​بريطانيا.. الاستعمار الذي حبب بنفسه

>
ورثت الهند نظامها البرلماني من الاستعمار البريطاني، مما جعلها أكبر ديمقراطية في العالم، وبفضل التوافق السياسي الداخلي والمعرفة الهائلة للهنود بلغة المستعمرين الإنجليزية، أصبحت الهند اليوم في المراكز العالمية الأولى في الطب وعلوم الحاسوب والبرمجة والفضاء والصناعة، في الوقت نفسه لا يمكن لباكستان المجاورة أن تتباهى بديمقراطية مستدامة أو بالإنجازات الاقتصادية، كما أن مصير المستعمرات السابقة الأخرى يتطور بشكل مختلف مثل سنغافورة الناجحة، وزيمبابوي التعبانة التي تعاني الآن من كارثة اقتصادية، أو الجنوب العربي الذي عانى بعد الاستقلال من صراعات داخلية انتهت بدخوله وحدة مع الشمال ومواصلة حالة البقاء محلك سر، إلا من بعض المشاريع "ما رحم ربي" منذ الإعلان عن الاستقلال في 30 من نوفمبر 1967 بدلا من 9 يناير 1968؟

كانت سمة السياسة الاستعمارية البريطانية تتميز بتوسع ما يسمى بـ "الإمبراطورية غير الرسمية"، والتي شملت دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية مع الاحتفاظ بمدينة عدن كمركز وهمزة وصل للتجارة العالمية، فموقع عدن الاستراتيجي جعلها نقطة مهمة للبريد المار من مناطق المحيط الهندي وأوروبا، ولذلك كان هناك برلمان في عدن وتطوير مستمر للبنية التحتية للمدينة من مباني سكنية ومستشفيات ومدارس وشبكة طرقات ومجاري حديثة، كما تم توسيع وتحديث قدرات ميناء عدن، وأعطيت مساحة واسعة من الحرية الملحوظة للإعلام والصحافة جميعها أعطت عدن أهمية عالمية وحاضنة لكل الديانات والجاليات.

بعض الساسة الجنوبيين بعد الاستقلال لم يقدروا قيمة الجوهرة التي حصلوا عليها بعد انتهاء الاستعمار البريطاني للجنوب، وبدلا من استغلال الوضع المزدهر لتلك الفترة فضلوا الدخول إلى ميدان فرض الإرادات السياسية والشخصية والسعي وراء تحقيق أهدافهم ومصالحهم، والقفز الحاد على مزاج وسلوك جماهير كبيرة من الناس، وتقسيم السكان بين الوطنين والعملاء حسب المزاج السياسي لها والعداوة مع دول الإقليم، وبسبب هذا الوضع أصبح انهيار الدولة الوليدة ونظامها السياسي أمرًا واقعًا لا يحتاج لذكاء.

تشير تجربة الصراعات الأخرى إلى أن اتفاقات السلام التي تبرمها النخبة والقيادات السياسية فيما بينها، ولم يدعمها جزء كبير من السكان كقاعدة عامة، محكوم عليها بالفشل، والجنوب اليوم وبعد 53 عامًا من انسحاب القوات البريطانية من عدن وتوقيع عدد من اتفاقات السلام الداخلية، مازالت الحرب جزءًا لا يتجزأ من حياتهم ويعترف الناس بصراحة أن كل ما يحلمون به الآن هو العيش ولو قليلاً بسلام وعدم رؤية الأسلحة والتوقف عن الخوف على أنفسهم وعلى أطفالهم.

يقول الكثير من سكان عدن، إن الإنجليز كانوا أقرب إلينا في ثقافتهم وتقاليدهم، وعلى الرغم من تسميتهم بالمستعمرين، إلا أننا كنا نفهم بعضنا البعض بشكل رائع، لقد شيدوا لنا بنى تحتية مازالت قائمة وتستخدم حتى اللحظة، أما اليوم فالحروب والصراعات لا تمنح الجنوبيين الوقت حتى لبناء أي شيء يذكر، لأنهم على طول مجبرون على القتال والمقاومة والدفاع.
تحية لتلك القلة الجنوبية الوطنية، التي سعت لاستقلال الجنوب من أجل الحرية والبناء، والمجد والخلود لكل شهيد قدم روحه بصدق من أجل الوطن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى