الحوثي يتراجع.. هل تحدد معركة البيضاء شكل المفاوضات اليمنية؟

> "الأيام" ساسة بوست:

> بعد فشل الوساطة العُمانية في إيجاد حل يرضي جميع أطراف الصراع في اليمن، ومع تعنت «الحوثي»، يبدو أن الأمور على غير المتوقع تتجه إلى منحى ربما يكون مختلفًا؛ فأصوات الرصاص والانفجارات هذه المرة ليست في مأرب ولا تعز، بل في محافظة البيضاء، حيث تدور معارك، وصفت بالعنيفة؛ في محاولة لانتزاعها من سيطرة الحوثيين، الذين تمكنوا من بسط سيطرتهم عليها بشكل شبه كامل عام 2015، بعد معارك عنيفة ضد تنظيم «القاعدة» من جهة، وقوات الحكومة الشرعية من جهة أخرى.

معركة البيضاء – التي تدور الآن – مختلفة تمامًا عن معارك تعز، أو مآرب، من حيث توقيت انطلاقها، وأيضًا التنسيق بين التحالف وبين القوات التي يدعمها على الأرض؛ إذ تمكنوا من السيطرة على مناطق واسعة بشكل سريع من قبضة جماعة «الحوثي»، التي يبدو أنها لم تكن جاهزة لمثل هذا الهجوم، وبدأت تكيل الاتهامات بأن هذه العملية ما هي إلا لدعم تنظيم «القاعدة» وتمكينه في المحافظة.

بين «أنصار الشريعة» و«أنصار الله»
تتكون محافظة البيضاء من 20 مديرية، أكبرها رداع، وتتوسط خريطة اليمن، ويبلغ عدد سكانها أكثر من نصف مليون نسمة، جميعهم يتبعون المذهب الشافعي، أحد مذاهب أهل السنة، كما تقع ضمن إقليم سبأ، وهو أحد أقاليم اليمن الستة، التي تم الإعلان عنها في مؤتمر الحوار الوطني عام 2014؛ إذ قُسِّمت هذه الأقاليم على أساس طائفي، ومناطقي، وعرقي، ويضم إقليم سبأ محافظتي مأرب، والجوف أيضًا.

ولأن محافظة البيضاء سنية كلها فقد أعلنت رفضها منذ البداية لجماعة «أنصار الله»، أو جماعة «الحوثي» الشيعية، وتخوفت من وصول قواته إليها، واستغلت جماعة «أنصار الشريعة» (أحد فروع تنظيم «القاعدة») هذا الأمر، وجيشت القبائل والأفراد، وجندتهم في صفوفها، وانضم لها عدد من شيوخ القبائل، كان أشهرهم طارق الذهب، الذي نُصّب أميرًا على مدينة رداع، وتمكن من السيطرة عليها لبضعة أيام، قبل أن ينسحب منها بعد وساطة قبلية عام 2013؛ مقابل تنفيذ مطالبه بإطلاق سراح 15 سجينًا.

وظهر تنظيم «أنصار الشريعة» في بداية عام 2011، وتمكن فيها من السيطرة على محافظة أبين، ومنطقة عزّان، بمحافظة شبوة جنوب البلاد، وذلك في الفترة التي انطلقت فيها الثورة اليمنية لإسقاط الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، الذي اتهم بتسهيل إسقاط هذه المدن في يد «القاعدة»، في محاولة لإظهار أن ما يحصل من ثورة ضده تدعم «القاعدة» والجماعات الجهادية المتطرفة.

أما عن وجود «القاعدة» في البيضاء، فقد ظهر بشكل ضعيف في بداية عام 2012، واقتصرت عملياته على استهداف قوات الجيش اليمني، وتطورت قوته عام 2013؛ إذ بات يشن عمليات شبه يومية، قتلت عددا من الضباط والعناصر، ومع ذلك فقد كان وجود عناصر التنظيم غير واضح للعيان، وكانوا مختبئين، ويشنون هجماتهم بشكل مباغت وسريع، في حين كان عددهم لا يتجاوز 300 فرد بمختلف الأسلحة؛ مما زاد مخاوف الحكومة اليمنية، وأيضًا سكان المحافظة آنذاك.

ومع ازدياد قوة جماعة «الحوثي» بعد سيطرتها الكاملة على محافظة صعدة، معقلها الرئيس شمال اليمن، وبدأت في التمدد إلى مناطق أخرى، شعر أهالي محافظة البيضاء بالتخوف من المد «الحوثي» الشيعي؛ فقد وجد كثير منهم أن تنظيم «القاعدة» خيار أقل سوءًا لهم؛ فانضم عدد من مسلحي القبائل إلى التنظيم.

وهنا أيضًا تطورت قوة القاعدة عام 2014؛ ليتمكن من بسط سيطرته على عدد من المديريات والمناطق المهمة؛ بسبب ضعف الجيش اليمني في تلك الفترة على خلفية الانقسام الحاصل له بعد أن توزعت قوته بين «الحوثي» والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وبين الرئيس عبد ربه منصور هادي، وأصبحت البيضاء وقد رُفعت عليها أعلام «القاعدة» السوداء بعد فشل قوات هادي في استعادة السيطرة عليها، وباتت أعين «الحوثي» تتجه إلى المحافظة المهمة والاستراتيجية.

في الحقيقة كان من الصعوبة بمكان تمكُّن جماعة «أنصار الله» الحوثية من السيطرة على محافظة البيضاء الوعرة، التي تمثل الجبال والوديان فيها أكثر من 70 %، بدون القصف الجوي الأمريكي، الذي كان له دور بارز في قتل قيادات «أنصار الشريعة» القاعدية (بينهم: عبد الرؤوف الذهب، ونبيل الذهب، وعياش العيد، وأحمد جار الله، وأبو ميسرة الحناكي، وأمير رضا، وشوقي البعداني، وغيرهم كثير من الأفراد والعناصر) وتدمير أسلحتهم ومقراتهم، وهو ما سهل سيطرة «الحوثي» على المحافظة بشكل شبه كامل في بداية عام 2015.

واصلت الطائرات الأمريكية غاراتها الجوية المستمرة على المحافظة؛ ففي مارس (آذار) 2017 أغارت بأكثر من 30 غارة على مديرية الصومعة. وأدت إلى مقتل كثير من عناصر التنظيم، إلى جانب كثير من المدنيين أيضًا، ونفذت عملية إنزال جوي في منطقة يكلا، وقتلت عبد الرؤوف الذهب، أحد قيادات التنظيم، وكانت آخر العمليات الأمريكية في المحافظة عام 2019 التي قتلت خمسة من عناصر «القاعدة»، ومن هنا يأتي اتهام «الحوثي» للعملية العسكرية الحالية بأنها ما هي إلا لدعم عودة «القاعدة».

معركة البيضاء.. «تحرير أم تحريك»
انطلقت الجمعة الماضية في الثاني من يوليو (تمّوز) معركة السيطرة على محافظة البيضاء الخاضعة لسيطرة جماعة «الحوثي»، فقد أعلنت الحكومة الشرعية انطلاق المعركة تحت اسم «النجم الثاقب»؛ حيث تدور المعارك على أربع جبهات، وهي: مديريات الزاهر، والصومعة، وناطع، وذي ناعم، لتكون السيطرة على عدد من المناطق، وباتت تبعد عن مدينة البيضاء ستة كيلومترات فقط، وسط تراجع الحوثي مع خسائر كبيرة في العتاد والأرواح في صفوف الطرفين، بينما تدور معارك كر وفر على عدد من الجبهات.

وعلى ضوء هذه المعارك بات السؤال المطروح الآن: هل هذه المعركة حقًا معركة «تحرير» أم هي من أجل تحريك الأوراق للضغط على جماعة «الحوثي» للقبول بالتفاوض؟ ولماذا تم اختيار البيضاء، بينما كان من الممكن دعم جبهات مأرب، وتعز، أو غيرها من الجبهات الساخنة الكفيلة بالضغط على الجماعة، خاصة أنها أتت عقب فشل الوساطة العُمانية في الحصول على أي تنازل من قبل الجماعة في صنعاء؟

ويُطرح التساؤل حقًا عن السبب وراء دخول قوات «الساحل الغربي» التابعة لقيادة طارق صالح، نجل شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وأيضًا قوات «العمالقة» السلفية المدعومة من الإمارات في معركة البيضاء، وهما القوتان اللتان لم تشاركا في معارك تعز أو مأرب بشكل فعال فيما سبق؟ ولماذا أيضًا لم يشارك الطيران السعودي في معارك تعز مؤخرًا، بالرغم من مشاركته بقوة في معركة البيضاء الآن؟

يقول الصحافي اليمني المستقل شادي ياسين: إن «مشاركة قوات الساحل الغربي وقوات العمالقة مرتبط بقرار التحالف، وهي في اعتقادي ورقة ضغط على الحوثيين لإجبارهم على قبول التفاهمات الأخيرة، ونتائج لقاءات الأمم المتحدة، والمبعوث الأمريكي إلى اليمن».

ووجَّه ياسين في حديثه لـ«ساسة بوست» اتهامًا بأن «التحالف ساهم في تشتيت القوات التي تقاتل الحوثيين، وبالنسبة له فإنه يتعامل مع تعز ومأرب كمربع خارج سياق معركته المركزية في اليمن، خصوصًا أن مأرب تعد معقل الحكومة اليمنية شمال البلاد، بينما تعز تحكمها السلطة المحلية، ومحور تعز العسكري مساحة لا تقارن بمساحة المحافظة التي يسيطر عليها الحوثيون، ويفرضون حصارهم عليها».

وتجدر الإشارة إلى التضارب في المصالح على الضفة الأخرى المقابلة للحوثي؛ إذ إن هناك قوات «الحكومة الشرعية» التابعة للرئيس اليمني هادي، وحزب «التجمع اليمني للإصلاح» الإسلامي، الذي يوجد على جبهات مأرب، وتعز، والجوف، وأيضًا المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسيطر على معظم اليمن الجنوبي، وقوات «طارق والعمالقة» الموجودة في الساحل الغربي، والمدعومة من الإمارات، وهذه الأطراف جميعها لم تتفق أبدًا في أي من الملفات الساخنة بينها؛ إذ من المستبعد أن تقوم القوات المدعومة من الإمارات بدعم جبهات مأرب وتعز التي تخضع لسيطرة الحكومة والإصلاح، والعكس بالعكس؛ لذلك كانت محافظة البيضاء هي الخيار الأفضل للضغط على «الحوثي».

ويرى ياسين أن «قرار تحرير البلاد، وكذلك دعم جبهات تعز، ومأرب، والجوف، مرتبط بقرار سياسي يتحمله الرئيس عبد ربه منصور هادي، وحكومته بأحزابها السياسية، وصراعاتها، ومكاسبها البائسة التي تتمسك بها، وكذلك التحالف الذي ساهم في دعم تشكيلات مسلحة خارج سياق الدولة، والمجتمع الدولي، الذي اتخذها سوقًا لبيع الأسلحة، ومسارًا للمساومات في التعامل مع إيران».

ويضيف «ما يحدث الآن تتحمله قيادة التحالف والشرعية، إذ إن معظم العمليات العسكرية التي أُعلنت لتحرير مناطق أو مدن من سيطرة الحوثيين كان لها مساران – وفقًا لمعطيات الواقع – إما لتحقيق هدف محدود على الأرض، أو إيقاف محاولات الحوثيين في كسب أوراق خلال المفاوضات السياسية، وهو الأمر المرتبط بالرؤية السياسية التي قزمت أهداف معركة استعادة الدولة في اليمن، وتحوّلت إلى محاولات لإجبار الحوثيين على الجلوس على طاولة المفاوضات».

وما يؤكد أن هذه المعركة هي معركة تحريك هو ما أشار له السياسي «علي البخيتي» الناطق السابق لجماعة «الحوثي»، الذي انشق عنها عام 2016، والذي قال: «لو تحركت الجبهات في تعز، ومأرب، والجوف، والساحل حاليًا، وبإمكاناتهم الذاتية، لتشتت شمل الحوثيين، ولما تمكنوا من تركيز جهودهم على استعادة ما خسروه في البيضاء، يجب تحريك الجبهات الآن».

وهذا ما ذهب إليه أيضًا الصحافي اليمني شادي ياسين بقوله: إنه «خلال الأشهر الماضية دفع الحوثيون بمعظم ترسانتهم البشرية والعسكرية إلى أطراف محافظة مأرب، وهذا أسهم في تشتيت قدرتهم على القتال، حيث سحبوا كثيرا من قواتهم من البيضاء، وتعز، والجوف، وهي فرص فوتتها الشرعية والتحالف في تحرير مناطق ومدن جديدة في البلاد».

ويعتقد ياسين أن «الأجندات السياسية المحلية، والإقليمية، والدولية أحالت أهداف اليمنيين في استعادة الدولة إلى سراب، وكل ما حدث هو تأسيس لاستدامة طويلة من الصراع والحرب». وهنا لا بد عن الإشارة إلى أن غالبية الجبهات في مأرب، وتعز، والجوف، والساحل الغربي تشهد هدوءًا نسبيًا، بينما كان من المتوقع اشتعال جميع الجبهات إلى جانب معارك البيضاء، كي تشعر جماعة «الحوثي» بالضغط الحقيقي الذي يجبرها على التنازل، ووقف إطلاق النار، وهو ما يرجح أن الهدف من المعركة هو كسب أوراق للضغط على «الحوثي»، والسؤال هنا: هل سينجحون في ذلك؟

وفي المقابل – وفي ظل معارك البيضاء – دعت السفارة الأمريكية في اليمن «الحوثي» إلى القبول بوقف إطلاق النار، والدخول في المفاوضات فورًا، وذلك بالتوازي مع إعلان الخارجية الأمريكية استئناف تدريب القوات المسلحة اليمنية في مجال «مكافحة الإرهاب»، والتهريب غير المشروع، وضمان حرية الملاحة عبر مضيق باب المندب، وزيادة قدرة اليمن على مواجهة النشاط الإيراني.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى