خريطة أيديولوجية للإسلام السياسي

> ماهر فرغلي

> الإسلام السياسي مصطلح اقتحم الدراسات السياسية، وهو في الأغلب يشير لحركات تمارس العمل السياسي في إطار نظرة شمولية للحياة البشرية، وتعمل على إعادة صياغتها لتنسجم مع توجهاتها للوصول إلى السلطة.

ورغم انتشار تلك الحركات في جميع أقطار العالم تقريبا، لكن ليس لها خريطة محددة؛ إذ إنّها وفق المنطق الحركي، ومراجعة صيغ التنظيمات للانخراط المجتمعي والسياسي، أو طريقتها في السيطرة على المجتمعات، أو هرم السلطة، فإنّ لها شكلاً مختلفاً، عن المنطق الجغرافي، الذي يحددها وفق انتشارها وذيوعها ووجودها، بغض النظر عن أي أمور أخرى.

في الأغلب على المستوى العام الجماعي الأكاديمي لا موسوعة أو خريطة تصنف تلك الحركات وفق المنطق الفكري الأيديولوجي، رغم انتشار التصنيفات حول الأطروحات الفكرية والصياغات لمفاهيمها.

على سبيل المثال: إنّ "الديمقراطية الإلهية"، و"الوعي الإسلامي" الذي دعا إليه المودودي من أجل تلقينه للمجتمع حتى يصل لتبني الرؤية الإسلامية في القيادة والحكم، يختلف جذريا عن المفهوم الذي يكفّر العمل الحزبي، ويعطي الأولوية لحمل السلاح عن العملية السياسية من أجل الوصول لحلم "التمكين"، وهنا سنجد تنوعات كبيرة جدا.

في سياق تلك المقاربة، إنّ ذلك يدفعنا إلى معرفة الإطار الفكري لتلك الجماعات، وكيفية صياغتها لمفاهيمها المؤسسة، مثل الحاكمية، والتي ستعبر عنها حركياً، بطرق مختلفة سواء بالعمل من خلال المجتمع، أو العمل من خارجه، أو ما يمكن أن نطلق عليه (التغيير السفلي) أو (التغيير الفوقي).
وفق تلك الطريقة في التصنيف، يمكننا أن نلحق بها الظاهرة الثقافية، التي خرجت من جذور هذه الحركات، وأيضا مراجعة تراث الفكر الذي مثل الأرضية الإيديولوجية المشتركة لها، على سبيل المثال لا الحصر سنجد هنا في التصنيفات الإسلاميين المستقلين أو التقدميين.

انطلاقا من هذه الطريقة في التصنيفات والاختلافات، سنجد أننا معنيين بشكل مباشر في تطور هذه الحركات ودراسة تحولاتها الداخلية وتطور رؤاها، ومعرفة إمكانات تأثرها بالظروف المحيطة بها، ومعرفة المنطلقات العقدية والفقهية، التي تفرقها أو تجمعها، ومثالنا في ذلك السلفية السعودية، التي لو صنفناها بنفس الطريقة، ومدى قربها أو بعدها من الإخوان سنجدها تختلف عقدياً عن بعضها بشكل كبير

حين نبدأ في وضع الخريطة الأيديولوجية لتيارات الإسلام السياسي، علينا أن نبدأ أولا في تصنيف المفاهيم الحاكمة الرئيسة، وهي:
1) الحاكمية: وحكم الحكام لدى الجماعة، وحكم الملأ (أي من يحيطون بالحاكم)، وحكم الطائفة والجيوش، ورأي التنظيم في مسألة التكفير.
2) حكم الدار: ورأي الحركة في حكم الدول، والعمل من خلال السلطة الحاكمة عليها، وحكم تكفير الدول وقاطنيها، وحكم العذر لساكني الدول.

3) قضية الولاء والبراء: وحكم موالاة الدول العلمانية، أو الفصائل المختلفة معها.

على سبيل المثال لا الحصر، فإننا وفق حكم الدار، سنجد اختلافات جمة بين التنظيمات، فهناك منها من يكفّر (الدولة) التي لا تعلوها أحكام الشريعة، ويعمم مصطلح (الكفر والطاغوت) ليشمل كل مؤسساتها وقاطنيها، وهناك من يطرح ما يسمى "التوقف والتبين" أي عدم الحكم على ساكني دار الكفر والحرب حتى التبين من كفرهم بالطاغوت، مستندين لتنظيرات الشرعي المصري حلمي هاشم، الذي ينزل أحكام الدار على ساكنيها، واعتبر أنها إما (إسلام أو كفر)، كما اقتبس من تنظيمات أخرى تكفير طقوس ومظاهر الديمقراطية والعلمانية.

وآخرون أسسوا جماعات وفق تلك القاعدة الأيديولوجية أيضا، مثل جماعة شكري مصطفى (جماعة المسلمين – يطلق عليها إعلاميا التكفير والهجرة)، حيث أضافوا أحكام تتعلق بالهجرة من المجتمع الجاهلي، وحكم الإصرار على المعصية.
وأيضا هناك من رفضوا إطلاق حكم التكفير على الدول، لكنهم حكموا أنها (دار مختلطة) أي اختلطت فيها أحكام الإسلام بالكفر، وقاتلوا الجيوش على أنهم مسلمون ممتنعون عن الشريعة.

يرى البعض أنّ المخزن والنبع واحد، وأنه أيديولوجية حسن البنا والمودودي وسيد قطب، وبعدها حصلت التفريعات الكثيرة، وهذا صحيح في جانب كبير، إلا أنّ ذلك لا يمنع تلك الفروق، التي لو دققنا فيها فستعطينا تصنيفا حرفيا لتلك الحركات والتنظيمات، أفضل بكثير من الخريطة الجغرافية أو الحركية التكتيكية لها.
الإشكالية الوحيدة برأيي، هي الخلط ما بين الاستراتيجيات والخلافات الفكرية، مثال من يحرمون العمل السياسي حركيا لصعوبته، أو من يحرمونه لأنّه غير شرعي، وهذا ما يفتح الجدل دائما حول الخريطة المعقّدة للتنظيرات والتنظيمات.

"*كاتب مصري - حفريات"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى