​صفحات رمضانية

> الإفراط في الشبع

روى الترمذي بإسناده، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم، لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه".

في هذا الحديث يقدم المصطفى عليه الصلاة والسلام وصفة لأمته، تنظم طريقة الأكل، وتوضح المنهج المثالي الذي ينبغي أن يسلكه الإنسان في تناوله لغذائه، ذلك أن معظم الأمراض تنشأ من المعدة، نتيجة عدم التقيد بنظام أكل معين.

فهنا إرشاد منه صلى الله عليه وسلم، بأن لا يبالغ الإنسان في تناول الطعام، ويأكل كل ما أمامه حتى يحشو معدته بالأكل، بل يأكل ولا يملأ بطنه، فإنه إن خالف ذلك وقع فيما لا يُحمد، وقد ورد: "نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع".

فالإنسان مأمور بأن يأكل ويشرب، ليتقوى على العبادة، لكن لا يتناول مقدارا كبيرا يضره، ولا يحتاج إليه، وإلا كان مسرفا في ذلك، وقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام ما يدل على أن الشره في الأكل، والزيادة فيه على الحد العادي، والحرص على الملذات، وعدم الاكتفاء باليسير من الطعام، أن ذلك ليس من صفات المسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أضاف ضيفا كافرا، فأمر عليه الصلاة والسلام بشاة فحلبت، فشرب الرجل حلابها، ثم أخرى فشرب حلابها، حتى شرب حلاب سبع شياة، ثم إن الرجل الكافر أصبح فأسلم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاه فشرب حلابها، ثم بأخرى فلم يكمل شرب حلابها، فقال عليه الصلاة والسلام: "المؤمن يشرب في معي واحد، والكافر يشرب في سبعة أمعاء"، وفي رواية: "الكافر يأكل في سبعة أمعاء، والمؤمن يأكل في معي واحد". رواه البخاري ومسلم. وعند الافطار في هذا

الشهر الكريم نلاحظ كيف تنقض بعض الناس على الأطعمة المقدمة على مائدة الإفطار، فيتناول الصائم وقت إفطاره ما أمامه بشرهٍ، ودون تروٍّ أو تريث في الأكل، فما يشعر إلا وقد امتلأت معدته بالطعام، ثم لا يستطيع النهوض ولا القيام، وهذا فيه مخالفة للتوجيه النبوي، إضافة إلى أن فيه إيذاء للآخرين، فإن هذا بعد أن يملأ معدته بالطعام والشراب، ثم يتجه إلى المسجد ليصلي، فإن عملية الهضم في معدته لتلك الأطعمة تبدأ، وتأخذ المعدة بدفع أصوات تخرج من فم الإنسان، وهو ما يعرف بالحشاء، فإذا وقف هذا الذي ملأ معدته في الصف بجوار إخوانه المصلين، بدأت تتدافع من فمه بين الحين والآخر، أصوات تؤذي من بجانبه، وتقزز عند سماعها، وهي حالة يشمئز منها كل إنسان، وصاحبها ممقوت بين الناس، نرى الجميع يتحاشى الوقوف إلى جانبه في الصف، وقد عاتب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه حين سمع منه ذلك، قال ابن عمر رضي الله عنهما: تجشَّأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: "كف عنا جشاءك، كان أكثرهم شبعا في الدنيا، أطولهم جوعا يوم القيامة". رواه الترمذي.

إن الاعتدال في الأكل عند الإفطار، أدب من آداب الصيام، كما أن الإكثار والمبالغة في ذلك يضعف المشاعر التي ينبغي أن تصاحب الصائم في هذا الشهر الكريم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى