حبال الأزمات تشد خناقها على معيشة المواطن ولا تحرك حكومي

> عدن "الأيام" عبدالقادر باراس :

>
  • الانتقالي..نقطة تحول من المطالبة بوطن إلى المطالبة بـ"دبة غاز"
  • طوابير النساء والأطفال..امتهان للكرامة وانعكاس لرداءة مواصفات المسؤولين
  • مرتبات الموظفين تغيب ولا تأتي وتفقد قيمتها يوميا
  • السلطات تتجاهل الإصلاحات المقترحة وعلامات استفهام حول تجار السوق السوداء
بمجرد السير في إحدى الشوارع الرئيسة بالعاصمة عدن تستوقفك مشاهد لطوابير طويلة هي لسيارات متوقفة أمام محطات الوقود، أو لطوابير من الرجال والنساء وحتى الأطفال بحثًا مضنيًا عن الغاز والراتب في ظل استمرار مسلسل الأزمات المتكررة التي يعانيها المواطن اليمني في عموم البلاد.. معاناتهم تراها في وجوههم وهم يتكبدون العذاب متضرعين إلى الله العلي القدير أن تزول غمتهم ويتوقف مسلسل انهيار وتدهور معيشتهم بعد أن أصبحت هاجسًا مؤرقًا لحياتهم اليومية.


تلك المشاهد تتكرر يوميًا جراء استمرار تدهور الخدمات، والذي نتج عنه زيادة حدة الوضع الإنساني وفاقم من معاناتهم المعيشية بشكل كبير نتيجة استمرار انهيار العملة المحلية والارتفاعات المخيفة في أسعار المواد الغذائية، كل ذلك انعكس سلبًا على نفسية المواطن، ويلقى اللوم على فشل الحكومة المعترف بها دوليًا من تجار الحروب واستشراء الفساد، والذي قد يدفع بالبلد إلى حافة المجاعة، وظلت عاجزة حتى الآن في معالجة الأوضاع دون أن تتقدم ولو بخطوة واحدة باتجاه إنقاذهم من الظلم الذي حل بهم، أو في محاسبة المتسببين في افتعال الأزمات وحرمانهم من أبسط الخدمات الأساسية.

إن نذر المجاعة التي حذرت منها مرارًا الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية ليست ببعيدة في ظل استمرار الحرب وتردي الأوضاع المعيشية سوء، وتدهور الخدمات، وبخلاف التداعيات حرب الروسية الأوكرانية والتي تثير مخاوف من مضاعفة معاناتهم المعيشية، جعلت من البلد دولة هشة لا تحمل من معاني الدولة سوى الاسم فقط، والتي أصبحت في منظومة الفساد التي أطبقت على أنفاس البلاد والعباد.

السلطات تتجاهل الإصلاحات المقترحة وعلامات استفهام حول تجار السوق السوداء
السلطات تتجاهل الإصلاحات المقترحة وعلامات استفهام حول تجار السوق السوداء

يقيّم الكاتب، شهاب الحامد، الوضع العام، معلقًا بالقول: "نحن أمام كارثة حقيقية إذا ما سارت الأمور على هذا النحو، إذ جاءت أزمة أسعار الوقود لتزيد من الأعباء على كاهل المواطن المسحوق وتسببت هي الأخرى في زيادات إضافية في أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية والدوائية وأجور المواصلات، والان ارتفعت أسعار مادة البنزين بشكل غير مسبوق؛ أي بأضعاف ما كانت عليه قبل أشهر قليلة، ويعزى هذا الارتفاع في اعتقادي لسببين: الأول إلى السياسات الاقتصادية الخاطئة وفشل الحكومة الفاسدة في الارتقاء بمستوى الأداء والوقوف بمسؤولية إزاء تبديد الموارد وترشيد الإنفاق ومنع انهيار العملة بالشكل الذي نرى. والسبب الثاني ارتفاع أسعار النفط عالميًا طالما اضطررنا إلى استيراده ومشتقاته من الخارج".

محمد ابراهيم عمر، وهو مسؤول منظم لإحدى مخازن توزيع اسطوانات الغاز المنزلي في شارع أروى بمديرية كريتر بالعاصمة عدن،
محمد ابراهيم عمر، وهو مسؤول منظم لإحدى مخازن توزيع اسطوانات الغاز المنزلي في شارع أروى بمديرية كريتر بالعاصمة عدن،

ويضيف: "الحكومة لم تعجز في إيجاد المعالجات والحلول الاقتصادية لهذه المعضلة، وإلا فقد لخص خبراء الاقتصاد هذه المعالجات وبما يشبه الإجماع عليها إذا ما أخلصت نواياها وأمسكت بتلابيب اقتصاد الدولة، وأرى كما يرى كثيرون أن أولى المعالجات تبدأ من التدخل العاجل للحكومة والمتمثل في قيام البنك المركزي بدعم استيراد النفط من خلال توفير الدولار بسعر تفضيلي بمعزل عن أسعار السوق، وكذا فتح باب المنافسة لعملية استيراد النفط ومشتقاته ومنع احتكاره، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية على الأسعار، إلى جانب تهيئة الظروف الملائمة إجمالًا لتأمين عودة شركات النفط، وضمان عملية الإنتاج والتصدير بشكل اعتيادي أو شبه اعتيادي كحد أدنى. لكننا للأسف نحن أمام سياسات متوارثة لحكومات متعاقبة يديرها كهنة المركز المقدس وهي (الحكومات) لا تعالج الأزمات بل تصنعها وتدير البلد كعادتها بالأزمات هروبًا من الاستحقاقات التنموية والدولة المدنية إلى الأمام أو مع الإمام".


من جانبه علّق الإعلامي، أحمد سعيد كرامة جوبح، على فشل الحكومة بتصحيح الوضع قائلًا: "هكذا هي القرارات الفاشلة غير المدروسة، فقرار الرئيس هادي لتحرير المشتقات النفطية في العام 2018م كان بمثابة إعلان رسمي عن إفلاس شركتي مصفاة عدن وشركة النفط للإدارة العامة، وأيضًا لشركة النفط بعدن، حيث لم يلتزم التجار بتوفير المشتقات النفطية لعدن بصورة مستمرة واعتيادية ويعطون عدن حوالي 12 ألف طن في الشهر، بينما عدن بحاجة إلى أكثر من مائة ألف طن شهريًا، عندما تسألهم أين يذهب الباقي، يقولون نبيعه للمحافظات الشمالية؛ لأنه فيها مكسب مضاعف بدل بيعه هنا بعشرين ألف ريال، يباع هناك في المناطق الخاضعة للحوثيين بأربعين ألف ريال. بعدين يأتي رئيس الوزراء في ديسمبر 2021م يصدر قرارا برقم (30) يحصر شراء وتوزيع وتسويق المشتقات النفطية على الإدارة العامة لشركة النفط، بينما ليس لديهم أموال واتضح أنهم مفلسون، لا شراء ولا عائدات أو موارد لديهم".

مضيفا: "على الحكومة مراجعة نفسها في ظل ارتفاع أسعار البترول عالميًا وفي الوقت نفسه هناك شحنة ستبيعها الحكومة قرابة أكثر من 2 مليون برميل سعرها سيكون مضاعفًا لتأخذها الحكومة مع الزيادة، عليهم أن يرحموا الشعب، فالحكومة وجيشها الجرار من المسؤولين من الوزراء والنواب والوكلاء موزعين في دول عدة بمصر والرياض والدوحة وتركيا والأردن، هل جميعهم سيعيشون على حساب هذا الشعب. لهذا أطالب بإقالة الحكومة بالكامل، فليس من بينهم أكفاء ولا تكنوقراط، فجميعهم فاشلون حتى وزراء الانتقالي لم يقدموا شيئا؛ لأنهم ليس لديهم رؤية ولا هدف ولا مشروع دولة، ولا حتى في إنهاض وزاراتهم، حقيقة وضع البلد مزري، وأريدهم أن يستقيلوا في الحال، استقيلوا لا جبر الله فيكم ولا رحمكم، الناس تعاني بسبب فشلكم، وما زلتم مصرين على الاستمرار، وعلى الرغم من أنني قيادي بالمجلس الانتقالي، كما أقول بأن اللجنة الاقتصادية العليا للمجلس الانتقالي بأنهم شهود زور، ماذا عملتم؟ هل أنتم راضون؟ والشعب هو من فوضكم، وأوجه ندائي.. صححوا أوضاع الشعب قبل أن يفوت الوقت".

وفي ذات الصدد علق المواطن محمد عادل الأعسم، بقوله: "المصيبة أننا لا نبحث عن واقع (باريسي) وحياة مرفهة!.. لا والله، إن أبعد من نسرح به في أحلامنا هو راتب ودبة غاز وكهرباء فقط..! لم تكن أمنياتنا يوم (معضلة) بل هي أبسط من مجرد حقوق آدمية بشرية! تسقط كل المبادئ والقضايا مهما كانت عظيمه أمام شعب يموت ببطء وينهش الفاسدون كل مظهر للحياة في أرضه! تشيب رؤوسنا وتمضي أعمارنا ونحن ندور في دائرة الأزمات وطوابير الغاز والبترول وانتظار الإفراج عن الراتب الذي إن وجد لا يسد رمق أطفالك وجوعهم! فشل ذريع ومكابرة على الاعتراف به ولا حلول ملموسة على الأرض الكل يتهرب من حقيقة أن عدن وأهلها في أسوء فترة من تاريخها يذبح الفاسدون ناسها بالأزمات ويشاركهم ذلك من يصمت عنهم ويطبل لهم!".

يروي ياسر علي، 45 عامًا، الذي يعمل موظفًا حكوميا بعدن، معاناته المعيشية، حيث يقول: "إجمالا وضعنا المعيشي بات كارثيًا، كوننا نعتمد بشكل كبير على رواتبنا، وضعي المعيشي كان أفضل إلى حد ما قبل الحرب، فراتبي كان يتيح لي العيش مستور الحال ومع ذلك لم يكن كافيًا لتلبية احتياجاتي، بينما وضعنا بعد الحرب أصبح صعبًا، فأضطر أن اقترض من بعض أقاربي وأصدقائي، وديوني تراكمت وبقي راتبي هو نفسه لا يلبي في تسيير معيشة أسرتي حتى لأسبوع، وهذا سيؤدي بنا إلى السقوط في براثن الفقر ونخشى من حدوث مجاعة".

الانتقالي..نقطة تحول من المطالبة بوطن إلى المطالبة بـ"دبة غاز"
الانتقالي..نقطة تحول من المطالبة بوطن إلى المطالبة بـ"دبة غاز"

وعن انقطاع الراتب وفقدان قيمته، يقول المواطن أبوبكر عبدالله: "أصبح الراتب تتضاءل قيمته يوميًا، بسبب تدهور قيمة العملة المحلية، والارتفاع الجنوني للأسعار، ومما زاد الطين بلة هو إنهم يريدون تحويله إلى (كاك بنك) لتتضاعف المعاناة والعذاب لما لهذا البنك من تجارب مريرة مع بعض المرافق التي عانت الأمرين منه في فترة ما قبل حرب 2015م بسبب الازدحامات الشديدة وانعدام السيولة أحيانًا أخرى". ويضيف: "كما أن هناك موظفين وكوادر جنوبية عادت إلى عدن وهم الذين نزحوا من صنعاء بعد الحرب لا يستلمون مرتابتهم بشكل منتظم ويشكون دومًا من التعقيدات المالية وحرمانهم من الزيادة 30 % التي تم إقرارها في عام 2018م والغريب والمؤسف أن كثيرًا من الشماليين النازحين الذين اكتظت بهم داوين الوزرات والأجهزة والمؤسسات والهيئات والمصالح الحكومية بعد نقلها من صنعاء إلى عدن يستلمون رواتبهم بانتظام وفوقها علاوات وبدل سكن ومظهر ونثريات ومكافآت شهرية وإضافي مقطوع، الأمر الذي يدل على تمايز وعنصرية مقيتة".

كما عّبر المحامي، طارق عبدالله الخليفي، عن استيائه لما آلت إليه الأوضاع بالقول:"أ يش نقول، ونحن نشاهد لطوابير النساء بحثًا عن أسطوانة غاز، أنه شعور مهين ولم تحرك ذرة كرامة المسؤولين الذين فقدوا نخوتهم، ولإيجاد حلول لازمة الغاز أرى أن على المحافظ أن يشرف شخصيًا من خلال مأموري المديريات، ويتم توقيف الموزعين بشكل مؤقت حتى تتحسن الأوضاع، وما يحصل لنا من أزمات في عدن ومحافظات الجنوب ومن البلاطجة يمنع علينا ردعها ويتحملها التحالف، أما الشرعية والانتقالي هم مجرد أدوات ولا عاد نمدح أصحابنا ولا نذم الآخرين، كلهم بالهواء سواء، الهدف من ذا كله إيصال الناس إلى حالة اليأس والقناعة من استعادة الجنوب والتعلق بقشة الوحدة والتي يتم التلويح بها. فعلًا كنا قبل الانتقالي نطالب بوطن وبعد أن فوضناه وحمّلناه الأمانة أصبحنا نطالب بدبة غاز".


بدوره تحدث لـ "الأيام" محمد إبراهيم عمر، وهو مسؤول منظم لإحدى مخازن توزيع أسطوانات الغاز المنزلي في شارع أروى بمديرية كريتر بالعاصمة عدن، عن سير تنظيم عملية توزيع الأسطوانات الغاز بحسب طلب كل منطقة منعًا للاحتكار وبيعه في السوق السوداء قائلا: "قمنا بعمل تنظيم نقطة في كل أنحاء شارع أروى وعملنا يتم سويًا مع مخزن المصافي التابع لشركة للغاز بمديرية كريتر وبإشراف مدير المديرية ومدير المخزن، وكذا بشراكة اللجان المجتمعية بالمديرية، يأتي عملنا هذا بعد أن عانينا بالفترات السابقة من أصحاب السوق السوداء الذين يأتون من مناطق بعيدة، ليأخذوا حصة المواطنين من المنطقة الرئيسة في شارعنا شارع أروى، حيث لم يجد ساكنو المنطقة أسطواناته الغاز، فيأتون آخرين من أصحاب السوق السوداء يأخذون كميتنا، وخلال الشهرين الماضيين عانينا من هذا الأمر منهم وبعد الاتفاق مع مدير المديرية وأمين المخزن بالمديرية وكذا اللجان المجتمعية اقترحوا على تنظيم توزيع أسطوانات الغاز على عمل نقاط في شارع أروى ليغطي احتياجات ساكنيها، وقمنا بهذا العمل في البدء بحي السكنية وحوش الجفري وخلف مكتب اليمنية، بتجميع أسطوانات الغاز لتعبئتها وتم صرفها، ويلحقه في الشارع نفسه بدءًا من محطة البترول إلى السبراتي، ويليها بعدها للساكنين في منطقة السبراتي إلى آخر العقبة، نهدف من هذا التنظيم لمنع بيعها في السوق السوداء، وبإذن الله حتى تكتفي تلك المناطق المحيطة بشارع أروى سنعمل بعدها على إعادة فتح المركز الرئيس للمحطة على مدى يوم أو يومين".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى