القضاء في الجنوب بين ماضِيهِ المُشرِف وحاضِرهِ المتردي

>
  • بمناسبة الذكرى (43) لتأسيس المحكمة العليا..
طلت علينا الذكرى (43) أمس السابع والعشرين من ديسمبر 2021 يوم تأسيس المحكمة العليا وتوحيد القضاء في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لأول مرةٍ في تاريخ الجنوب بعد نيل الاستقلال الوطني عن الاستعمار البريطاني في الثلاثين من نوفمبر 1967. وقبل تأسيس المحكمة العليا تم الاستغناء عن القضاة السودانيين الذين استعانت بهم حكومة الاستقلال كقضاة في محاكم محافظة عدن لسد النقص الذي تركهُ رحيل القضاة الإنجليز.

ففي تاريخ 27 ديسمبر عام 1978م شُكِلت المحكمة العليا لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بقرار مجلس الشعب الأعلى لأول مرة في تاريخ الوطن من القضاة التالية أسماؤهم:

1 - نجيب عبدالرحمن شميري-رحمه الله - رئيسًا للمحكمة العليا.

2 - أحمد عمر بامطرف/ نائبًا لرئيس المحكمة العليا.

3 - علي حسين أبوبكر/ رحمه الله عضوًا.

4 - رئيس القضاء العسكري في وزارة الداخلية عضوًا.

5 - رئيس القضاء العسكري في وزارة الدفاع عضوًا.

كما تم في اليوم نفسه من قبل مجلس الشعب الأعلى تعيين نائب عام للجمهورية وهو الأخ القاضي طه علي صالح أطال الله في عمره.

وابتداءً من مطلع يناير عام 1979 باشرت المحكمة العليا للجمهورية والنيابة العامة عملهما على مستوى الجمهورية. وبعد تشكيل المحكمة العليا للجمهورية ومقرها العاصمة عدن قمنا بإنشاء وتشكيل المحاكم الاستئنافية والابتدائية والنيابات العامة في عموم محافظات الجمهورية وبذلك استكملنا المهمة الوطنية العظيمة بتأسيس وتوحيد السلطة القضائية في عموم الجمهورية. وفي السنوات اللاحقة عملنا على توسيع هيئة المحكمة العليا والنيابة العامة برفدهما بعددٍ من القضاة المؤهلين. وعلى الرغم من الظروف بالغة الصعوبة والتعقيدات التي كانت تمر بها البلاد وشحة الإمكانيات آنذاك بسبب ما كانت تعانيه الجمهورية الوليدة من انعدام مصادر الثروة الوطنية ونقصٍ في الموارد المالية وما كان يتعرض له النظام السياسي الذي كان قائمًا آنذاك من تآمراتٍ خارجية، إلا أننا قمنا بتأسيس مداميك قضاء قوي ونزيه وعادل ومستقل عمل بِكُلِ تفانٍ وإخلاص على ترسيخ العدل في المجتمع والقضاء على الظواهر الإجرامية وبسط الأمن والأمان في البلاد، والطمأنينة في نفوس الناس ونشر الوعي القانوني في المجتمع وتثبيت سيادة القانون في عموم جمهورية اليمن - الجنوبية - الديمقراطية، وقد تحقق كل ذلك بفضل الجهود المتفانية المخلصة التي بذلتها هيئة المحكمة العليا والكوادر القضائية في المحاكم الاستئنافية والابتدائية والنيابات العامة والكوادر القانونية في مختلف ومؤسسات وأجهزة الدولة.

واليوم نستحضر هذه الذكرى الوطنية العزيزة على قلوبنا وقلوب جماهير شعبنا في الجنوب ونستعرض بكل فخرٍ واعتزاز المنجزات العظيمة التي حققناها في إطار البناء المؤسسي والتنظيمي للسلطة القضائية بينما الألم والحسرة يعصران قلوبنا وقلوب الملايين من جماهير الشعب على ما آل إليه القضاء في الجنوب من أوضاع مزرية وتردي مخيف، فمجلس القضاء الأعلى والمحكمة العليا للجمهورية ومكتب النائب العام للجمهورية ووزارة العدل، هذه الهيئات العليا للسلطة القضائية ووزارة العدل وهي الجهاز التنفيذي المساعد للسلطة القضائية جميعها مُغلقةٌ أبوابها ولم تمارس أعمالها منذ ما يقرب من عامٍ مضى، كما أن المحاكم الاستئنافية والابتدائية والنيابات العامة في عموم الجنوب - باستثناء مديرية سيئون في وادي حضرموت - كانت مُغلقةً هي الأخرى قرابة ستة أشهر ثم باشرت المحاكم الاستئنافية والابتدائية والنيابات العامة أعمالها يومين من كل أسبوع، وذلك بموجب قرار صدر من نادي القضاة الجنوبيين كرد فِعلٍ منه على صدور قرار تعيين نائب عام للجمهورية من المؤسسة الأمنية من خارج إطار السلطة القضائية صدر بمخالفة الدستور والقانون وشكّل خرقًا لاستقلال القضاء، ولم يفلح مجلس القضاء الأعلى في التوصل إلى حلول لهذه الأزمة التي تفاقمت وأدت بنادي القضاة للمطالبة ليس بإلغاء قرار تعيين النائب العام فحسب؛ بل أيضًا بالمطالبة بإعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى وهو مالم تستجب له حتى الآن لا القيادة السياسية ولا الحكومة وكأن هذا الوضع المزري لا يعنيهما في شيء، بالإضافةِ إلى ما يعانيه القضاء من داخله من فسادٍ واختلالات مما أدى إلى إضعاف السلطة القضائية وفقدانها استقلاليتها، وبسبب كل ذلك أصبح القضاء هزيلًا فاقدًا للهيبة ضعيفًا وعاجزًا عن القيام بمهامه ونشر العدل وتثبيت سيادة القانون وما نتج عن ذلك من انعكاسات خطيرة على الأوضاع العامة في البلاد فازدادت تفشيًا جرائم الفساد ونهب الأموال العامة وتدهور الوضع الاقتصادي وما يجري التخطيط له وتنفيذه من أزماتٍ مفتعلة وتردي الخدمات في حياة الناس وظواهر إجرامية مخلة بالأمن والأمان وما لحق بالمواطنين من أضرار بسبب توقف النظر في قضاياهم في أجهزة القضاء.

وتكمن الحلول في انتشال السلطة القضائية من أوضاعها المزرية وتمكينها من القيام بمهامها الدستورية والقانونية بأن ترفع جميع الأطراف يدها وتكف عن التدخل في شؤون السلطة القضائية وتلتزم باستقلالها، وأن يتم العدول عن أية قرارات أو إجراءات مخالفةً للدستور والقانون أصدرتها السلطة التنفيذية وشكلت خرقًا لاستقلال القضاء، كما يتوجب إجراء إصلاح قضائي عاجل يستهدف تقييم أعمال الهيئات القيادية في السلطة القضائية وإعادة النظر في تشكيلاتها وشخوصها والالتزام بمبدأ التدوير الوظيفي في الوظيفة العامة الذي أقره مؤتمر الحوار الوطني في مخرجاته والتقيد الصارم بمعايير الكفاءة والنزاهة والخِبرة في التعيينات والابتعاد عن المعايير الضيقة المتمثلة في الولاءات المناطقية والحزبية والمحسوبية وذلك من أجل إعادة بناء قضاء قوي ومستقل وعادل ونزيه على أسس دستورية وقانونية سليمة، والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

* رئيس المحكمة العليا سابقًا

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى