جبهات المجلس الانتقالي الجنوبي.. الإرهاب والخدمات (2 - 3)

> د. خالد لقمان

>
الجنوب هزم الإرهاب بعد أن بات مرشحا للسقوط بعد أفغانستان والصومال
"القاعدة" استفاد من انسحاب الإمارات وتحسّن وضع هادي والإصلاح
الدرونز الأمريكية لا تنفذ عملياتها إلا خارج مناطق سيطرة الانتقالي!
للانتقالي مواقف ضبابية من توفير الخدمات
رفع أعلام الجنوب لا يولد الطاقة الكهربائية ولا ينظم المرور


جبهة مكافحة الإرهاب
خلال العقد الماضي، كانت اليمن والمناطق الجنوبية منها على وجه الخصوص مرشحة للسقوط في يد الإرهاب، القاعدة ابتداء والتي تمكنت من السيطرة على مناطق في أبين أثناء فترة حكم الرئيس صالح وفي حضرموت في عهد الرئيس هادي إلى داعش التي حاولت أن تجد لنفسها موطئ قدم مستغلة حالة ضعف الدولة وغيابها وضبابية جهود محاربة الإرهاب في اليمن.

في 22 يناير2015 نشرت الـ "سي إن إن" تقريراً لبريان تود عنوانه "تنظيم الدولة الإسلامية يكسب أرضاً في اليمن ويتنافس مع القاعدة" قال فيه "علمت شبكة (سي إن إن) أن داعش تنشط وتقوم بالتجنيد داخل اليمن والتي تعد بالفعل بؤرة للنشاط الإرهابي. تأتي المعلومات المزعجة من مسؤول يمني قال للشبكة إن داعش لها وجود في ثلاث محافظات على الأقل في جنوب ووسط اليمن، وهناك الآن منافسة حقيقية بين داعش وتنظيم القاعدة الذي يتخذ من اليمن مقراً له في شبه الجزيرة العربية، وقال المسؤول نفسه إن تلك المنافسة تجسدت في معركة بالأسلحة النارية بين الجماعتين في المحافظات الشرقية لليمن الشهر الماضي".

وفي 17 يوليو 2015 نشر مشروع التهديدات الحرجة التابع لمعهد المشاريع الأمريكية وهو معهد أبحاث سياسية أمريكي تأسس في 1943 تقريراً جاء فيه "هناك الآن سبع مجموعات معروفة لداعش في اليمن تعمل على طول الجبهات الأمامية لنزاع الحوثيين في المناطق الجنوبية الوسطى من البلاد"، وجاء فيه أيضاً "دفع توسع الحوثيين في اليمن العديد من القبائل المحلية في وسط وجنوب اليمن للعمل مع القاعدة في شبه الجزيرة".

في 19 أكتوبر 2015 نشر المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وهو مؤسسة فكرية تأسست في 2007 ولها مكاتب في سبع عواصم أوروبية، تقريراً كتبه آدم بارون قال فيه "في أعقاب انتفاضة اليمن عام 2011، استولى مسلحون تابعون للقاعدة، يقاتلون تحت راية أنصار الشريعة على مساحات شاسعة من محافظة أبين الجنوبية. هناك أسسوا إمارات إسلامية في بلدتي جعار وزنجبار. على الرغم من طردهم من أبين في هجوم عسكري يمني تدعمه الولايات المتحدة في الربيع التالي ثبّتوا أنفسهم في جبال المحفد وعزان جنوبا"، وجاء فيه أيضاً "رفع الفرع اليمني من تنظيم داعش من مكانته. وهو يدير معسكرات تدريب في بعض مناطق الجنوب".

العوامل المشتركة بين هذه التقارير والمقالات الصادرة -وغيرها الكثير- عن وسائل إعلامية غربية أو مراكز بحثية يعتمد عليها صانع القرار الغربي ولو على سبيل الاطلاع هي ما يلي: أولاً، أنها أظهرت وضعا مزمنا، ثانياً، أنها تدور حول الإرهاب، ثالثاً أنها تتحدث عن أن الجماعات الإرهابية وجدت موطئ قدم في الجنوب، أي أن الملخص لما سبق هو (الجنوب، سنوات طويلة، الإرهاب). لكن، بعيداً عن هذه التقارير، يتذكر مواطنو الجنوب ولاية وقار في أبين أثناء حكم صالح، يتذكر المواطنون الاغتيالات والتفجيرات خلال العقدين الماضيين ومنها اغتيال اللواء الركن سالم علي قطن. وقبل ذلك يتذكر أبناء عدن تفجير السفينة الحربية الأمريكي يو إس إس كول في عدن عام 2000. كما يتذكرون أناشيد وعمامات وأعلام ونقاط تفتيش داعش والقاعدة في شوارع عدن بعد وفي فترة الحرب مع قوات صالح والحوثي. ويتذكرون كذلك سيطرة القاعدة على مدينة المكلا.

الحديث عن سقوط الجنوب في قبضة الإرهاب لم يكن حديثاً نظرياً أو نقاشاً أكاديمياً. كان حقيقة شاهدها الناس في الشوارع. كان الجنوب المرشح الطبيعي للسقوط في الإرهاب كما سقطت قبله أفغانستان والصومال والعراق وسوريا، لكنه لم يسقط.

قال تقرير صادر في 13 سبتمبر 2019 عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى تناول نتيجة وأسباب مواجهات أغسطس 2019 بين القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي والقوات التابعة للشرعية في فقرة عنوانها "مساحة تنفس للقاعدة في جزيرة العرب" ما يلي "من المرجح أن تستفيد القاعدة من تراجع النفوذ الإماراتي وتحسن وضع هادي/ الإصلاح. تضم بعض ميليشيات الإصلاح التي مكّنت الحكومة من الهجوم المضاد الأخير في صفوفها العديد من المتعاطفين مع القاعدة في شبه الجزيرة العربية". نفس المعهد قال عن علي محسن الأحمر في تقرير سابق صادر في 9 نوفمبر 2018 "دعم المجاهدين اليمنيين في أفغانستان في الثمانينيات، ثم جند العديد منهم في الوطن لخوض حرب أهلية ضد الجنوب في عام 1994. وخلال هذه العملية، أقام علاقات مع رجال الدين المتطرفين والمسلحين الذين ارتبطوا لاحقًا بأنشطة إرهابية داخل اليمن".

في 24 فبراير 2004، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية أمرًا يصف الزنداني بأنه "إرهابي عالمي محدد بشكل خاص". وقالت الوزارة إن الزنداني له "لدى الولايات المتحدة أدلة موثوقة على أن الزنداني، وهو مواطن يمني، يدعم إرهابيين محددين ومنظمات إرهابية"، وأنه "عمل كجهة اتصال مع جماعة أنصار الإسلام وهي منظمة إرهابية مقرها في العراق وسوريا مرتبط بالقاعدة". للتذكير، علي محسن الأحمر هو نائب رئيس الجمهورية الحالي، وعبدالمجيد الزنداني هو عضو مجلس رئاسة اليمن سابقاً ورئيس مجلس شورى التجمع اليمني للإصلاح سابقاً.

وجد المجلس الانتقالي الذي تأسس للتو والإمارات العربية المتحدة أمامهم أرضاً سقطت فيها دولة صالح/ الحوثي وطُردت باعتبارها دولة احتلال، علاقات مشبوهة ومعقدة وقديمة لما يحسب على رجال الدولة بالمنظمات الإرهابية، جماعات سياسية تقف في المنطقة الرمادية بين الإرهاب والدولة، عدم وجود قوات مدربة تدريب كاف للتعامل مع الإرهاب، ووجود أطراف عديدة تعبث بأمن عدن وتتعامل معها كحلبة صراع لا بد وأن تبقى غير مستقرة. ومع ذلك، نجحت قوات الانتقالي بدعم وإشراف الإمارات وتنسيق مع الولايات المتحدة من إنهاء سيطرة الجماعات الإرهابية على الأرض وإنهاء ظاهرة العمل العلني للجماعات الإرهابية كما حدث في أبين وشبوة وحضرموت سابقاً. نعم، استمرت الجماعات الإرهابية بتنفيذ عمليات اغتيال إرهابية، ولكن هذه الاغتيالات، رغم ثقلها على الناس وأرواحهم، إلا أنها دليل على عدم قدرة الجماعات الإرهابية على تنفيذ عمل علني وسيطرة على الأرض في الجنوب. اليوم، لا تنفذ الدرونز الأمريكية عملياتها إلا خارج مناطق سيطرة المجلس الانتقالي، في مأرب والبيضاء بشكل أساسي. في تقرير لمؤسسة جيمس تاون صدر في 14 يونيو 2018 جاء ما يلي "من خلال قوات النخبة الشبوانية، وقوات النخبة الحضرمية وغيرها من الميليشيات المتحالفة، نفذت الإمارات والولايات المتحدة حملة واسعة وناجحة ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية في يوليو وأغسطس 2017". وصف تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن الإرهاب في اليمن لعام 2019 قوات المجلس الانتقالي بأنها "لعبت دورًا مهمًا في جهود مكافحة الإرهاب". ما تحقق في مكافحة الإرهاب أكبر من أن يُنكر وأقل من أن يقضي على الإرهاب بالكامل.

جبهة الخدمات والمرتبات
المدن هي الأكثر تأثراً بسقوط الدولة وغياب مؤسساتها، فسكانها لا يملكون أنظمة اجتماعية واقتصادية موازية للدولة كم هو الحال في المناطق ذات الطبيعة القبلية. المجلس الانتقالي الجنوبي هو سلطة الأمر الواقع في عدن وفي المناطق التي يسيطر عليها، هو الواجهة الأولى أمام المواطنين، في المدن خصوصاً، فكما هو المسؤول عن أمنهم هو أيضا المسؤول أمامهم عن الخدمات والمرتبات، هو السلطة. لكنه وقف موقفاً ضبابياً من الخدمات والمرتبات، فتارة يتملص منها ويقول إنها مسؤولية الحكومة وتارة يصرح ويقوم بخطوات تدل على أنه يراقبها ويتدخل فيها ويقوم بتوفيرها. وهو مع ذلك فلم يوفر للمواطنين المعلومات الكافية عن المشاكل التي تقف خلف تدهور الخدمات وعن المتسبب بهذا التدهور.

عندما قدم محافظ عدن السابق عبدالعزيز المفلحي استقالته نشر رسالة علنية فصّل فيها أسباب الاستقالة للرئيس وللمواطنين جاء فيها "غير أني ولشديد الأسف وجدت نفسي في حرب ضارية مع معسكر كبير للفساد كتائبه مدربة وحصونه محمية بحراسة يقودها رئيس الحكومة د.أحمد عبيد بن دغر. إن كبريائي يمنعني أن أخوض في جدال مع رئيس حكومة يخطف الماء من أفواه الناس، والضوء من عيونهم".

في المقابل لم يقدم الانتقالي حتى الآن جهة محددة أو اسما محددا لمن يقف خلف تدهور الخدمات. هناك ضبابية في الموقف وضعف في التواصل مع الجمهور الذي يعاني في معيشته وقوت يومه. نعلم صعوبة أن تتوفر للمجلس الانتقالي الموارد المالية الكافية لتوفير الخدمات والمرتبات، فمعظم موارد اليمن والجنوب تأتي من النفط والغاز التي لا يسيطر المجلس الانتقالي على مناطق تواجدها، لكنه يسيطر على مناطق المؤسسات التي توفر هذه الخدمات، الميناء والمصافي ومحطات توليد الكهرباء على سبيل المثال. أقل ما يمكن للمجلس الانتقالي توفيره للناس هو تقرير إعلامي أسبوعي عن وضع الخدمات والرواتب وعن الخطوات المتخذة من قبل المجلس الانتقالي لتحسينها. سيقلل هذا التواصل والشفافية من غضب الناس وسيساهم في الضغط على الجهات المتسببة في تدهورها.

الشعارات وحدها لا تكفي، اكتشف أبناء المكونات المختلفة في العراق ومنها المكون الشيعي بعد سقوط صدام حسين وإمساك الأحزاب ذات الصبغة الشيعية بمقدرات الدولة العراقية أن الشعارات والرايات لا تشغل الكهرباء ولا تبني الجسور والطرقات ولا تحسن من مستوى الخدمات في المستشفيات. قد يصل الناس في عدن وربما هم قد وصلوا إلى قناعة مشابهة مفادها أن رفع أعلام الجنوب لا يولد الطاقة الكهربائية ولا ينظم المرور. في العراق المشكلة ليست مشكلة ميزانية، تراوحت التقديرات الصادرة عن جهات عراقية ودولية أن المبالغ التي تم إنفاقها لإصلاح أزمة الكهرباء هناك بين 40 - 60 مليار دولار، ومع ذلك لم تنتهِ مشكلة الكهرباء في العراق النفطي، المشكلة مشكلة فساد وسوء إدارة. في عدن، أصبح الناس يتندرون في مجالسهم وفي وسائل التواصل الاجتماعي بأخبار وصول محطة كهرباء جديدة أو معدات صيانة للكهرباء من هذه الجهة أو تلك. عادة، تقوم الكيانات الثورية بالإشراف المباشر -إذا لم تسيطر عليها بالكامل أساساً- على مرافق توفير الخدمات عن طريق مندوبين منها. إشراف يضمن مكافحة الفساد وعدم تسرب الموارد وضمان التشغيل، لم يقم الانتقالي بذلك. خلل آخر صاحب أداء المجلس الانتقالي في المناطق التي يسيطر عليها هو غياب المحاسبة، يستأجر أحدهم جرافة لبناء في موقع عشوائي، يقطع توصيلات كهرباء لعدة أحياء سكنية أثناء الحفر، تأتي فرق الصيانة لإصلاح القطع ولا يُحاسب المتسبب فيه، لا يدفع غرامة، ولا تكلفة الإصلاح ولا يحال للنيابة والقضاء. أيضاً، هناك خدمات أخرى ليست مشكلتها مشكلة موارد في المقام الأول، بل مشكلة انضباط ومتابعة مستمرة، لا تحتاج إلى قرارات مؤقتة تدور في دائرة الانفعال ورد الفعل والتصوير، بل متابعة مستمرة.

فماذا يتطلب الأمر لتنظيم حركة المرور في عدن؟ لتحسين النظافة؟ لتنظيم عمل الجهات الأمنية والعسكرية المتعددة؟ لمحاسبة المسؤولين عن حوادث الأطقم العسكرية؟ لتطبيع وتفعيل عمل أقسام الشرطة؟ لإيقاف البناء العشوائي ومحاسبة وتغريم المتسببين فيه؟ لتنفيذ صيانة لحفر الشوارع؟ هذه معظمها صلاحيات سلطات محلية في الأساس، سلطات يسيطر عليها حالياً المجلس الانتقالي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى