البقاء للأقوى

> لقد خلق الله الإنسان، ونفخ فيه من روحه، وجعله أشرف المخلوقات وميّزه عن سائر الكائنات، إنه فريد من نوعه، وقد وهب له قوة عظيمة على الرغم من صغر حجمه، إذا ما قارناه بالكون العظيم من حوله، "وتحسب أنك جرمٌ صغيرٌ وفيك انطوى عالمٌ أكبرُ".

تخيَّل هذه القوة كم هي عظيمة ومتشعبة؟ ومنها قوة الإنسان الجسدية، والتي لها أثر عظيم جدًا في حياته، يؤدي بها مهامه، ويحقق أهدافه بشكل جيد، ولكن هذه القوة ما هي إلا جزء بسيط من عدة أجزاء غير متناهية تشكل قوة الإنسان الحقيقية، التي بها يُصلح الحياة ويُعمِّر العالم، غير أن قوة الإنسان الحقيقية تكمن في عظمة قواه الروحانية، وعمق إيمانه، وفي قدرته على إيجاد هدف خيرّ للجميع في هذه الحياة متسمًا بالعطاء.

وبتوضيح هذه الرؤية نجد أن مقولة "البقاء للأقوى" صحيحة جدًا، وليست مرتبطة بعالم الغابات التي يفترس فيها القوي الضعيف، فكل إنسان في الوجود قويّ بلا منازع، عليه أن يُدرب قواه الإنسانية والروحانية كما يدرب عضلاته الجسمانية، فكما ذكرنا أن قوة الإنسان غير محدودة، لا يمكن حصرها في حالة أو شكل أو مضمون معين.

ويتضح معنى "القوة" حينما نقارنها بـ "البقاء" وبمفهومنا العميق للحياة، وإن "الإنسان حيّ في الدارين"، وعظمة "روحه التي لا تفنى". لذا عليه أن يسخر قواه وملكاته ومواهبه لخدمة العالم، فيثبت في الوجود أحقيته في البقاء، فمن يستطيع الالتفات إلى معجزة الله فيه، سيستثمر هذه القوة الهائلة التي يمتلكها لبث النور والأمل في الحياة من حوله، ويتفاعل بصورة إيجابية مع كل من يصادفه في الطريق، فلا يقنع "بإظهار الود قولًا فقط"، بل سيدع "قلبه يشتعل حبًا ومودة" للجميع، فالحب هو من أقوى عناصر القوة الذاتية على الإطلاق، على الإنسان توجيه تلك القوة "أي الحب" نحو تحقيق الهدف دون ملل أو كلل.

فالإنسان يبقى بأعماله "الطيبة الطاهرة" وأقواله "الراضية المرضية" وسيرته الجميلة، وذكرياته العطرة التي يسطرها على صفحات الأيام. فيثبت بالعمل الطيب والخدمة المتفانية إن "البقاء للأقوى".

وفي النهاية، فإن قوة الدول وبقائها يجب قياسها بنفس الطريقة، فما الدولة سوى "مجموعة عائلات مكونة من أفراد"، ولكن بروح وطن يضم بين أحضانه جسد الوحدة الجماعية، وتحيطهم مناخًا متنوعًا خَلقيًا وخُلقيًا، باختلاف الأرواح والنوايا والأهداف. فتصبح الدول الأقوى هي التي تركز أكثر على تقدمها وانفتاحها وإبداعها وتسهيلها لمصالح العباد، واستيعابها غير المشروط للتنوع والاختلاف الذي حبانا به الخالق عز وجل، وتضمن بقائها بجذب قلوب سكانها ومهارتهم ومواهبهم المختلفة، والاستفادة من عقول أبنائها وقدراتهم اللامحدودة، واهتمامها الدؤوب بإعطائهم أجرهم قبل أن يجف عرقهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى