جبهات المجلس الانتقالي الجنوبي (3 - 3)

> د. خالد لقمان

>
الانتقالي تفوق في الجبهة الدبلوماسية ومكافحة الإرهاب ورسب في الخدمات والإعلام
من مصلحة الانتقالي لتعزيز مشروعه أن يتعامل مع المنظمات الحقوقية كشركاء لا كخصوم
إعلام الانتقالي موجه إلى جمهوره بخطاب ثوري لا يتماشى مع مستجدات المرحلة
على مناصري الانتقالي الضغط لتوظيف النجاح الدبلوماسي لصالح جبهة الخدمات
جبهة الإعلام، الدعاية، والتواصل:
يُنسب إلى وزير البروباجندا النازي جوزيف جوبليز قوله "إذا كررت الكذبة مراراً، تصبح حقيقة". في سلسلة من التجارب لدراسة اقتناع الناس بالأكاذيب إذا ما تعرضوا لسماعها بشكل متكرر، وجد دونس دي كريسميكر ومعاونوه من جامعة جينت البلجيكية أن الاختلاف في مستوى الذكاء والقدرات الإدراكية الفردية ليس له تأثير مهم على حماية الأفراد من الوقوع تحت تأثير الأكاذيب والاقتناع بها كحقائق إذا تكرر ترديدها والتعرض لها.

عبر سلسلة تجارب، قاس الفريق تأثير تكرار الأكاذيب على الأفراد مع الأخذ بعين الاعتبار الاختلاف في ذكاء المشاركين وقدراتهم الإدراكية والتحليلية. تضمنت الدراسة عناوين سياسية مزيفة وحقيقية وكان التحدي الأخير للمشاركين هو الحكم على أيها حقيقي وأيها مزيف. وجد الباحثون تأثيراً واضحا (للتكرار) في جميع التجارب حيث كان المشاركون أكثر عرضة لتقييم الأكاذيب على أنها حقيقية إذا كانوا قد رأوها أو سمعوا بها من قبل. لم تختلف قوة تأثير التكرار حسب ذكائهم وطريقة تفكيرهم وقدراتهم التحليلية، كلهم وقعوا فيها. أشارت هذه النتائج إلى أننا جميعاً نميل إلى تصديق المعلومات المتكررة بغض النظر عن ذكائنا.

أدت دراسات أخرى في جامعات مختلفة إلى نفس النتيجة، اسمها "تأثير الحقيقة الوهمية". على الساحة الجنوبية، ينشر خبر غير حقيقي على الإطلاق يهاجم المجلس الانتقالي الجنوبي، القضية الجنوبية، الإمارات العربية المتحدة، في عدة صفحات ومواقع ووسائل تواصل اجتماعي في نفس الوقت، يكرر عدة مرات بصيغ مختلفة، يستلمه الناس في هواتفهم بشكل متكرر، فيصبح حقيقة. منذ شيوع استخدام الإنترنت تولى المواطن الجنوبي والمغترب خصوصاً مهمة الدعم الإعلامي للقضية الجنوبية على مواقع الإنترنت وبرامج الحوار والمنتديات.

في 27 مايو 2009 كتب كاتب من أبناء الشمال اسمه همدان العليي مقالا في مأرب برس عنوانه "إعلامنا الضعيف وليس إعلامهم الخبيث يا فخامة الرئيس" قال فيه، مخاطباً الرئيس علي عبدالله صالح الذي وصف الإعلام الانفصالي بالخبيث: "بمجرد أن تضع اسم أي شخص يُطالب بالانفصال في مُحرك جوجل أو موقع يوتيوب سنجد آلاف ملفات الفيديو فيها، بل ونجد آلاف التسجيلات لتلك المسيرات التخريبية ويتم إرسالها إلى وسائل الإعلام والمُنظمات الإقليمية والعالمية، هذه جزيئية بسيطة تدل على تقاعس إعلام الوحدة في تأديته لواجباته في هذه الحرب الإعلامية التي ربما ستردي بوطن بأكمله".

كان هذا اعتراف مباشر من كاتب من الشمال محسوب على المؤتمر، مؤيد للوحدة إلى درجة المغالطة والاقتباس من شخصيات جنوبية وهمية، بتفوق الإعلام الجنوبي الشعبي العفوي حينها. اليوم، إذا كررت تجربة همدان العليي في قسم الأخبار في محرك البحث جوجل باللغة العربية، ستجد نصف الصفحات تتناول المجس الانتقالي تناولاً ضد المجلس، أما إذا بحثت باللغة الإنجليزية ستجد كل المصادر تقريباً تهاجم المجلس. لم يتسلم الإعلام الرسمي للمجلس الراية من المغتربين بعد.

في 16 ديسمبر 2017، اختتمت في عدن ورشة عمل مكرسة حول المجلس ومؤسساته و(استراتيجيات) العمل السياسي والإعلامي. وهدفت الورشة إلى أن يقوم الأكاديميون الجنوبيون بتقديم المقترحات للمساهمة بالنهوض بالمجلس على مختلف الأصعدة والمستويات، ولإيجاد رؤية (استراتيجية) سياسية وقانونية وإعلامية عن المجلس الانتقالي ومؤسساته. بعد ثلاث سنوات، كانت إحدى توصيات ورشة "الخطاب الإعلامي الجنوبي- الواقع والمآلات" للدائرة الإعلامية في الأمانة العامة للمجلس الانتقالي في أكتوبر 2020: "معالجة جوانب القصور والإشكاليات، التي لازمت العمل الإعلامي الجنوبي على مدى سنوات طويلة بسبب التدمير الممنهج الذي طالته المنظومة الإعلامية الجنوبية برمتها، بالإضافة إلى عدم وجود (استراتيجية) موحدة".

بدون استراتيجية واضحة تحدد الإطار العام للتخطيط والتنفيذ والمطلوب من إعلام المجلس تبقى كل الأنشطة الأخرى مجهودات فردية وفنية وصناعة نجوم. الاستراتيجية توجه التنفيذيين في الإعلام إلى اتخاذ قرار -مثلاً- هل يجب علينا الاستمرار بالدفاع عن/ وتبرير صراعات الجنوب السابقة أم تجاهلها أم تحضير مادة إعلامية تشير إلى صراعات الشمال السابقة والحالية؟ هل يجب علينا إنكار تقارير المنظمات الحقوقية بخطاب باللغة العربية موجه للداخل أو تفنيد ومعالجة ومحاسبة التجاوزات الحقوقية وعرض النتيجة بلغات مختلفة وبخطاب حقوقي؟ هل على إعلام المجلس تفريغ إعلاميين للعمل داخل وسائل التواصل الاجتماعي؟، قرارات عن التوجه الاستراتيجي العام لإعلام المجلس.

على الرغم من ملاحظة تغيير واضح على الجانب الفني لقناة عدن المستقلة في الأشهر الأخيرة إلا أن التغيير يجب أن يكون خارج القناة وعلى المستوى الاستراتيجي، القناة وحدها ليست هدفا. الهدف هو تحديد الجهات المستهدفة من الخطاب الإعلامي وتوجيه الرسائل بالخطاب المفهوم والمهم لكل جهة. الهدف هو أن يلعب إعلام المجلس الانتقالي الجنوبي دور جهاز علاقات عامة لصالح المجلس والقضية الجنوبية لا دور قناة حكومية أنيقة. مازال إعلام المجلس الانتقالي بشكل عام يخاطب جمهوره فقط، وبخطاب ثوري لا يتماشى مع مستجدات المرحلة. لا يخاطب معارضيه الجنوبيين بشكل ممنهج، ولا اليمنيين الشماليين بمكوناتهم المختلفة ولا يخاطب صانع القرار الغربي بشكل استباقي ولا يخاطب المنظمات التي تدخل تقاريرها في تقارير وتحليلات مراكز الأبحاث السياسية الغربية التي يعتمد عليها أو يستأنس بها صانع القرار الغربي. خلال النصف ساعة الماضية كانت قناة عدن المستقلة تبث البرقيات التي أرسلها الرئيس (القائد) لتهنئة رؤساء الدول، كأي قناة حكومية عتيقة، وأنيقة.

جبهة حقوق الإنسان
تقرير حالة حقوق الإنسان في اليمن الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2019 تحدث عن أن فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة قد وجد أسباباً معقولة للاعتقاد بأن الاعتقالات التعسفية استمرت خلال العام في شبكة من مرافق الاحتجاز غير الرسمية التي في بير أحمد وقاعدة البريقة وقاعدة الريان الجوية. قال التقرير أيضاً: "قامت القوات الموالية للحكومة، بما في ذلك الحزام الأمني والقوات الحضرمية بمضايقة وسائل الإعلام والمراقبين من خلال مداهمة منظمات المجتمع المدني، واحتجاز الصحفيين والمتظاهرين لنشرهم شكاوى حول ممارسات الاحتجاز والعمليات العسكرية".

مبدئياً، لا تسلم دولة من تقارير المنظمات الدولية بسبب تجاوزاتها لحقوق الإنسان، مثلاً، تقرير منظمة العفو الدولية عن المملكة المتحدة لعام 2019 يقول: "ظلت قوانين مكافحة الإرهاب تُقيّد الحقوق. ولم تتحقق المساءلة الكاملة على مزاعم التعذيب الصادرة ضد أجهزة المخابرات والقوات المسلحة للمملكة المتحدة". لكن يختلف الأمر في طريقة تعامل الدولة أو الجهة مع التقرير. فمثلاً، رد المجلس الانتقالي في 17 ديسمبر 2019 على تقرير منظمة هيومان راتس ووتش برد جاء فيه ما يلي "إننا نحث منظمة هيومن رايتس ووتش وغيرها من المنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان على إدراج الانتهاكات ضد سكان الجنوب أيضا في تقاريرها بدلا من اتباع نهج مجزأ فيما تنشره من تقارير".

أشك كثيراً في أن يؤدي هذا الرد إلى أن تقوم هيومان رايتس ووتس بتغيير تقريرها، أشك أن يؤدي هذا الرد إلى أي تغيير في أي شيء. ولا أعتقد أن دور دائرة حقوق الإنسان في المجلس يكمن في الرد على الاتهامات والادعاءات الحقوقية ضد المجلس باستعراض التجاوزات الحقوقية ضد الجنوبيين. يجب أن تقوم الدائرة بدور رقابي حقوقي على أداء المجلس والقوات المحسوبة عليه أصلاً، ودور تدقيق وتفتيش، دور يهتم بمنع حدوث تجاوزات في المقام الأول ومعالجتها إذا وقعت، حماية للناس وللمجلس وللقضية.

يجب أن يتعامل المجلس مع المنظمات الحقوقية كشركاء يعمل معهم لتبييض سجله وتحسين أداء مؤسساته وضبطها حقوقياً، لا كخصوم يهاجمهم وينتقدهم كما ينتقدونه، حتى ولو كانت منظمات حقوقية منحازة أو تعمل بأجندات غير حقوقية. مثلاً، قالت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان -يمنية مقرها في صنعاء- أن قوات المجلس الانتقالي والنخبة الحضرمية مسؤولة عن 17 % من حالات تجنيد الأطفال في اليمن مقابل 72 % للحوثي و11 % لقوات الرئيس هادي. في التقرير، وصفت المنظمة قوات المجلس الانتقالي بـ "القوات الإماراتية بالوكالة" كلمة "بالوكالة" هي تسمية انفعالية/ محملة/ غير محايدة تعكس حكم مسبق أو موقف سياسي، فالتقرير لم يصف قوات الحوثيين مثلاً، بالمليشيات الشيعية، أو المتحالفة مع إيران، أو بالقوات الإيرانية بالوكالة، كما أنه لم يطلق على قوات الرئيس هادي، تسمية قوات هادي ومليشيات الإصلاح، أو المجموعات الإسلاموية المتطرفة كما تذكر الكثير من التقارير الدولية تواجدها ضمن قوات هادي/ محسن، أو مليشيات الإخوان المسلمين، على الرغم أن كثيرا من قادة الوحدات العسكرية المحسوبة على هادي/ محسن هم خريجو معاهد دينية تابعة للإصلاح ومعلمون في الأساس.

لكن، حتى لو افترضنا أن في التقرير أجندة خاصة، ومغالطات، ماذا لو أن طفلا واحدا فقط تم تجنيده من قبل قوات المجلس الانتقالي؟ يجب التحري عن اسم كل طفل من الأطفال الـ190 الذي قال التقرير إن قوات المجلس الانتقالي جندتهم، وإن وجدوا يجب إيقاف التجنيد، الوصول إلى سبب التجنيد، محاسبة المسؤول، التعويض، وإعلان النتيجة، هكذا فقط نستطيع العمل والتعامل مع المنظمات الحقوقية الدولية.

لماذا لا يخصص المجلس رقم هاتف وفريق للإبلاغ والتحقق من حالات تجاوزات حقوق الإنسان حتى يتعامل هو معها قبل أن تتحول إلى رقم في تقرير دولي أو خبر في الإعلام الغربي؟
في 30 يونيو 2020 نشرت الجارديان البريطانية تقريراً عن الاعتقال والتعذيب في السجون غير الرسمية في اليمن اعتمد على منظمة مواطنة المذكورة أعلاه، ووصفها بأنها "منظمة حقوقية يمنية رائدة".

خاتمة
إذا ما نجح المجلس -فرضاً وجدلاً - في لقاء الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن وحصل منه على تصريح يدعم القضية الجنوبية، لن يعني ذلك الكثير لمواطن في عدن أو المكلا يجلس وأسرته في غرفة ضيقة في درجة حرارة قاربت الأربعين، بدون كهرباء للعشر ساعات الماضية ودون أن يتسلم راتبه الضئيل في الستة أشهر الأخيرة فيفتح النافذة ليرى موكبا من عشر سيارات دفع رباعي مكيفة لوزير في حكومة الأطفال تجاوز العشرين عاما، وفي آخر الشارع بناية مخالفة من ثلاثة طوابق لقائد جديد تسد على المواطن بقايا هواء يحاول أن يتسرب إليه من التصميم العتيق للمدينة. ولن يعني ذلك الكثير إذا ما كانت مناطق قبلية شاسعة غير ممثلة في المجلس وخارج سيطرته، غير معنية بمشروعه، متروكة عرضة للاستقطابات.

هذه السلسلة من المقالات لم تكن محايدة، هي منحازة للقضية الجنوبية وللمجلس الانتقالي الجنوبي. الأهداف الرئيسية منها هي فتح نقاش شفاف حول أداء المجلس الانتقالي الجنوبي، التأسيس لانتقاد المجلس وقيادته حين يخطئ، لفت النظر إلى ما يمس حياة المواطن الجنوبي مباشرة في أداء المجلس، هي كشف حساب.

منذ تأسيسه في أبريل 2017 – وقبل ذلك- حصل المجلس الانتقالي الجنوبي على درجة عالية في الجبهة الدبلوماسية وجبهة مكافحة الإرهاب. لكنه حصل على درجة متوسطة في الجبهة السياسية ومنخفضة في جبهة حقوق الإنسان، ولم يحصل على درجة النجاح في جبهات الخدمات والمعركة الإعلامية، عانت هذه الجبهات أولاً من غياب للاستراتيجية، ثم من غياب المتابعة، الوضوح، التواصل، وتحديد المسؤولية. لذلك، أعتقد أنه على مناصري المجلس الضغط عليه لتوظيف نتائج النجاح الدبلوماسي والنجاح في مكافحة الإرهاب لصالح باقي الجبهات، كالخدمات، بدلاً من الضغط على المجلس للانسحاب من الجبهة الدبلوماسية وهي التي حقق فيها النجاح الأكبر.

(خاص بـ "الأيام")

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى