من علماء المسلمين .. القزويني

> هو الإمام أبو يحيى عماد الدين زكريا بن محمد بن محمود الأنصاري القزويني، القاضي والجغرافي والفلكي متعدد المواهب. وهو حجازي الأصل، سليل بيت من بيوت الأنصار، حيث يتصل نسبه إلى الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه. ولد بمدينة قزوين (بين رشت وطهران) في حدود سنة 605هـ - 1208م.

لا مبالغة في إن العالم المسلم القزوينى، هو رائد علم الفلك وواضع اللبنة الأولى في علوم الفضاء، فهو أول من صنف النجوم لمعرفة الوقت، وأعظم أعماله شأنا هي نظرياته في علم الأنواء، الذى يعرف حاليا بالأرصاد الجوية؛ إذ يعد القزوينى من أبرز العلماء المتقدمين في علم الأرصاد الجوية، فهو أول من تكلم عن تصنيف النجوم حسب ألوانها، والحركة الظاهرية للكواكب، وكيفية معرفة الوقت، وأنواع الرياح والسحب وكيفية تكوينها، وأسباب نزول المطر على هيئة قطرات.

كما تحدث في كتابه "عجائب المخلوقات" عـن الجغرافية الطبيعية، ومنهـا المناخ، حيث تكـلم عن الطبقات الجوية، وعن تكوين الغيوم والأمطار، وتكلم عن حدوث الرياح واتجاهاتها وفوائدها، ومنها ما ذكره عن "الزوبعة" معللا أسباب حدوثها بقوله: "هي الريح التي تدور على نفسها شبه منارة وأكثر، تتولد من رياح ترجع من الطبقة الباردة فتصادف رياحًا تذروه الرياح المختلفة، فيحدث من دوران الغيم تدوير في الريح، فينزل على تلك الهيئة، وربما يكون مسلك صعودها مدوّرًا فيبقى هبوبها كذلك مدورًا". وتكلم عن توزيع اليابس والماء على الأرض، وتوزيع الحرارة والأقاليم الحرارية عليها، ثم بين علاقة ارتفاع الحرارة في المناطق الاستوائية، واشتداد البرد في المناطق القطبية بالإنسان والحيوان والنبات.
رسم الخسوف والكسوف بشكل مفصّل كما ورد في كتاب القزويني من القرن الثالث عشر الميلادي
رسم الخسوف والكسوف بشكل مفصّل كما ورد في كتاب القزويني من القرن الثالث عشر الميلادي

وخصص القزويني القسم الأول من كتابه "عجائب المخلوقات" لعلم الفلك والنجوم، حيث تكلَّم عن السماء وما بها من كواكب وبروج ومدارات ومجرَّات، والشمس والقمر، وتحدث عن كواكب الزهرة والمريخ والمشتري وعطارد، وزحل. وعلل القزويني خسوف القمر علميا فكان دقيقا، حيث قال: "إن سببه توسط الأرض بينه وبين الشمس، وعندئذ يتشكل من وقوع نور الشمس مخروط قاعدته الأرض، فإذا وقع القمر كله في جرم المخروط كان الخسوف كليًا". وقد علل كسوف الشمس وقال: "إن القمر يكون حائلًا بين الشمس وأبصارنا لأنّ جرم القمر كمد فيحجب ما وراءه، لأن الخطوط الموهومة الشعاعية التي تخرج من أبصارنا متصلة بالبصر على هيئة مخروط رأسه نقطة البصر وقاعدته المبصر، فإذا وقع جرم القمر في وسط المخروط، تنكسف الشمس كلها، وقد تنكسف بعضها إذا كان للقمر عرض ينحرف المخروط عن الشمس"، وكان ذلك في الوقت الذي كان فيه الأوربيون حينها يصرخون بوجه الشمس المكسوفة حتى يخيفوا الغول الذي يأكلها حسب اعتقادهم.

وقد زود القزويني كتابه "عجائب المخلوقات" بأشكال وجداول فلكية غاية في الروعة والدقة. ولأهمية معلوماته وندرتها في الفلك، أفاد منها عدد من الباحثين والعلماء المهتمين بهذا المجال، الذين اعتبروا أن وصفه للنجوم هو وصف علمي إلى حد بعيد، ومنهم المستشرق الدنماركي "آيدلر" في بحثه الذي كتبه سنة 1909م.

وقد أسهم القزويني إسهاما كبيرا في علوم الفيزياء والطبيعيات، ومنها ما يتعلق في الأرض من الزلازل والخسف، وفي الجو من السحاب والبرق والرعد والصواعق والهالة وقوس قزح، حيث قدم معلومات مهمة عن ذلك. وقد فسر القزويني نظرية قوس قزح، ويرى "رونان" أن القزويني كان أول من علل تكوّن قوس قزح تعليلا علميا صحيحًا. أما في مجال علم الأرض أو الجيولوجيا، فقد كان القزويني من العلماء العرب الذين امتد اهتمامهم بهذا العلم، فقد استدل على كروية الأرض بخسوف القمر وطلوعه وغروبه.
خريطة للقزويني وتظهر فيها افريقيا وآسيا ونهر النيل ومنابعة في الحبشة
خريطة للقزويني وتظهر فيها افريقيا وآسيا ونهر النيل ومنابعة في الحبشة

وكان للقزويني نظريات علمية جيولوجية وضعها الجيولوجي "تشارلس لايل" في مقدمة كتابه "أصول علم الجيولوجيا" سنة 1830م، الذي بقي معتمدًا في بلاد الغرب، وقال: "إن ما ورد في كتاب القزويني ’عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات‘ من النظريات الجيولوجية لتدل على صحتها ونبوغ هذا العالم المسلم". والجدير بالذكر أن "تشارلس لايل" أول من اعترف بدور القزويني في مجال علم الجيولوجيا، إذ أن أفكار القزويني الجيولوجية صارت متداولة بين علماء الغرب بواسطته.

وتطورت الجغرافيا العربية الإسلامية في القرن السابع الهجري، وأصبح لها فروع وتصانيف دقيقة مثلما وضع ياقوت الحموي كتابه "معجم البلدان". وقد برز القزويني في هذه المدة من خلال كتابيه الشهيرين، فقد اشتمل كتابه "آثار البلاد وأخبار العباد" على كثير من المعلومات الجغرافية المفيدة عن أقطار العالم الإسلامي، وبعض الأقطار الأوربية والآسيوية والأفريقية المحيطة بالعالم الإسلامي، فتكلم عن البحيرات والأنهار والعيون، والتضاريس والثروة الزراعية، والحيوانية، والصناعة والمعادن.

وتضمن كتابه خرائط لبعض المدن. وقد عُدَّ القزويني أبرز من ساهم في تطوير رسم الخرائط في هذه المرحلة، فضلا على المسعودي وابن حوقل في مؤلفاتهم الوصفية. فقد رسم خارطة مستديرة للعالم من طراز خارطة الأصطخري، وصـــور وخرائط أخرى للكعبة والمسجد الحرام حولها، وصورة مدينة تنيس في بحيرتها "بحيرة المنزلة"، والقسطنطينية، ومدينة قزوين.

وبرز القزويني في مجال علم الكيمياء، فقد خصص فصلًا في كتابه عجائب المخلوقات لدراسة المعادن والأحجار، فقسم فيه المعادن إلى ثلاثة أنواع، الأول: هو الفلزات، والثاني: الأحجار، وأما الثالث: فقد أطلق عليه الأجسام الدهنية. ولأهمية معلوماته عن الكيمياء، قام المستشرق الألماني "روسكا" بترجمة القسم الخاص بالأحجار من كتاب عجائب المخلوقات إلى اللغة الألمانية سنة (1310هـ - 1896م). وبعد هذه الرحلة العلمية، توفي القزويني في السابع من المحرم سنة 682هـ - 1283م. فرحمه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرًا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى