​اتفاق لفك الخناق عن الحديدة أم فخ لإحلال الحوثي؟

> تقرير/ ذويزن مخشف

>
  • الأمم المتحدة سهلت للحوثي احتلال مناطق جديدة في الحديدة
  • المنطقة الآمنة أصبحت تحت سيطرة الحوثيين
> لم ينهِ المبعوث الأممي هانس جروندبرج زيارته إلى المخا حتى بدأت القوات المشتركة التابعة للتحالف العربي، تضم تشكيلات مختلفة أبرزها العمالقة الجنوبية، عملية انسحاب جزئي من مواقعها القتالية المتقدمة في مدينة الحديدة، فيما بدا أنها خطوة لإحياء اتفاق "ستوكهولم" المتعثر منذ توقيعه قبل أكثر من ثلاث سنوات.

وبمجرد انسحاب قوات العمالقة بحسب الاتفاق لتوفير مساحة خضراء لفك الحصار عن الحديدة سارع الحوثيين للاستحواذ على تلك المناطق في مخالفة للاتفاق بحسب ما أفاد اطراف في الشرعية.
ومساء الأربعاء والخميس وأمس الجمعة، انسحبت قوة كبيرة من ألوية العمالقة الجنوبية، من جميع مواقعها على خط النار في مدينة الحديدة المطلة على البحر الأحمر، وعادت بعتادها إلى العاصمة عدن ضمن ما أكدته قيادات عسكرية ومسؤولون أنها عملية "في إطار استكمال تنفيذ اتفاق ستوكهولم"، ووقعت الحكومة والحوثيون الاتفاق برعاية أممية في 13 ديسمبر عام 2018، حيث تمخض الاتفاق عن "وقف كامل لإطلاق النار وانسحاب عسكري لكافة الأطراف من محافظة الحديدة. وتضمن الاتفاق إشراف قوى محلية على النظام في المدينة، لتبقى الحديدة ممرا آمنا للمساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى انسحاب الحوثيين من المدينة والميناء خلال 14 يوما، وإزالة أي عوائق أو عقبات تحول دون قيام المؤسسات المحلية بأداء وظائفها".

وفي تفاصيل عملية الانسحاب قالت المصادر العسكرية والمسؤولون "إن قوات ألوية العمالقة غادرت ليلة الأربعاء وصباح الخميس وصباح الجمعة، مواقعها في منطقة كيلو 16 ومجمع إخوان ثابت ومطار الحديدة في مديرية الحوك، ومواقعهم شرقي مديرية الدريهمي".
وتم الانسحاب وسط تحركات سياسية ودبلوماسية مكثفة، وقالت المصادر أن الخطوة تأتي "بناء على توجيهات من قيادة التحالف العربي بتسليم جميع مواقعهم لقوات المقاومة الوطنية (حراس الجمهورية) التي يقودها العميد طارق صالح نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، وكتائب ألوية المقاومة التهامية".

وعلى نطاق واسع، تبدو عملية الانسحاب قد استندت إلى تفاهمات توصل لها المبعوث الأممي وطارق صالح خلال اجتماعهما نهار الأربعاء الماضي في مدينة المخا، التي يتخذها الأخير مقر عملياته وقاعدة تمركز قواته المشتركة. إلا أن هذا الإجراء لم يعلن بصفة رسمية برغم إفصاح المصادر عن تأكيد أن الانسحاب تم بناء على اتفاق أممي يقضي بانسحاب القوات المشتركة من عدة مناطق في الحديدة، بل وستنسحب من أطراف مدينة الحديدة بالكامل، ومديرية الدريهمي ومدينة الصالح".

وتردد أن الانسحاب العسكري لقوات العمالقة من الحديدة "تنفيذا لطلب قيادة التحالف العربي بقيادة السعودية، بإعادة تموضع ونقل القوات من الساحل الغربي إلى محافظات جنوبية وليس انسحابا غير مدروس كما يحاول الآخرون تصوير ذلك".
ومساء الخميس أعيد نشر بعض القوات المنسحبة في مناطق التماس مع الحوثيين.

وتؤكد المصادر أن القوات المشتركة ستعيد تموضعها في مدينة الخوخة وفقا لـ "اتفاق أشرف عليه المبعوث الأممي الجديد".
وشددت المصادر على إنه ما من "اتفاق جديد بين الحوثيين والقوات الموجودة بالساحل الغربي".

إلا أن محللين ومراقبين عسكريين رأوا أن المبعوث الأممي جروندبرع شرع في استكمال تنفيذ الاتفاق السابق الذي يقضي بإعادة تموضع قوات الطرفين، وهو أمر بدأ بالفعل قبل نحو شهرين من الآن.
وأشارت المصادر إلى أن عملية الانسحاب هي ضمن خطة توفير "مساحات خضراء" لا يسيطر عليها أحد لفك الخناق على المدينة وإزالة الألغام وفتح طريق كيلو 16 المقطوع منذ عام 2018،.

وخلصت زيارة المبعوث الأممي إلى المخا إلى بدء تنفيذ هذا الشق حسب المصادر وفور مغادرته المدينة الأربعاء.
لكن الملفت أن الانسحاب نفذه طرف واحد فيما الطرف الثاني (الحوثيون) سارع إلى السيطرة على المواقع التي أخلتها قوات العمالقة، مما يشير إلى عدم التزام الحوثيين بتعهداتهم السابقة والحديثة مع المبعوث الأممي الجديد جروندبرج التي تمت بوساطة عمانية حسب ما كشفته المصادر.

وقال سكان إن مقاتلي الحوثي انتشروا منذ ساعات صباح أمس الجمعة في مدينة التحيتا جنوب محافظة الحديدة بعد عملية انسحاب قوات اللواءين الثامن والتاسع عمالقة جنوبية منها.
وأوضح السكان إن الحوثيين فور سيطرتهم على المدينة قاموا بعمليات اعتقالات واسعة للمواطنين المناهضين لهم.

ونزحت عشرات الأسر من المدينة باتجاه مدينة الخوخة. كما انسحبت القوات المشتركة من الدريهمي المدينة التي شهدت قتالا داميا خلال الأشهر الماضية.
وكتب محافظ الحديدة المعين من الحوثيين محمد عياش على تويتر "اهلا وسهلا بزوارنا الأعزاء، الحديدة ترحب بكم من بوابتها الرئيسية كيلو16". وهو طريق رئيسي كانت قوات العمالقة اغلقته منذ 2018.

وقال المحلل العسكري مدين محمد مقباس إن عملية الانسحاب تبدو أول ثمار الجهود التي بذلها ويبذلها المبعوث الأممي هانز جروندبرج، التي ضاعفت دعمها جهود المبعوث الأمريكي تيم ليندركينج وسفراء الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي، وكذا الاتحاد الأوربي، موضحا أن تلك الجهود الدولية "تؤكد جميعها على عزم وإصرار المجتمع الدولي على إحداث تقدم في كل المسارات للدفع بالأطراف اليمنية للانخراط في مفاوضات تسوية شاملة لوقف الحرب وإحلال السلام في اليمن".

ويشير مقباس إلى معطيات سبقت خطوة الانسحاب فقال: "إن زيارة المبعوث الأممي إلى تعز والمخا استبقت اجتماع مجلس الأمن الدولي بأيام، وتزامنت مع حراك سياسي محلي للأطراف اليمنية ومساع لإعادة خارطة التحالفات السياسية بين الأطراف المنضوية في إطار الشرعية اليمنية. جميع هذه التحركات مجتمعة هي مؤشر واضح وإيجابي على التحرك الميداني للمبعوث الأممي الهادف إلى وقف الحرب وإحراز تقدم في حلحلة وإزالة التعقيدات في الجانب الإنساني والسياسي والاقتصادي لرفع المعاناة الإنسانية للشعب اليمني، خصوصا بعد أن تعالت الأصوات المحذرة من انزلاق اليمن إلى هاوية المجاعة وخروج الوضع عن السيطرة".

وأضاف: "من هنا لا يستبعد أن هناك خطوات لتلافي الوضع ومنع انزلاقه إلى الأسوأ، وترتيبات يتم الإعداد لتحقيق هذه الأهداف، ومنها إيجاد مناطق آمنة، أو منطقة خضراء بين الأطراف المتحاربة في الساحل الغربي والحديدة، يمكن من خلالها خلق ظروف ملائمة تساعد على استدامة أي هدنة يتم الاتفاق حولها لتأمين وصول المساعدات الإنسانية وتسهم في رفع المعاناة الإنسانية على المواطن".

ويؤكد مقباس أن إيجاد مناطق آمنة هو موضوع قديم، وأكدت عليه المبادرات الأممية والمشاورات السابقة باعتبارها ذات جدوى في نزع التوتر وخفض التصعيد العسكري بين أطراف الصراع، مشيرا إلى تجارب مماثلة شهدتها مناطق النزاعات المسلحة في العالم، وكانت ناجحة، الأمر الذي يمكن تشجيع الأطراف اليمنية والدولية والإقليمية على الاستلهام والاستفادة منها وفي نفس الوقت لا يستبعد أن تلحقها خطوات نشر قوات حفظ السلام إذا استدعى الوضع.

ورغم الدوافع الإنسانية التي تجعل اليمنيين متفائلين بهذه المؤشرات التي بدت بأن هناك ترتيبات دولية يتم الإعداد لها خلف الكواليس على ضوء تفاهمات مع الأطراف اليمنية، والآمال المعقودة عليها لرفع المعاناة الإنسانية على الشعب اليمني، إلا أن مراقبين اعتبروا أن الأمم المتحدة قامت بحيلة، واستدرجت القوات المشتركة للانسحاب وسلمت الحوثيين المواقع التي خسروها قبل 3 سنوات، وكانت قوات العمالقة قاب قوسين من تحرير مدينة وميناء الحديدة من أياديهم.

ولم يعطِ المحلل السياسي ماجد المذحجي، المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، أهمية لتقارير الانسحاب العسكري للقوات المشتركة من ضواحيه مدينة الحديدة معتبرا أن تلك الأنباء "لا تحمل في طياتها أي تحول جوهري في مسار الأزمة اليمنية في غياب انفراجة سياسية حقيقة أو تقدم عسكري جذري لجعل الأوضاع تتحرك بشكل متسارع".

ونقلت صحيفة العرب الصادرة في لندن أمس الجمعة عن المذحجي قوله: "الانسحابات يبدو أنها إعادة تموضع وترتيبات عسكرية مع خفض الحضور العسكري وتراجع الاحتياج إلى تلك القوات، كما أنها قد تكون رسائل طمأنة بأن السعودية يمكن أن تنسحب بطريقة إيجابية، لكن الواقع حتى الآن هو أنه لا توجد انسحابات فعلية".

لكن المذحجي ذهب إلى اعتبار انسحاب القوات الجنوبية في إطار إدراكها للتحديات التي يشكلها الحوثي في مناطق أخرى، وخصوصا في شبوة وأبين، حيث تبرز هناك "تهديدات حوثية ملحة. لكن لا أظن أن الأمر انسحاب كلي، خصوصا أن هناك تفاهمات تقضي بعدم وجود فراغ في أي أماكن يتم الانسحاب منها".
ووصف المذحجي زيارات المبعوث الأممي إلى عدن وتعز بأنها "جزء من رغبة في منح زخم سياسي داعم للأطراف المناوئة للحوثيين في ظل التصعيد العسكري الحوثي".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى