من علماء المسلمين .. المسعودي

> هو أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي، وكنيته أبو الحسن، ولقبه قطب الدين، وهو من ذرية عبد الله بن مسعود. عالم فلك وجغرافيا، ولد ببغداد وتعلم بها، وكان كثير الأسفار وقد زار بلاد فارس والهند وسيلان وأصقاع بحر قزوين والسودان وجنوب شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام والروم، وانتهي به المطاف إلى فسطاط مصر، وتوفي فيها.

وصف المسعودي الزلزال في كتابه: "مروج الذهب" ووصف فيه البحر الميت وطواحين الريح الأولى، وربما كانت هذه الطواحين من مبتكرات الشعوب الإسلامية، وقد عد العالم (كرامز) ما كتبه المسعودى في كتابه هذا، عن الكائنات الحية الأصل في نظرية التطور لداروين، وقد أشار المسعودى في هذا الكتاب إلى الانحراف الوراثي في الحمضيات، أثناء عملية النقل لها من السند إلى مصر، وسجل هذا الانحراف علي أصناف من الليمون.

ويعتبر من أهم الرحالة، وقد قدم معلومات انثروبولوجية "علم الإنسان" قيمة عن شعوب المناطق التي زارها، فذكر أجناسهم وصفاتهم الجسمية وعاداتهم وتقاليدهم والحرف والمأكل والملبس والمأوى لكل شعب من الشعوب. أما في كتابه "التنبيه والإشراف" فقد سبق علماء الغرب بذكره أثر البيئة والمناخ على الإنسان، وهو كأغلب الجغرافيين العرب، تأثر بفكرة الأقاليم السبعة متأثرا باليونانيين والفرس.
خريطة المسعودي واتي تعد من أدق الخرائط التي ظهرت لتحديد العالم المعروف في ذلك الوقت
خريطة المسعودي واتي تعد من أدق الخرائط التي ظهرت لتحديد العالم المعروف في ذلك الوقت

والمسعودي مؤرِّخ ورحَّالة وباحث، أخذ العلم في بغداد وفي غيرها من الأمصار، ورحل في الآفاق إلى أن حطَّت رحاله في مصر، فأقام فيها إلى أن مات، وكان قد سلك نهجا تاريخيا جديدا في تدوين حوادثه مقارنة بمن سبقه، كما أن الفترة التي عاش فيها ووثق غالبية ملاحظاته عنها، هي تلك التي شهد فيها التاريخ العربي الإسلامي، قفزات علمية وحضارية مهمة (القرنان الرابع والخامس الهجريان)، رغم أن هذه الحقبة شهدت أيضا بدء تشظى مركزية الدولة العباسية في بغداد، وذلك مع تزايد النفوذ الأجنبي.

وقد عاش المسعودي ضمن هذه الدائرة الثقافية والسياسية، الأمر الذي دفعه لانتهاج أسلوب الرحلة للمشاهدة والمعاينة في تثبيت الحدث وتدوين الحقيقة التاريخية. وقد زار المسعودي كثيرا من البلدان والأقاليم خلال رحلته التي امتدت قرابة 25 عاما، وطلب خلالها العلم والمعرفة، وليكون شاهد عيان على الحوادث والأخبار.
وتأثر المسعودي بأسماء سبقته من أعلام القرن الثالث الهجري، وهي شخصيات حازت شهرة واسعة في مجال التأريخ والجغرافية، والتوثيق من خلال السفر والترحال.

ومن بين أولئك الذين تأثر بهم؛ محمد بن جرير الطبري، أبو العباس أحمد بن إسحاق بن جعفر اليعقوبي، وابن قتيبة الدينوري، و أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري.
تمثال للمسعودي من عمل النحات إمريش أليكسيوس سوبودا ، في متحف التاريخ الطبيعي بالنمسا ، فيينا
تمثال للمسعودي من عمل النحات إمريش أليكسيوس سوبودا ، في متحف التاريخ الطبيعي بالنمسا ، فيينا

على أن المسعودي أدرك تلك العيوب التي اعترت منهجية عمل بعض تلك الشخصيات السابقة، وهو الأمر الذي شخَّصه ابن خلدون بعد ذلك بقرون، وذلك من خلال قول مؤسس علم الاجتماع: "وكثيرا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل المغالط (الأغلاط) في الحكايات والوقائع، لاعتمادهم على النقل غثَّا أو سمينا، لم يعرضوها على أصولها.

ولم يسلِّم المسعودي بكل ما تم تداوله قبله من أخبار ومعلومات، لذا فقد بذل جهداً كبيراً في أن يضع أموراً كثيرة موضع الاختبار، والمشاهدة والتحليل، والمقارنة، إذ لم يترك شيئا وقع عليه نظره، أو عرض له، أو استرعى انتباهه من ظواهر طبيعية، وعادات وتقاليد، وأديان، ووقائع، وثقافات، إلا أعمل فكره فيه.
قال العالم (فازيليف) في كتابه "العرب والروم": "إن كتب المسعودي هي مما يقرأه المسلمون والأوربيون على السواء، ويجدونه ممتعا؛ ولذا استحق لقب "هيرودوت العرب"، وهو اللقب الذي أضفاه عليه كريمر في "الثقافة في الشرق".

لقد تبنى المسعودي ما جاء به كل من أرسطو وبطليموس وسواهما من حكماء العالم القديم، الذين يرون أن الأرض عندهم هي مركز الفلك ونقطة ثابتة تدور حولها الأفلاك.
لذا فهو يتحدث عن هذا الأمر من خلال أسلوبه بالقول: "الأرض في وسط الجميع كالنقطة في وسط الدائرة، والفلك متجافٍ عنها من حيث ما أحاط بها، وهو يدور عليها من المشرق إلى المغرب، وعلى أوسع موضع فيه على نقطتين وهميتين متقابلتين في جنبي كرته إحداهما القطب الشمالي.. والثانية القطب الجنوبي".

كما لم يغفل المسعودي عن الاستعانة بمقولة أرسطو التي تفيد أن الأرض إلى زوال بعد أن تمرَّ بمرحلتي الشباب والهَرَم، وحول شكل الأرض، فهي بنظره كرة تشبه في ذلك الأجرام السماوية التي شاء الله أن يكون التدوير من صفاتها، ويستند بذلك إلى رأي أرسطو الذي استدل على تدويرها وذلك من خلال استدارة ظلها على القمر في وقت الخسوف.

لكن المسعودي سجَّل اعتراضه على تقدير أرسطو (348-322 قبل الميلاد) لمحيط الأرض؛ لأنه في رأيه مبالغ به، إذ قدره بنحو 46 ألف ميل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى