تبديل التحالفات ومأزق الشرعية

> قاسم عبد الرب العفيف

> بعد أسابيع، ستكون قد مرت ست سنوات على الحرب في اليمن، أظهرت الشرعية فشلها في إدارة الحرب شمالاً وإدارة المناطق المحررة جنوبا. تمسك الشرعية بنهج نظام 7/7 تجاه الجنوب خلق ثغرة في جسم التحالف العربي الذي يعتبر الجنوبيون جزءا رئيسا منه، وإربك المشهد العسكري والسياسي نتج عن ذلك وقف العمليات العسكرية ضد الانقلابيين في الساحة الشمالية من قبل الشرعية... وكان لسيطرة حزب الإصلاح على مفاصل الشرعية العسكرية والمدنية هو عنوان لفشلها البارز، إلا أن هناك نجاحات حدثت على أرض المعركة عند تمكن القوات الجنوبية من تحقيق نصر عسكري بتحرير الجنوب، وبعض مناطق في جغرافية الشمال بمساعدة التحالف العربي، وعلى وجه الخصوص الإمارات العربية المتحدة.

أظهرت الشرعية منذ منتصف عام 2016 م تحولًا في مسار الحرب من هدف إسقاط الانقلابيين والعودة إلى عاصمة الجمهورية صنعاء المعلن إلى هدف السيطرة على عدن والجنوب بشكل عملي وغير معلن، وبذلت كل ما في وسعها من خلق أزمات وتعطيل خدمات وقطع مرتبات وتعرض الجنوب للإرهاب، وقْتل من الجنوبيين إعداد كثيرة، وفِي المقابل على الضفة الشمالية لوحظ استسلام بعض ألوية الشرعية للانقلابيين وانسحاب قواتها، من الجبهات وحشدها على مشارف عدن وكل ذلك يجري تنفيذه تحت مسميات مختلفة منها استعادة مؤسسات الدولة في الجنوب والحفاظ على الوحدة وفي الواقع كل ذلك ما هو إلا ذريعة لإيهام الإقليم والعالم أن هناك من يتعدى على صلاحيات الشرعية من قبل أناس خارجين عن القانون، وتناست أن هؤلاء الجنوبيين هم الذين أعادوا للشرعية شرعيتها عندما حققوا الانتصارات على الانقلابيين في عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى، وسلموا الأرض للشرعية ولهذا فقد كانت أهداف الشرعية الحقيقة تتمثل في إبقاء الجنوب تحت سيطرتها من أجل الحفاظ على مصالح حكام نظام 7/7 من حقول نفط وغاز وشركات استثمارية أخرى على أرض الجنوب والتي لا زالت إلى اليوم تدر عليهم أرباح هائلة تذهب لجيوبهم الخاصة. لا يوجد في العالم أناس أضاعوا وطنهم وتركوه لمن يعبث فيه فساداً حيث يتم زرع مشروع سياسي وديني لا يتناسب وجغرافية الأرض ولا تاريخ الأمة، وذهبوا ليستولوا على أرض غيرهم بحجة الحفاظ على الوحدة واستعادة الدولة... أي وحدة وأي دولة يبحثون عنها، وعاصمتها محتلة! ألم يكن الأولى أن يتم تحرير العاصمة التاريخية والمناطق المحيطة بها أولا؟

ولم يسالوا أنفسهم عن أي وحدة يبحثون، ومع من، وأين هي الوحدة التي يريدون الجنوب أن يبقى فيها، هل هي الوحدة التي بيعت في الشمال لولي الفقيه في طهران؟ إنهم في الواقع غير معنيين بالوحدة المفقودة أكثر ما هم معنيين بثروات الجنوب، ومن أجل الحفاظ عليها تم حرف البوصلة، وتسيير الجيوش والمليشيات من القاعدة والدواعش لخوض حرب استنزاف ضد القوات الجنوبية على مشارف عدن من الشرق والغرب.

اليوم نشاهد قيادات الإصلاح وهي في تركيا، تعلن رفضها تنفيذ اتفاق الرياض إلا بعد إخراج القوات الجنوبية من عدن والمحافظات المحررة ونقلها إلى جبهات الشمال لتقاتل بالنيابة عنهم، ويتم تسليمهم الجنوب لكي يحكموا السيطرة عليه مهددين باستخدام الورقة التركية التي هي حاضرة أصلاً منذ زمن في مناطق سيطرة الشرعية في شبوة ومناطق أخرى، وتتحرك بحرية كاملة في تلك المناطق تحت غطاء المساعدات الإنسانية، ولكن في الواقع هم عناصر استخباراتية مهمتها التهيئة لتدخل تركيا خاصة، ولديها خبرة في دعم مليشيات الإخوان المسلمين بمسمياتها المختلفة ولها تاريخ طويل في سوريا وليبيا وأذربيجان وخاصة تلك المناطق التي يوجد فيها نفط وغاز.

ويعد ظهور طائرات مسيرة في جبهة أبين إشارة واضحة إلى أن تدخلا تركيا بدعم مالي قطري قد أصبح واقع على الأرض.

السؤال الآن إلى أين تقود تحالفات الشرعية الجديدة وما أثر ذلك على التحالف العربي؟

التطور النوعي في الحرب ضد الجنوب بدخول طائرات مسيرة يعبر عن تحالف جديد بين الشرعية وتركيا وقطر، خاصة وقد دشن ذلك رئيس حزب الإصلاح الموجود في أنقره بإعلانه الشهير الذي يرمي إلى سرعة حسم المعركة والدخول إلى عدن، معتقدين أنهم سيستطيعون أن يسيطروا على الجنوب مرة أخرى، ومع كل ما استخدموه من حروب مباشرة عبر الجيوش أو الخلايا النائمة في قتل الجنوبيين أو تعطيل الخدمات أو قطع الرواتب، وآخرها حرب انهيار العملة مقابل العملات الأجنبية، كل تلك الحروب باءت بالفشل، لهذا أظهروا ورقتهم الأخيرة باللجوء إلى تركيا التي هي جاهزة ومتحفزة للتدخل، علمًا أن هناك تصريحات من أعلى مستويات الهرم القيادي لتركيا أنهم ينتظرون من يوجه لهم الدعوة علناً لكي يساعدوا في حسم المعركة في جنوب اليمن كما تم حسمها بنجاح في ناجورني كاراباخ وليبيا وغيرها. نزوح قيادات حزب الإصلاح إلى تركيا وإعلانهم الصريح من هناك بعدم تنفيذ اتفاق الرياض إلا بشروطهم قد يفاجئ التحالف بموقف يضعه في الزاوية، خاصةً أنه، أي حزب الإصلاح، لا زال مسيطرا على مفاصل كثيرة في الشرعية، وما نشاهده اليوم من تسليم ألوية تابعه للشرعية لصنعاء إلا مثال عملي على ذلك، وكل هذه المؤشرات قد تتسبب في إرباك المشهد السياسي والعسكري، وبالتالي فإن دخول تركيا على المسرح العملياتي في الجنوب على خط الأزمة يعني مزيدا من إشعال الحرائق على أرض الجنوب، ولدى تركيا تاريخ طويل في التدخل السلبي في مناطق النفط والغاز للاستيلاء عليها ونهبها بالتعاون مع قوى إرهابية محلية، كما حدث في سوريا لسنوات، ويحدث اليوم في ليبيا وأذربيجان، وهي، أي تركيا، لن تتردد من المغامرة طالما هناك نفط وغاز وبحار مفتوحة وممرات مثل ممر باب المندب، وإن تم ذلك ستكون قد أتمت حلقة مهمة من الطوق العسكري والأمني على بحر العرب ومدخل باب المندب بحكم وجودها اليوم في الصومال وفي الضفة الأخرى الشمالية توجد إيران على المسرح العملياتي في الشمال ولم تجد من يعارضها لا عسكرياً ولا سياسياً، كل ذلك سيقود إلى تقويض الأمن القومي العربي وإخفاق كبير للتحالف العربي، وستتحول المنطقة إلى بؤرة توتر تستنزف طاقاتها وتعرقل التنمية، وهناك من الدول الكبرى من يريد أن يضع منطقتنا العربية على الدوام في فوهة البركان.

أصبحت الحرب غير مفهومة، قوات تابعة للشرعية تنطلق من مأرب ترافقها كيانات تابعه للقاعدة وداعش بعد أن أخلت مواقعها التي كانت تدعي أنها كانت تحارب الانقلابيين، تدعمها تركيا بتمويل قطري، وتتوجه إلى شقرة باتجاه عدن لتحريرها من أهلها بينما التحالف يعقد مباحثات بين طرفي الشرعية والانتقالي فاقت كل مباحثات الحروب في العالم التي تجاوزت السنة، ولم تحرز أي نجاحات ولم يلتزم طرف الشرعية بعدم الحشد والاعتداء على القوات الجنوبية، بينما القوات الجنوبية تلتزم بعدم التقدم باتجاه تحرير شقرة، واليوم يجري تطور خطير على جبهة الشرعية بدخول الطيران المسير الذي لا تمتلكه الشرعية، وليس في قوام تسليحها، وهذا يعني بما لا يدع مجالا للشك أن تركيا دخلت على خط الحرب، وأن الجنوب أصبح ميدان صراع دولي وإقليمي لن يخرج منه لعقود قادمة، بينما الشمال الذي يسيطر عليه الانقلابيون وكلاء إيران أصبح في مأمن من الصراع، وحسم أمره، ولم يبقَ إلا الانتظار للتفاوض معه لتسوية الوضع معه.

وخلاصة الأمر إن لم ينتبه التحالف العربي لما يدور على أرض الجنوب من تطور سلبي لدخول عنصر إقليمي في الصراع معادٍ للعرب كما ظهر وجود عنصر إقليمي آخر في الشمال سيكون الوضع الإقليمي برمته في ورطة كبيرة لن يخرج منها الجميع سالما، وعليه عدم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه من اتفاقات الرياض يأتي في إطار لعبة الشرعية في شراء الوقت لعل وعسى أن يتم تطور جديد على الساحة المحلية أو الإقليمية أو الدولية لصالحها، ولكنها لا تدري أن الجنوب مهما تكالبت عليه صروف الزمن باقي وموجود طالما يوجد فيه شعب يتوق إلى الحرية واستعادة دولته المستقلة، فقد جرب الوحدة الظالمة مع الشمال ولن يعود مرة أخرى إليها.

كلمة أخيرة للانتقالي... التركيز فقط على ماراثون المفاوضات بالرياض وإشغال معظم قياداته في الخارج أحدث فراغا قياديا كبيرا في الداخل، لذا وجب التنبه وإعادة النظر في أولويات المجلس والتركيز أكثر على الداخل...
كلمة أخيرة لجنوبيي الشرعية... إلى متى ستظلون تديرون ظهوركم لشعب الجنوب، وخاصة بعد أن أصبح شريك الشرعية الشمالي يرفض اتفاق الرياض ويعد العدة لنقل المعركة إلى الجنوب، ألا ترون أنه حان الوقت لإعادة النظر في مجمل العملية السياسية، فالتاريخ لا يرحم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى