كيف تعمل مصر على مواجهة تهديد الحوثيين والجماعات المسلحة في البحر الأحمر؟

> د. إيمان رجـب

> ما سبب تزايد أهمية البحر الأحمر في التخطيط الاستراتيجي المصري؟
تزايدت خلال الفترة الأخيرة أهمية منطقة البحر الأحمر في التخطيط الاستراتيجي للدولة المصرية مقارنة بفترات سابقة، وهناك مظاهر عدة لتزايد هذه الأهمية، منها افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي قاعدة برنيس العسكرية في 15 يناير 2020، بهدف حماية وتأمين السواحل الجنوبية للبلاد وحماية الاستثمارات الاقتصادية والثروات الطبيعية ومواجهة التحديات الأمنية في نطاق البحر الأحمر. وتقع هذه القاعدة جنوب شرق مصر، وتُعد أكبر قاعدة عسكرية في منطقة البحر الأحمر. كما تشارك القوات البحرية المصرية في تأمين مداخل البحر الأحمر والجزر المطلة عليه ضد أي اعتداءات محتملة من قبل الجماعة الحوثية في اليمن وغيرها من الجماعات المسلحة النشطة في الدول المجاورة لمدخل البحر الأحمر.

ومن هذه المظاهر أيضا تنفيذ مصر عدة مناورات عسكرية في منطقة البحر الأحمر مع الدول المطلة عليه والقوى الدولية المهتمة به، بهدف رفع مستوى التنسيق العملياتي بينها interoperability. من بين هذه المناورات تلك التي نفذتها مصر مع فرنسا وإسبانيا، والمناورات التي تم تنفيذها مع السعودية والإمارات والأردن والسودان وجيبوتي.

هذا بالإضافة إلى عضوية مصر في "مجلس الدول العربية الأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن" الذي أنشأته الرياض في يناير 2020. وقد صدر قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بانضمام مصر لهذا المجلس في نوفمبر 2020. ويضم المجلس في عضويته ثماني دول، هي: السعودية والأردن ومصر وإريتريا واليمن والسودان وجيبوتي والصومال. ويهدف المجلس إلى رفع مستوى التعاون والتفاهم بين الدول الأعضاء، وتنسيق المواقف السياسية بينها، وتوثيق التعاون الأمني بهدف الحدّ من المخاطر والتهديدات التي يتعرّض لها البحر الأحمر، وتعزيز أمن وسلامة الملاحة البحرية والحيلولة دون أيّ تهديد يواجهه أو يعرضه لأية مخاطر، وتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية، وتعزيز الاستثمارات بين الدول الأعضاء وتعزيز النقل البحري وحرية حركة البضائع والخدمات بينها، وتعزيز التعاون بين الموانئ البحرية على طول ساحل البحر الأحمر وتنسيق التعاون بينها، بالإضافة إلى فتح قنوات التواصل مع الدول غير المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن والمنظمات الإقليمية والدولية.

ويمكن تفسير تزايد أهمية منطقة البحر الأحمر في التوجهات الخارجية لمصر خلال المرحلة الحالية استنادا إلى عدد من العوامل.

يتمثل العامل الأول في تنوع التهديدات التي تمثلها هذه المنطقة للأمن القومي المصري، والتي من بينها تحول المناطق المتاخمة للجزء الجنوبي للبحر الأحمر لبيئة حاضنة للتجارة غير المشروعة في السلاح وتهريب البشر وتجارة المخدرات. بالإضافة إلى تنامي تأثير الفاعلين من غير الدول في الجزء الجنوبي للبحر الأحمر على نحو أضعف بنية تلك الدول، مثل حركة الشباب في الصومال، والجماعـة الحوثية في اليمن، والخلايا الإرهابية في جنوب اليمن. وقد يؤدي تطور شبكة دعم لوجستي بين هؤلاء الفاعلين إلى تهديد حركة وسلامة الملاحة البحرية في باب المندب الذي يُعد المدخل الجنوبي للبحر الأحمر ومنه لقناة السويس التي تظل مقوما رئيسيا في القوة الاقتصادية للدولة.

إلى جانب ذلك، تتقاطع منطقة البحر الأحمر مع القرن الأفريقي ومع شرق أفريقيا بصفة عامة، على نحو يجعلها عرضة للتأثر بالتهديدات والمخاطر المتنامية في القرن الأفريقي والتي تشهد منذ عقود تقلبات عدّة وتنافساً دولياً وإقليمياً لفرض النفوذ عليها.

ويتعلق العامل الثاني بتزايد الأهمية الاقتصادية لمنطقة البحر الأحمر والتي يمكن أن تستفيد منها مصر خلال الفترة المقبلة. فمن ناحية، تحولت المنطقة إلى قطب جاذب للاستثمارات الدولية الموجهة لتطوير الموانئ البحرية وممرات النقل، على نحو يسهل من حركة التجارة البحرية من البحر المتوسط إلى المحيط الهندي والعكس، وكذلك عبر ضفتي البحر الأحمر. من ذلك، على سبيل المثال، حرص تركيا على استمرار دورها في تطوير ميناء سواكن في الفترة التالية على الإطاحة بنظام البشير في السودان، بهدف الاستفادة الاقتصادية والاستراتيجية من تعزيز وضع الميناء كمعبر للحجاج إلى مكة ومنفذ لدعم جهود إعادة الإعمار في اليمن والصومال. كما تستثمر الصين حالياً في تطوير ميناء دوراليه. كما تتضمن استراتيجية جيبوتي 2035 تطوير الموانئ بالشراكة مع الصين كمحور رئيسي لرفع مستوى التنمية بها. وتملك الصين 23,5 ٪ من سلطة المناطق الحرة والموانئ الخاصة بجيبوتي. كما تسيطر الصين على صناعة تطوير البنى التحتية في إثيوبيا، واللازمة لربطها بمواني جيبوتي لإيجاد منفذ لها على البحر الأحمر.

من ناحية ثانية، أصبحت العديد من القوى المؤثرة في العالم تؤمن بمبدأ "السيطرة على البحار البعيدة" لضمان نموها الاقتصادي. وتعد استراتيجية الصين التي تسمى "سلسلة اللآلئ" String of Pearls تنفيذا لذلك المبدأ، حيث تهدف الصين من خلالها إلى تعزيز وجودها العسكري في البحر الأحمر بالتزامن مع إطلاق مشاريع ضخمة في مجال البنية التحتية وتطوير الموانئ الموجودة وإنشاء أخرى جديدة، وامتلاكها القوات البحرية التي تمكنها من ربط المناطق التي تسيطر عليها في البحر الأحمر وفي المحيط الهندي ببعضها البعض. وتمنح هذه الاستراتيجية ميزة إضافية يتم من خلالها التحكم، ليس في حركة التجارة المتجهة إلى أوروبا ومنها إلى آسيا فحسب، ولكن أيضًا التحكم في مسار التجارة من وإلى الدول المجاورة للدول المشاطئة للبحر الأحمر مثل إثيوبيا وكينيا. كما تتفق روسيا مع السودان وجيبوتي وإثيوبيا على أهمية إنشاء قاعدة عسكرية لها في البحر الأحمر لموازنة الوجود الأمريكي، وتحديداً في بربرة في الصومال، وفي ميناء زيلع في "أرض الصومال" قرب الحدود مع جيبوتي.

من ناحية ثالثة، أصبح البحر الأحمر ممراً لكابلات الاتصالات والإنترنت. على سبيل المثال، تُعد جيبوتي مركزاً رئيسياً Hub لكابلات الاتصال، كما تعد نقطة التقاء للعديد من كابلات الاتصالات العابرة للقارات عبر البحار. لذا تسعى العديد من القوى الدولية والإقليمية، خاصة الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، بالاحتفاظ بوجود عسكري في مناطق عبور كابلات الاتصالات في مدخل البحر الأحمر، خاصة في باب المندب، بهدف التصدي لأي محاولات للمساس بسلامة هذه الكابلات، خاصة من قبل الفاعلين المسلحين من غير الدول النشطين في هذه المنطقة.

ينصرف العامل الثالث إلى تزايد اهتمام القوى الإقليمية والدولية بهذه المنطقة. ومن مظاهر هذا الاهتمام تبنى تلك القوى سياسات خارجية خاصة بهذه المنطقة وقضاياها مستقلة عن السياسات الخاصة بأفريقيا وتلك المتعلقة بالشرق الأوسط، على نحو أوجد ما يسمى بـ "سياسات البحر الأحمر". ويمكن تفسير ذلك بأنه أصبح وجود هذه القوى في منطقة البحر الأحمر عاملاً مضاعفًا لنفوذها السياسي في الشرق الأوسط، فمن خلاله تستطيع أن تلعب دورًا في العديد من قضايا الشرق الأوسط بما يؤثر على الأمن والاستقرار فيه.

إلى جانب ذلك أصبحت منطقة البحر الأحمر هي أحد المسارح التي يمكن من خلالها تحقيق الانتصار في التنافس الدولي بين الصين والهند والولايات المتحدة والذي يدور حول السيطرة على المحيط الهندي، ويكتسب هذا التنافس أهمية كبيرة في ظل تنامي سباق التسلح بين الصين والولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي، والذي يمتد إلى تنافسهما على النفوذ في المحيط الهندي، وكذلك في ظل تزايد التنافس بين الصين والهند على توسيع مناطق نفوذهما في هذه المنطقة.

في ظل هذه المتغيرات، أصبحت مصر طرفا رئيسيا في أي حسابات دولية أو إقليمية خاصة بمنطقة البحر الأحمر وفي أي ترتيبات مطروحة من جانب تلك القوى لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة في هذا الممر الحيوي وفي الدول المطلة على قسمه الجنوبي على وجه الخصوص.

"مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى