هم ونحن والنزوح والعنصرية كمثال

> عالقة في الأذهان مشاهد إخواننا السوريين وهم مُسَوّرون بالأسلاك الشائكة عند حدود دول أوروبا، فقد حُظر عليهم دخولها، وظلّ الصّقيع ينهش أجسادهم المنهكة وأطفالهم من طول التّرحال والجوع يطحنهم، والأكثر إيلاماً في نظراتهم الكسيرة النّائحة نحو من يطوقهم وهي تستصرخهم: (هل من مُغيث ؟)، لكن لا إجابات عدا النّظرات الباردة وربّما المتقزّزة من حراس الحدود هناك، هكذا استقبل متحضّرو أوروبا أشقاءنا السوريين بالأمس عند دمار بلادهم وخرابها.

اليوم تطحنني موجة الحزن وأنا أتابع أفواج النازحين الأوكرانيين ، وأكثر ما يشقٌ في نفسي مرأى الأطفال ببراءتهم وأجسادهم البضّة وهم يتكبّدون مشقة النزوح مع ذويهم، وكلٌ ذلك لأنّنا عاطفيون، وذاكراتنا سريعة النسيان كما يبدو، أو لأننا لا نميل إلى تأصيل ولو شيء من النّدية في دواخلنا تجاه الآخر أياً كان.

ألمحت بعض الفضائيات -سكاي نيوز عربية- عن الممارسات العنصرية بين جموع النازحين من أوكرانيا، فالأوكرانيين الأصل يلقون كل الحظوة والرعاية في الحدود، ووردت مُرتجلة من أحدهم عبارة أن الأوكرانيين مسيحيين وبيض ومثقفين، ومن قال إنهم أوروبيون هكذا يتفرّد التمييز العنصري المقرف بين هذا وذاك خلال هذه المحنة، مع أن الكل تطحنهم نفس المعاناة، والعرب والأفارقة، ومعظمهم طلاباً ، فقد وجدوا أنفسهم في خانة أخرى من المعاملة هناك، هذا أذاعته سكاي نيوز ضمن تقرير خبري لها مساء الثلاثاء 1 مارس الجاري.

كان الغربي عموما متميزاً بالاستعلاء على الآخر وسيظل، ونحن العرب والمسلمين نحظى بالقدر الأكبر من الدونية والتمييز في نظرهم، مع كل ذلك يستغرقنا الاستبساط ويمكن الخنوع للآخر الذي يزدرينا، أو الذي لا يتعاطى معنا ولو بقدر ضئيل من الندية.

لا أدري متى أو تحت أي ظرف سيتجرّد العربي والمسلم من دونيته التي يصبغها الآخر به، أو متى سيتحلّى بتوقير ذاته وإكبارها ويتعامل مع الآخر مثله؟ حتى حكامنا العرب بقصورهم الفارهة وهيلمانهم علينا، فهم يتمسّحون ويتذلّلون للغربي والآخر عموماّ، وفي اليونان رموا من أبناء جلدتنا المهاجرين غير الشرعيين في لجة البحر وماتوا منهم، وثمة من مات عند حدود دول أوربا متأثراً بالصقيع كما قرأت في صحيفة الأيام الغراء في الأيام المنصرمة.

مع رؤيتي بجدوى وجود قطب أو أقطاب أخرى الى جوار الشيطان الأكبر أمريكا، وبين دردشة بالواتس مع صديقي المصري والمثقف في القاهرة سألتهُ : كيف تُقيّم مايجري في أوكرانيا ؟ سريعاً ردّ عليّ: يغوروا في ستين داهية، وأردف: همّ دول أو دول هيفيدونا بحاجة؟ لا، كلهم هايخربوا بيت أبونا كعرب، كنت مقتنعاً تماما بمنطقه، وأدرك جيداً أن المسألة هي مسألة ثقافات ولا شكّ، أليس كذلك؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى