الإصلاح القضائي الشامل وأولويات برنامج الحكومة الجديدة

> القاضي أحمد عمر بامطرف

> جاء قرار إعلان تشكيل الحكومة الجديدة حكومة الكفاءات السياسية بالمناصفة بين الجنوب والشمال بعد انتظار طويل ومعاناة مريرة عاشتها جماهير الشعب بمختلف قطاعاتها في المحافظات الجنوبية في جميع جوانب الحياة، باعثاً الأمل في نفوس الناس مجدداً بعد أن بلغ اليأس والإحباط العام أقصى مداه، وكان لتصريحات فخامة الأخ رئيس الجمهورية ودولة الأخ رئيس الوزراء عقب صدور قرار إعلان تشكيل الحكومة بتأكيدهما على الاهتمام بمعالجة كافة الاختلالات القائمة في البلاد وإعادة بناء مؤسسات الدولة المُنهارة أثراً بالغاً في نفوس الناس باستشراف المستقبل باطمئنان.

وما يتوجب التأكيد عليه هنا من أجل ضمان نجاح الحكومة في مهامها في إحداث حلول جذرية للأوضاع المأساوية التي تعيشها البلاد في مختلف المجالات الاقتصادية والمعيشية والخدمية والأمنية وإحداث نهوض شامل فيها أن برنامج الحكومة ينبغي أن يتضمن في أولوياته مسألة الإصلاح القضائي الشامل كَمُهِمة مُلِحة وكضرورة حتمية من أجل بناء قضاء قوي ونزيه وعادل ومستقل، وهو ما يُشكِلُ أهم الضمانات من أجل توفير الاستقرار ونجاح خطط التنمية والاستثمار ونشر العدل واستتباب الأمن وسيادة القانون والقضاء على الفساد والظواهر الإجرامية وخلق حياة كريمة وآمنة للمواطنين.

ومن أجل تحقيق ذلك ينبغي على هيئات السلطة القضائية وضع خطة للإصلاح القضائي الشامل بحيث تتضمن تقييماً موضوعياً دقيقاً وشاملاً لمسيرة القضاء في اليمن إيجاباً وسلباً قبل الوحدة وبعدها، تستهدف تحديد مكامن الاختلالات في أجهزة القضاء والعمل على تطوير الإيجابيات وتجنب السلبيات، واقتراح المعالجات الضرورية الكفيلة بالنهوض بالقضاء ليصبح قضاءً قوياً نزيهاً وعادلاً ومستقلاً.

وإنها لَمُصادفة جميلة أن يتزامن قرار تشكيل الحكومة الجديدة مع الذكرى (42) لتأسيس المحكمة العليا لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي تأسست في السابع والعشرين من شهر ديسمبر سنة 1978م لأولِ مَرةٍ في تاريخ البلاد بقرار مجلس الشعب الأعلى، وتشكلت من القضاة الآتية أسماؤهم:

1 - نجيب عبدالرحمن شميري، رحمه الله/ رئيساً

2 - أحمد عمر بامطرف/ نائباً للرئيس

3 - علي حسين أبوبكر، رحمه الله/ عضواً

4 - رئيس القضاء العسكري في وزارة الداخلية/ عضواً

5 - رئيس القضاء العسكري في وزارة الدفاع/ عضواً

وفي ذات التاريخ تم من قِبل مجلس الشعب الأعلى تعيين مدعٍ عام للجمهورية وهو الأخ القاضي طه علي صالح، ونائب للمدعي العام وهو الأخ القاضي محمد عمر الكاف، رحمهُ الله.

وقد باشرت المحكمة العليا للجمهورية والنيابة العامة مهام عملهما من مقرهما في العاصمة عدن ابتداءً من الأول من يناير 1979م، وأعقب ذلك مباشرةً إنشاء وتشكيل المحاكم الاستئنافية والابتدائية والنيابات العامة في جميع محافظات الجمهورية، وبذلك تم استكمال إجراءات تكوين السلطة القضائية لأول مرة في عموم الجمهورية، وقد تحقق كل ذلك بعد أن تم الاستغناء عن القضاة السودانيين الذين استعانت بهم حكومة الاستقلال خلال الفترة من 1968 إلى 1976، لسد النقص الذي تركهُ رحيل القضاة الإنجليز من محاكم عدن. وفي السنوات اللاحقة جرى توسيع المحكمة العليا برفدها بعدد من القضاة بعد أن أنهوا دراساتهم في الخارج.

وعلى الرغم من انعدام الإمكانيات اللازمة للعمل آنذاك بسبب شحة الموارد المالية للدولة ونظراً للمواقف السلبية من بعض الدول العربية والأجنبية تجاه النظام السياسي في الجمهورية آنذاك وما كان يتعرض له من تآمرات خارجية إلا أننا قمنا -في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة للغاية- بتأسيس قضاء وطني قوي ونزيه وعادل ومستقل، عمل على تثبيت سيادة القانون ونشر العدل، والقضاء على الظواهر الإجرامية، وبسط الأمن في البلاد، وكان ذلك بفضل تكاتف الجهود المتفانية المخلصة للكوادر الوطنية القضائية والقانونية مع جهود هيئة المحكمة العليا للجمهورية، ولذلك ينبغي استخلاص الجوانب الغنية بالإيجابيات في تلك التجربة القضائية الفريدة والاستفادة منها في عملية وبرنامج الإصلاح القضائي المنشود حالياً.

ومما لا شك فيه إن إصلاح السلطة القضائية بجميع هيئاتها وأجهزتها (مجلس القضاء الأعلى، المحكمة العليا، المحاكم الاستئنافية والابتدائية، النيابة العامة، التفتيش القضائي. والإدارة القضائية المساعدة في وزارة العدل) مسألة في غاية الأهمية ينبغي أن تكون في أولويات برنامج مهام الحكومة الجديدة.

وعلى الرغم من أن اتفاق الرياض قد أغفل موضوع إصلاح القضاء على الرغم من أهمية السلطة القضائية في البناء المؤسسي للدولة، إلا أن ذلك لا يعني بأي حالٍ من الأحوال إهمال هذا الموضوع أو تجاهله أو الانتقاص من ضرورته ودوره الحيوي الهام في بناء الوطن، لأنه إذا صَلح القضاء صلحتَ أحوال البلاد والعِباد، والقضاء الوطني المستقل القوي العادل النزيه هو الملجأ والملاذ الآمن لِكُلِ مواطن مظلوم ينشُد العدالة ويطالب برفع الظلم عن كاهله، والقضاء هو الضامن لصيانة الحقوق وكفالة الحريات العامة، وهو الجهة المختصة دستورياً وقانونياً بفض المنازعات أياً كانت أنواعها بين المواطنين أو بين مؤسسات وهيئات الدولة المختلفة وبين جميع الهيئات والمكونات والأشخاص الطبيعية والاعتبارية في البلاد، ولذلك يجب اللجوء إلى القضاء والاحتكام إليه في حل جميع القضايا والخلافات والمنازعات بمختلف أنواعها بدلاً من الاحتكام إلى السلاح، والقضاء هو الضمانة الأساسية لقيام دولة النظام والقانون، لأن العدل هو أساس الحكم، فالدولة إذا أرِيد لها أن تكون قوية ومتطورة وعادلة ومستقرة وآمنة وقادرة على توفير العيش الكريم والحياة الآمنة والمستقرة لمواطنيها يجب أن تقوم على أساس سيادة القانون، والضامن لتحقيق سيادة القانون هي السلطة القضائية، فهي إحدى السلطات الدستورية الثلاث التي تتكون منها الدولة، وهي تملك من الصلاحيات والاختصاصات الدستورية والقانونية ما يكفي للاضطلاع بمهامها على أكمل وجه، والقضاء المستقل القوي والعادل والنزيه هو الضمانةُ الأكيدة لسيادة القانون التي من شأنها تثبيت دعائم الأمن والأمان ونشر الطمأنينة في حياة المواطنين والقضاء على الظواهر الإجرامية وإحقاق الحقوق وردها إلى أصحابها وإنهاء الظلم والقضاء على الفساد بكافة أشكاله وإيقاف انحِراف أي سلطة من السلطتين التنفيذية أو التشريعية بمهامها أو تجاوز اختصاصاتها أو تجبُر إحداهما على الأخرى. واستقلال القضاء هو من أهم الضمانات الدستورية الضرورية لوجود قضاء عادل وقوي ونزيه، ولا يمكن للقضاء أن يكون مستقلاً إلا إذا قام على دعامتين أساسيتين وهما:

الأولى: استقلال القضاء كمؤسسة.

والثانية: استقلال القضاة كأفراد.

وهذا يتطلب بالضرورة من القيادة السياسية ممثلةً بفخامة رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية الالتزام الكامل والدقيق بالمعايير والأسس الموضوعية كالنزاهة والكفاءة والخِبرة في اختيار وتعيين القضاة في جميع الهيئات القضائية والتخلي عن الاعتبارات الحزبية أو المناطقية أو الولاءات الفئوية أو الشخصية في التعامل مع القضاء كمؤسسة أو مع القضاة كأفراد، لأن مُهمتهم تطبيق القانون ونشر العدالة في المجتمع، كما أن أي قصور أو خلل في أداء القضاء سيعكس نفسه على مختلف أنشطة الدولة وخططها في مجالات التنمية والأمن والاستثمار والإصلاح المالي والإداري، ولذلك ينبغي تبني خطة شاملة للإصلاح القضائي، ومن أجل ذلك يقع على عاتق القضاة الوطنيين الشرفاء الأحرار ممن يمتلكون كفاءات عالية وخبرات طويلة وتجارب غنية في العمل القضائي بشكلٍ عام المساهمة بفعالية وشجاعة دون خوف أو مجاملة، من أجل كشف وتشخيص مكامن الخلل والقصور والأخطاء والسلبيات في أجهزة القضاء والمساهمة في وضع خطط وبرامج الإصلاح القضائي الشامل، والاستفادة مما هو إيجابي لتطويره وتحديثه والتخلي عن السلبيات والمعوقات.

نسأل الله للجميع الهِداية والتوفيق لِما يُحِبه ويرضاه وهو حسبُنا ونِعم الوكيل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى