​من معارك المسلمين

> معركة ذات الصاري

معركة ذات الصواري معركة بحرية حدثت في العام 35 هـ 655م بين المسلمين والإمبراطورية البيزنطية وانتهت بنصر المسلمين، ومثلت هذه المعركة نهاية سيطرة الدولة البيزنطية على البحر الأبيض المتوسط كما أنها أول معركة بحرية يخوضها المسلمون.

كان للدولة البيزنطية في العصور الوسطى السيطرة والسيادة على البحر الأبيض المتوسط بلا منافس، فعلى شواطئه الشمالية امتدت أملاكها إلى شبه جزيرة البلقان والجزر الملحقة بها وآسيا الصغرى، ومن الشرق كان تتبعها سوريا وفلسطين، ومن الجنوب مصر وشمال أفريقيا، كذلك امتد سلطانها السياسي إلى وسط وجنوبي إيطاليا، وبعض بلاد محددة ولفترة قصيرة على الساحل الجنوبي لإسبانيا القوطية.

وكان لبيزنطة أسطول دائم ومهيب، وعدة قواعد بحرية، ودور لصناعة السفن في القسطنطينية وعكا والإسكندرية وقرطاجة، وسرقوسة بصقلية ورافنا بإيطاليا وغيرها، فقد بلغت عنايتها بالسلاح البحري أقصاها منذ عهد جستنيان - يوستانيوس - في منتصف القرن السادس الميلادي، وعهد هرقل قبل منتصف القرن السابع ومن جاء بعده من الأباطرة. وإلى جانب الأسطول البحري، كان لبيزنطة عدد من السفن التجارية تستخدم في عمليات نقل الجند والإمدادات، وكان تتحكم في منافذ البحر الأبيض: القسطنطينية ومصر وسبتة، مما استحال معه دخول أية تجارة خارجية إلى هذا البحر دون موافقتها، وشملت تجارتها العالم كله آنذاك.

لم يكن للمسلمين عهد بركوب البحر أو الحرب في أساطيله، لكنهم وجدوا من خلال فتوح بلاد الشام أن الأسطول البيزنطي مصدر تهديد خطير ومباشر لأمنهم وأمن المناطق المفتوحة واستقرار الإسلام فيها، فأدركوا أن بناء أسطول إسلامي ضرورة استراتيجية حيوية، وأول من أقترح بناء اسطول بحري إسلامي كان معاوية بن أبي سفيان والي بلاد الشام على الخليفة عمر بن الخطاب ولكن لم يتم بناء اسطول عسكري إسلامي إلا في عهد الخليفة عثمان بن عفان فكانت نواة هذا الأسطول من السفن التي وجدوها في موانئ الشام ومصر، ثم انطلقوا إلى صناعة السفن في دور الصناعة، وهكذا دخل السلاح البحري في الاستراتيجية العسكرية الإسلامية لأول مرة في تاريخ المسلمين، وبدأ هذا السلاح الناشئ بسرعة مذهلة في ممارسة العمليات البحرية.

وكان من الطبيعي ألا تقف بيزنطة مكتوفة الأيدي أمام تلك القوة البحرية التي قامت في البحر الأبيض المتوسط، وأصبح تحت يدها أغلى ما كانت تملك من دور للصناعة وقواعد بحرية في عكا والإسكندرية، مما يشكل تهديدًا خطيرًا لسيادتها التي امتدت زمنًا بلا منافس. ويرجع سبب تسمية المعركة بذات الصواري إلى كثرة عدد صواري السفن التي اشتركت فيها من الجانبين، وبعضهم الآخر يذكر أن هذا الاسم نسبة إلى المكان الذي دارت قريبًا منه، وهو ما يستنتج من قول الطبري:"فركب من مركب وحده ما معه إلا القبط حتى بلغوا ذات الصواري، فلقوا جموع الروم في خمسمائة مركب أو ستمائة". وقوله أيضًا: "وأقام عبد الله بذات الصواري أيامًا بعد هزيمة القوم، وقول ابن الأثير: ( وأقام عبد الله بن سعد بذات الصواري بعد الهزيمة أيامًا ورجع). وهو ما يعني بأن ذات الصواري هو موقع لمكان معروف بهذا الاسم قبل أن تقوم هذه المعركة. انتهت المعركة بعد قتال شديد بانتصار المسلمين. ونذكر فيما يلي روايات المؤرخين عن أحداث المعركة.

رواية ابن عبد الحكم :

وهي توضح مراحل المعركة، وكيف نجا عبد الله بن سعد قائد الأسطول من الأسر الذي كاد يقع فيه، فيقول:"إن عبد الله بن سعد لما نزل ذات الصواري، أنزل نصف الناس مع بسر بن أبي أرطأة سرية في البر، فلما مضوا أتى آتٍ إلى عبد الله بن سعد فقال: ما كنت فاعلًا حين ينزل بك هرقل - يقصد قسطنطين- في ألف مركب فافعله الساعة". أي: أنه يخبره بحشد قسطنطين لأسطوله لملاقاته، وإنما مراكب المسلمين يومئذ مائتا مركب ونيف، فقام عبد الله بن سعد بين ظهراني الناس، فقال: قد بلغني أن هرقل قد أقبل إليكم في ألف مركب، فأشيروا علي، فما كلّمه رجل من المسلمين، فجلس قليلًا لترجع إليهم أفئدتهم، ثم قام الثانية، فكلمهم، فما كلمه أحد، فجلس ثم قام الثالثة فقال: إنه لم يبق شيء فأشيروا علي، فقال رجل من أهل المدينة كان متطوعًا مع عبد الله بن سعد فقال: أيها الأمير إن الله جل ثناؤه يقول:(( كم من فئةٍ قليلةٍ غلبتْ فئةً كثيرةً بإذن اللهِ والله مع الصابرين))، فقال عبد الله: اركبوا باسم الله، فركبوا، وإنما في كل مركب نصف شحنته، وقد خرج النصف إلى البر مع بُسْر، فلقوهم - أي أسطول البيزنطيين - فاقتتلوا بالنبل والنشاب، فقال: غلبت الروم - أي انتصرت - ثم أتوه، فقال: ما فعلوا؟ قالوا: قد نفد النبل والنشاب، فهم يرتمون بالحجارة وربطوا المراكب بعضها ببعض يقتتلون بالسيوف، قال: غُلِبَتْ. وكانت السفن إذ ذاك تقرن بالسلاسل عند القتال، فقرن مركب عبد الله يومئذ، وهو الأمير، بمركب من مراكب العدو، فكاد مركب العدو يجتر مركب عبد الله إليهم - أي يجذبه نحوهم - فقال علقمة بن يزيد العطيفي، وكان مع عبد الله بن سعد في المركب فضرب السلسلة بسيفه فقطعها".

رواية ابن الأثير :

قال: "فخرجوا -أي البيزنطيين- في خمسمائة مركب أو ستمائة، وخرج المسلمون وعلى أهل الشام معاوية بن أبي سفيان ، وعلى البحر عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وكان الريح على المسلمين لما شاهدوا الروم، فأرسى المسلمون والروم، وسكنت الريح، فقال المسلمون: الأمان بيننا وبينكم. فباتوا ليلتهم والمسلمون يقرؤون القرآن ويصلون ويدعون، والروم يضربون بالنواقيس. وقربوا من الغد سفنهم، وقرب المسلمون سفنهم، فربطوا بعضها مع بعض واقتتلوا بالسيوف والخناجر، وقتل من المسلمين بشر كثير، وقتل من الروم ما لا يحصى، وصبروا صبرًا لم يصبروه في موطن قط مثله، ثم أنزل الله نصره على المسلمين فانهزم قسطنطينن جريحًا ولم ينجُ من الروم إلا الشريد، وأقام عبد الله بن سعد بذات الصواري بعد الهزيمة أيامًا ورجع".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى