خذوا من النظرية ولو قليلا..فالاقتصاد لا يدار على عواهنه

> توطئة
تعد مسألة اختيار نظام الصرف الملائم في اقتصاد دولة ما في مرحلة ما، وإدارة التقلبات في أسعار الصرف للعملة المحلية تجاه العملات الأجنبية في سوق الصرف من المسائل الاقتصادية الأكثر تعقيداً، لكون ما يتحكم بذلك أو يقرره عدد واسع من المتغيرات الداخلية والخارجية، وأيضاً مستوى كفاءة السوق ودرجة انضباطية، فالسوق المنفلت عن عقاله لا يمكن أن يكون مكاناً لتوازن العرض والطلب على الإطلاق.

من هنا نستطيع القول، إن التقديرات الخاطئة في اختيار نظام الصرف الأجنبي في دولة ما، لا يكون مستجيباً للسياسة الاقتصادية العامة في هذه الدولة، ولا للبيئة ذات الارتباط الوثيق بسعر الصرف، قد تكون سبباً في خلق عدم الاستقرار، بل تراجع أداء مؤشرات الاقتصاد الحقيقي.

ويشير التاريخ النقدي الحديث، وتحديداً منذ انهيار قاعدة الصرف بالذهب (مع اتفاقية بريتون - وودز)، إلى أن التجارب القطرية أخذت تنوع نظم الصرف المتبعة لديها، فلم يعد نظام سعر الصرف الثابت هو الشائع، لكن ظهرت نظم صرف جديدة تقع بين النظم التي تتصف بالثبات وتلك التي تتصف بالمرونة، وتصنف تلك الأنواع ضمن 3 ترتيبات، هي:

أولاً - الترتيبات الثابتة، ومنها:

1 - اتحادات العملة.

2 - أسعار الصرف الثابتة.

ثانياً - الترتيبات الوسيطة.

وهي التي تجمع بين الربط ودرجة معينة من المرونة، ومنها:

1 - الربط القابل للتعديل.

2 - الربط المتحرك (الزاحف).

3 - الربط بسلة عملات.

ثالثاً - الترتيبات المعومة، ومنها:

1 - التعويم المدار (الموجه).

2 - التعويم الحر (المطلق).

ما هو نظام الصرف الأفضل والأصلح؟

تؤكد التجارب العالمية أن ترجيح أفضلية نظام الصرف المختار يعود إلى نوع ومصادر الصدمات المتوقعة في الاقتصادات المختلفة التي تتمتع أسواقها بكفاءة عالية.

ففي الاقتصادات المفتوحة التي اكتسبت تقاليد في تحرير حركة رؤوس الأموال، يرجح اختيار أحد نظم الصرف المرنة، حيث إنه يوفر حماية من الصدمات الحقيقية، مثل التغير في الطلب على الصادرات أو في تحسين معدلات التبادل التجاري، في حين يرجح اختيار أحد نظم الصرف المربوطة أو التي تتصف بالثبات في حالة الصدمات غير الحقيقية (النقدية) مثل حدوث تغيير في الطلب على النقود.

وتعتبر مسألة اختيار نظام الصرف الملائم في الظروف الاقتصادية الطبيعية لأي دولة، من المسائل المعقدة التي يفترض أن تراعى عند اتخاذ القرار بشأنها، مجموعة من الاعتبارات والمؤشرات الخاصة بهذه الدولة، ومنها:

1 - مستوى تحرير النظام المالي والنقدي.

2 - كفاءة أداء الجهاز الإنتاجي وتنوع صادرات الدولة.

3 - تاريخ التضخم في اقتصاد الدولة.

4 - مستوى انضباط السوق ودرجة كفاءته في توزيع الموارد وإعادته.

بيد أنه يجب أن ندرك أن الانتقال نحو مرونة سعر الصرف مرهون بتوافر بيئة حافزة لا مثبطة، ومن عناصرها الآتي:

1 - سوق للنقد الاجنبي يتسم بالعمق والسيولة.

2 - سياسات متماسكة تحكم تدخل البنك المركزي في سوق النقد .

3 - سياسات دفاعية للبنك المركزي تزيل حالات الهلع في سوق الصرف، وحالات عدم اليقين بمآلات سعر الصرف وتتصدى في حينه للإشاعات باتباع أسلوب الشفافية وخلق الطمأنينة لدى المتعاملين في سوق الصرف.

يبقى هناك سؤال في خاتمة المقال: لماذا التمسك باتباع نظام الصرف الحر طالما فشل النظام فشلاً ذريعاً في خلق توازن بين قوى العرض والطلب في سوق الصرف للنقد الأجنبي؟
في الأخير.. أود أن أقول إنني أتوقع أن ينبري البعض بوصف ما قلته على أنه كلام نظري لن يفيدنا الآن، وأقول لهؤلاء كفى استخفافاً بالنظرية، فالاقتصاد لا يدار على عواهن الكلام، بل يدار وفق أسس نظرية استخلصتها تجارب إنسانيه، ثم بعد الاستئناس بها تأتي مسألة الإرادة السياسية والإدارة الرشيدة.
أما دون ذلك، فعليه العوض ومنه العوض.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى