إسرائيل على حدود إيران

> فاطمة ياسين

> ​تُظهر إيران عداءً نحو إسرائيل منذ نهاية الحرب العراقية - الإيرانية، وتعبّر عنه إعلامياً بصورة متصاعدة، أو متخامدة، بحسب مستوى التشدّد الذي يُعلن عنه بعد كلّ انتخابات رئاسية، فقد كانت تصريحات الرئيس الأسبق، محمود أحمدي نجاد، نارية الطابع، وصلت إلى درجة قال فيها إنّه يريد أن يمحو إسرائيل من الخريطة، فيما كانت تصريحات كلّ من سابقيه، محمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني، أقلّ حدّة، على الرغم من احتوائها على ما يفيد العداء بين البلدين.
لكنّ العلاقات عبر التاريخ حتى نهاية الثمانينيات شهدت وجوها من التعاون وتبادل المنافع. وما إن أُعلن عن انتصار الثورة الإيرانية وتسلم روح الله الخميني مقاليد السلطة الروحية والسياسية في إيران، حتى انقلب الخطاب السياسي تجاه إسرائيل التي كانت تتمتع بعلاقات مثالية مع حكومة الشاه محمد رضا بهلوي، بدأت منذ لحظة تمكّنه من كرسي الحكم، حين نجحت بريطانيا، ومن خلفها الولايات المتحدة، في إزاحة رئيس الوزراء الإيراني، محمد مصدق، الذي تبنّى سياسات شعبية، منها تأميم النفط، فارتفعت أسهمه، حتى استطاع نزع كثير من صلاحيات الشاه نفسه. لكنّ الأخير استعاد كامل صلاحياته بعد خلع مصدق، وكان ذلك التاريخ بداية تعاون وثيق بين إسرائيل وحكومة الشاه، ولعلّ إسرائيل تدخلت، بشكل ما، مع الولايات المتحدة وبريطانيا لخلع مصدق.

لم يعترف شاه إيران رسمياً بعلاقاته مع إسرائيل، لكنّه حافظ على أرفع تعاونٍ معها، واحتفظ كلّ بلد ببعثةٍ في البلد الآخر، ولم يكن لدى إسرائيل مشكلة بهذا التعاون، ولم تلحّ على إعلان العلاقة، خصوصاً أنّ إيران من البلدان الإسلامية الكبيرة، وكانت قد صوّتت ضد قيام دولة إسرائيل في الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1947، لكنّ التقاء مصالح الطرفين وقتذاك في التصدّي للمدّ الناصري الذي اجتاح المنطقة، ووقف الزحف الشيوعي، قد قاد كلّاً من الدولتين للتعاون الوثيق.

على الرغم من إعلان الخميني بعد الثورة أنّ إسرائيل هي الشيطان الأصغر، فإنّ نوعاً من العلاقات السرية ظلّ قائماً بين البلدين إلى ما بعد بداية الحرب العراقية - الإيرانية، وتركز التعاون على تصدير الأسلحة الإسرائيلية والأميركية، ومن مصادر أخرى، إلى إيران بوساطة إسرائيلية.
ومن أشهر وجوه التعاون فضيحة "إيران كونترا" الشهيرة. واستخدمت إسرائيل مبدأ "التقية" في علاقاتها مع إيران، واستفادت مادياً وسياسياً من هذه العلاقة، وقد ظهر الدعم الإسرائيلي لإيران خلال حربها على العراق، بتوجيه ضربة عسكرية لمفاعل تموز النووي العراقي، حين قامت إسرائيل بقصفه وتدميره وهو في طور التكوين، وحافظت على الصمت حيال مفاعلٍ مشابهٍ كانت إيران تنشئه في ذلك الوقت، قبل أن يتغير كلّ شيء مرة واحدة بعد انتهاء الحرب، وخروج العراق من قائمة الدول القوية التي تهدّد إسرائيل، فاحتلت محلها إيران.
اعتبرت كلٌّ من إيران وإسرائيل أنّ العراق دولة تهديد، ومن دون اتفاق مكتوب تعاون نظاماهما وبصمت على إضعاف العراق، وفي الوقت نفسه، خرجت إيران، وهي تمتلك خبراتٍ عسكرية وطموحات في تطوير موقعها الجغرافي والسياسي في الإقليم، بوصفها أحد واجهاته.

سعت إيران إلى إنشاء نظام إقليمي تابع لها، ونجحت في إبقاء حزب الله مسلحاً في لبنان، على الرغم من انتهاء الحرب الأهلية. واستفادت، إلى أقصى حدّ، من الربيع العربي، فكونت مليشيات تابعة لها في كلّ من سورية واليمن، ما أشعر إسرائيل بالحرج، فبادرت هي الأخرى إلى محاولة الوقوف في وجه هذا التوسّع، وسعت إلى علاقاتٍ قويةٍ ومباشرةٍ مع بعض دول الخليج التي تشكل "الحليف" الطبيعي ضد إيران، ونجحت في ذلك. وقد ساعدت إيران على دفع تسلسل التطبيع العربي - الإسرائيلي، بتصعيد لهجتها وتعنت خطابها وسلوكها، حتى وصلت لحظة وجود الرئيس الإسرائيلي في أبوظبي، ووزير الدفاع في المنامة، في وقت متزامن، بما يوصل الرسالة أنّ إسرائيل قد أصبحت على التخوم الإيرانية، وهذا يعني أنّ فصلاً جديداً من التوتر الإقليمي قد بدأ للتو.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى