي

ضعف آخر كان في تعامل المجلس مع أبين وما عرف سابقاً بالمحمية الشرقية، باستثناء نجاحه في سقطرى. ففي أبين، لم يحسب الانتقالي حساب الرئيس هادي ورجاله من أبناء أبين، فتح هذا الخطأ في الحساب الباب أمام استحضار حرب 86 بشكل عبثي ومراوغ من خصوم الانتقالي. يتشابه الوضع الاجتماعي في أبين مع الوضع في شبوة ووادي حضرموت والمهرة. هناك، القبيلة ومصلحتها أولوية، هذه الأولوية تتقدم على أي أولويات أخرى، ببساطة كما تتقدم مصلحة الأسرة على أي مصلحة أخرى. كما أن تأثير شيوخ القبائل والوجاهات على أبناء تلك المناطق يجعل في استمالتهم المفتاح السحري. عرف علي عبدالله صالح هذه الخلطة السحرية ومارسها قبله الإنجليز بينما لم يمارسها المجلس وتعامل مع كل منطقة من هذه المناطق -أبين، شبوة، وادي حضرموت والمهرة- ككتل واحدة، كتل مضمونة. تسلل الآخرون من خلال هذه الخصوصية القبلية. خصوصية أخرى هي الجغرافيا، الطبيعة الجغرافية المفتوحة لهذه المناطق تجعل السيطرة عليها مستحيلة دون تعاون سكانها الكامل. واجهت الدولة المصرية القوية نفس المشكلة مع الطبيعة الاجتماعية والجغرافية لسيناء.

سياسياً، سيصبح موقف المجلس الانتقالي الجنوبي أقوى لو تمكن من تمثيل وضمان أبين وشبوة ووادي حضرموت، حينها قد تخف حدة الصراع على المهرة.

يحتاج ملف المناطق الصحراوية الجنوبية إلى مراجعة شاملة، إلى تشكيل لجنة حكماء حقيقية، تقوم بالتواصل والتنسيق وإجراء لقاءات مكثفة تنتهي بتوصيات حقيقية مزمنة وقابلة للتنفيذ. لقاءات تتحسس مخاوف الناس ومطالبهم، تحمي مصالحهم وتغلق الباب أمام الاختراقات، توصيات تعترف بالخصوصيات والاختلافات والتاريخ والجغرافية. مثلاً، لا بأس من توسيع هيئة رئاسة المجلس لصالح هذه المناطق.

لهذه المناطق أهمية كبرى للجنوب، فمعظمها ينتمي للتقسيم الاستعماري للجنوب في المحمية الشرقية، ومنها من حُسب على الطرف المهزوم في صراعات سابقة، ومعظمها يحتوي الثروات الأساسية للجنوب ما يجعلها في عين الصراع مع النخبة الاستيلائية اليمنية، وتشكل هذه المناطق المساحة الجغرافية الأكبر للجنوب.

هناك شخصيات مهمة من هذه المناطق ضمن قيادة المجلس الانتقالي السياسية والعسكرية، لكن هذه الشخصيات لن تتمكن وحدها من ضمان ضم (كل) مكونات هذه المناطق للمجلس الانتقالي الجنوبي وسد الثغرات. لا بأس ولا بد من توسيع تمثيل المكونات والفئات المختلفة لهذه المناطق في قيادة المجلس وإشراكها في صنع القرار.

"خاص بالأيام"
يتبع...

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى