حول أزمة البنك المركزي

> علي عبد الكريم

> البنك المركزي اليمني بنك البنوك راعي حمى الحمى لمكانة وعزة العملة وعنوان قوة الدفع لشرايين الحياة الاقتصادية في بلدنا واستقرارها، ولعلها من نوافل القول والحكم التي إن اعتلت واعتور دورها عور وخلل تسرب ذلكم الخلل لكافة أجزاء الحياة الاقتصادية للدولة وباتت سيادتها عرضة للانتهاك والانتقاص وانتاب اقتصادها الضعف والهلاك.

ومن أجل ذلك يظل البنك المركزي وقدرته على لعب دوره المرسوم حماية للاقتصاد الوطني وللعملة الوطنية واستقرارها أمرين لا يقبلان التشكيك ولا التفريط، وأي خروج عن ذلك يهدد مكانة كل من الاقتصاد الوطني بقطاعاته المختلفة إنتاجية وخدمية، كما يهدد من جانب آخر مكانة ودور العملة الوطنية والحول دون تأدية دورها كوسيلة دفع ووسيط مبادلات ومخزن للاحتياط، وإن طرأ شيء من ذلك القبيل تبدأ دورة معاكسة تنتقص بدرجات متتالية من قدرة المؤسسات على الوفاء بالتزاماتها ويقود ذلك لبداية سحب البساط من مكانتها في مجالات المنافسة وتبدأ دورة التضعضع تتصاعد متى ما حاق ببنك الدولة، أي البنك المركزي، أي عائق وخطر وتحد يؤثر على دوره ومكانته كحالة الحرب واستمرارها وحالات ذيوع قوانين الفساد والإفساد وخلق آليات موازية لأسواق النقد والسلع، وهنا تكمن الطامة الكبرى متمثلة بما يلي:

- حرب طال أمدها دونما أفق.

- فساد يستشري.

- مؤسسات موازية.

- تعطل دور حماية أجهزة الدولة ومؤسساتها وضمان حرية النفاذ إلى الأسواق.

لنعد قليلا للوراء من حين بدأت مسيرة ما عرف ببرنامج الإصلاح وإعادة الهيكلة وفق قراءات فقه البنك الدولي وما جرى بعد ذلك من تدخلات البنك المركزي من ضخ للسوق لتهدئة حالات الاضطرابات ارتباطا مع التوجه لتعويم سعر الريال، ولا يخطرن على بال أحد بأن سياسة تعويم العملة أيا يكن شكلها تعويما كاملا أو تعويما مدارا، فالخلل والهلع قد أصاب السوق وبدأت رحلة المضاربة والدولرة تأخذ مكانتها رويدا رويدا، واستتبع ذلك توسع فجوات عجز ميزانية الدولة وتفاقم مظاهر العجز في بقية موازين المدفوعات، ولم تعد لدى البنك المركزي القدرة على تلبية احتياجات المضاربين.

آنذاك كانت الدولة تتراقص تحت ما سماه صالح تحت مداميك الثعابين التي خلقها بنفسه ثم اكتوى بنارها إلى أن التهمته نهاية المطاف، وكان حينها لليمن بنك مركزي مصان بمحافظ قدير بن همام العزيز، وطوال تلك الفترة كانت السياسة تتآكل والاقتصاد ينزوي ومجريات الأسواق الموازية تلعب دورها انتقاصا من نظامية سوق مستقرة وإرادة سياسية لديها مشروع اقتصادي بعيدا عن ضغوط الاستيراد وفلكلورية قطاع الخدمات وما صاحبهما من حقن ومهديات تراكم معها مخزون الاحتقان السياسي ومظاهر إضعاف متعمد لدور الدولة والقانون وكل طرف من أطراف السياسة ولعبتها غير الوطنية كانت تعد العدة لمستقبل مظلم سيصطدم بتركة مثقلة من المشاكل والمعوقات.

في أجواء كهذه لن يرى الاقتصاد الوطني شعاعا ينير طريقه وسيظل يأكل من مخزون سنامه حتى يصاب بالفتور ثم المرض ثم حالة العجز والاكتئاب، وفي أجواء كانت تلك علاماتها كانت بضاعة الانقلاب على مخرجات الحوار بمثابة الإجهاز النهائي على ما تبقى من مظاهر ضعيفة للدولة ومؤسساتها وقوانينها لتأتي طامة الحرب المدمرة لتخلق واقعا مقطوع الصلة بجهاد ونضال اليمنيين وسعيهم الدؤوب لبناء دولة مؤسسات، دولة نظام وقانون.

وهكذا مع تشظيات صاحبت مشروع الانقلاب الحوثي أحدثت الحرب انقلابا أعاد خلط الأوراق ليرتبك المشهد أكثر وليدخل اليمن وشعبه واقتصاده في دوامة من العيار الثقيل ذي تعقيدات متشعبة عمقت وجذرت مشكلات بات مستعصيا حلها دون القضاء على مسببات ما كان وما تراكم سواء تلك التي تلت انقلاب صنعاء وكان بضمنها أو تحت حجتها جرت عملية سحب للبنك المركزي من صنعاء إلى عدن مع باقي مظاهر شروخ عمقها الانقلاب في البنية الوطنية وصادر وحدة قرارها، والفجيعة ذاتها ولدتها الحرب التي تاهت طريقها وانحرفت مساراتها وتعقدت معها أكثر ما سبق وتعقد مع الانقلاب الأول، وهنا مربط الفرس الذي ينبغي أن ننظر منها لحالة ومكانة البنك المركزي اليمني وما ألم به وألمت قبيل ذلك بالاقتصاد الوطني مشاكل في العمق لا تتنقص في الدور والمكانة ولكنها انتقصت من أهليته ومكانته وعاقته عن القيام بالوظائف التي أكسبها وقررها له الدستور والقانون.

وحتى لا نتوه وحتى لا نظل نعض النواجذ نسأل إزاء ما بكل من الدولة وسيادتها والاقتصاد ومكانته والبنك المركزي ودوره، نسأل ما العمل في المعطيات التالية؟:

استمرار الحرب ومفاعيل الانقلاب.

التوافق على تشكيل حكومة وفق بنود اتفاق الرياض.

هنا نحن أمام مهمتين تاريخيتين، الأولى ترتبط بمدى فهم وانسجام أطراف الحكومة على قضايا أساسية منها فهما واضحا وصريحا واستعداد كافة أطراف الحكومة على تعزيز وتمكين كافة مؤسسات الدولة التي تعني بالنسبة لنا مؤسسات دولة الجمهورية اليمنية وبسط نفوذها دون ثنائية تربك المشهد وتعيد الأمور لمربع الصفر.

مواجهة الانقلاب بإرادة موحدة تعكس وحدة القرار والهدف ووحدة المؤسسات الأمنية والعسكرية.

إعداد خطة عمل للشقين الأمني والعسكري وخطة للجانب الاقتصادي.

امتلاك الجانب الوطني لرؤية متكاملة تعكس توافقا بكيفية التعامل مع قضايا الحل النهائي.

هناك مسؤولية عملية وأخلاقية على دول التحالف للوفاء بما عليها من التزامات تحقق:

1 - أمن واستقرار ووحدة اليمن.

2 - تقديم العون المادي يمكن حكومة التوافق من معالجات شائكة في الجوانب المتعلقة بحياة الناس.

ضرورة الانتقال إلى شكل أرقى من أشكال التعاون والتنسيق الاقتصادي بين بلادنا وبلدان التحالف ودول مجلس التعاون تفضي إلى عون وعمل مشترك يعزز فعالية قطاعاتنا الاقتصادية وإحداث أنواع من تداخل الاستثمارات وضماناتها في قطاعات عدة بعيدا عن سياسة الودائع البنكية التي قد تفيد في المدى القصير ولكنها ليست أداة من أدوات التنمية.

يظل مطلوبا من قوى المجتمع والطيف اليمني القادر أن يلعب دورا فاعلا ولا يكتفي بالعزف المنفرد على خرائب الأطلال وما أكثرها في بلادنا.
دون تحقيق وتوفير متطلبات أمن واستقرار داخليين وبالذات بالعاصمة المؤقتة وجعلها عاصمة آمنة مستقرة يخيم عليها الأمن والسكينة بدل الفوضى وطلقات الرصاص وزيف المظاهر البراقة الكذابة.

ينبغي بل يجب إعادة الاعتبار لدور المؤسسات والنظام والقانون ومنع مظاهر الانفلات وتداخل الصلاحيات وتلك بدايات دونها تسقط البوصلة في بحر مظلم.

أختم بالقول والعودة للتأكيد على دور وأهمية ومكانة البنك المركزي اليمني مؤكدا بأن عدم استيعاب مدلول ما ذكرته وإعادة الاعتبار لكيان الدولة وسيادة قرارها الموحد وعودة مؤسساتها معززة موحدة قوية إذ بتحقق ذلك ستتنفس الدورة الاقتصاد وسيتعزز دور البنك المركزي كحام للعملة الوطنية وللاقتصاد الوطني برمته، وهنا سيكون مطلوبا بعد أن ثبت بالملموس عدم نجاعة سلاحي الودائع من السعودية تماما كما لم تنجح من سابق سياسة ضخ ما توافر من موارد من النقد الأجنبي لتهدئة المضاربات بالأسواق على الدولار أو الريال السعودي حماية لسعر صرف العملة الوطنية تلك سياسة غير ناجعة لها تأثير مؤقت تخلف أثرين أمامي وخلفي لتهدئة مؤقتة تعود بعدها المضاربات أشرس مما كانت طالما لم يتوافر رافد إنتاجي حقيقي مضمون وهو ما نؤكد عليه، ووفقا لذلك فإننا نرى لزاما على الجهات السيادية القيام ومباشرة ما يلي من سياسات وخطوات:

- تمكين أجهزة الدولة المالية من تحصيل كافة الموارد وإيرادها لجهة مركزية واحدة وزارة المالية.

- تفعيل أداة موازنة وميزانية الدولة.

- أيلولة كافة مصادر وإيرادات النقد الأجنبي لحافظة البنك المركزي.

- توحيد سلم الرواتب والخروج من نفق الاغتراب للحكومة وعناوينها أيا كانوا وتسلم رواتبهم بالعملة الوطنية.

يمكن عندئذ أن نشير بالأصبع الغليظة للبنك المركزي وإدارته التي أدارت الأزمة بمعاول مفاقمة العجز سواء، وهي تصمت إزاء المزيد من الإصدار الورقي وهي تدرك العجز الكلي بالميزانية وباقي موازين الاقتصاد الوطني وخاصة الميزان التجاري وميزان المدفوعات، ناهيك عن غفوتها وعدم قدرتها على تفعيل السياسات النقدية العائدة قانونا لها أو لتلك السياسات المالية العائدة لحكومة كانت مقيمة بالمهجر، ذلك كله أسهم بمفاقمة العجز وأدى بالضرورة لانهيار عملة الوطنية وتضرر الغالبية العظمى من مواطني الجمهورية من تلك التقلبات مع صاحب ذلك من انقطاع رواتب العديد من الفئات المدنية والعسكرية بمناطق سيطرة الحوثي ومناطق سيطرة الشرعية خاصة المتقاعدين وصغار الموظفين وأصحاب المهن الصغيرة.

إذن هي فرصة تاريخية لإعادة سريان المياه لمساربها الصحيحة وذلك أمر يتطلب إرادة وطنية وإدارة نزية ذات خبرة ومصداقية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى