"حبة الدجدج": احتفال بليلة النصف من رمضان في شبوة

> «الأيام» هناء عبدربه*:

>
​عادات رمضانية تقاوم النسيان

تضع ماجدة أحمد (50 سنة)، قدمها على عتبة باب المستودع الصغير الذي تعد فيه هدايا رمزية وحلويات ومبالغ نقدية للأطفال الذين يزورونهم في الـ15 من رمضان سنويًّا، في عادة مجتمعية قديمة متبعة منذ القدم تسمى في العديد من مناطق شبوة "حبة الدجدج".

اعتاد الأطفال واليافعون في بعض مناطق محافظة شبوة على هذا الحدث السنوي الذي يحفزهم على الاستمرار في صيام ما تبقى من رمضان، إضافة إلى أن تلك الهدايا والأطعمة والمبالغ المالية تصنع البهجة في قلوبهم.

يقوم الأطفال مع حلول المساء يوم 14 عشية الخامس عشر من رمضان بتشكيل مجموعات صغيرة ومتوسطة، تلف تلك المجموعات على منازل أهل المنطقة ويدعون لهم بالتوفيق والحفظ.

تقول ماجدة: "عندما كنّا صغارًا كان يخرج الجميع في مجموعات من الجنسين، والغالب من الذكور. يلفون على منازل أهل المنطقة، بيتًا تلو الآخر، مرددين بعض الأهازيج التي تكون عبارة عن أغنيات وأدعية لأهل المنزل فردًا فردًا، ليبدأ أهل البيت بتوزيع هداياهم للأطفال ثم يمضون للبيت الآخر وهكذا".

وتضيف: "الجيل الذي قبلي وجيلي وأبنائي، واليوم أحفادي، نحتفل بليلة الخامس عشر من رمضان كعادة ثابتة، نحتفل بها في قريتي منذ عرفت نفسي".

وقالت: "من الطرائف التي تحدث كل مرة أنّ الأطفال سريعًا ما يسحبون دعواتهم للبيت الذي يمتنع عن توزيع الهدايا والمبالغ المالية ليستبدلوها بأخرى، لكن على أهل البيت وليست بصالحهم".

عادات قديمة

بالرغم أن التكنولوجيا والتطور حل محل الكثير من الأشياء في الحياة اليوم، وأصبح من الممكن للأغلبية الحصول على المعلومات التي تخص حلول الشهر الفضيل من خلال الإذاعة أو الإنترنت، إلا أنه في منطقة قوبان وبعض القرى في محافظة شبوة ما زال يقام إحراق النار على رؤوس الجبال، في إحياء لعادة إعلام الناس بحلول رمضان.

يقول أحمد عيدروس، ناشط شبابي، إنه تم توارث الكثير من العادات الخاصة بشهر رمضان التي كان لها وقع جميل على النفس، خصوصًا في مرحلة الطفولة، أما الآن فالمحاولات كلها تركز في الحفاظ على ما تبقى من هذه العادات المتوارثة.

عن هذه العادات، يشير عيدروس إلى عادة إشعال النيران على رؤوس الجبال ليلة رمضان، وهي تعني إعلانًا رسميًّا بحلوله في اليوم التالي، أو إطلاق الرصاص، هاتان العادتان على سبيل المثال اندثرت بنسبة كبيرة، رغم بقاءٍ محدود لعادة إشعال النار.

تجري العادة في محافظة شبوة كل سنة، باستقبال مميز لشهر رمضان، فقبل حلوله بأسابيع يخرج الأطفال مرحبين به بقرع "التنك" (عُلب مصنوعة من مادة الزنك) والتهليل بقدومه، وأن التآزر المجتمعي يكون في أعلى مستوياته، نتيجة للتكاتف في الأنشطة المجتمعية والتجمعات العائلية والمبادرات الشبابية، والأهم مساعدة الآخرين.

قرقيعان

تحتفل العديد من بلدان العالم الإسلامي بيوم الخامس عشر من شهر رمضان بما يسمى "قرقيعان"، وفي كل بلد له اسم خاص، لكنها اشتهرت بهذا الاسم على نطاق واسع.

في محافظة شبوة (جنوب اليمن) تحتفل العديد من المناطق بهذه المناسبة الدينية التي تعتبر من العادات المتوارثة، ويطلق عليها غالبًا اسم "حبة الدجدج"، ولها أسماء مختلفة في بعض المناطق.

يعد الاحتفال بليلة الخامس عشر من رمضان في شبوة موروثًا شعبيًّا في غاية الأهمية لدى الكبار والأطفال، فهو يأخذ حيزًا من الأهمية لدى الكبار ويعيدهم إلى ذكريات الطفولة، إضافة إلى أنّ دعوات الصغار لهم ولعوائلهم أثناء الاحتفال بها، وترديدهم الأهازيج، مثل: "حبة الدجدج يا حبة، والبعير يهدر والرحى تطحن".

بينما هناك عادات كثيرة شارفت على الانتهاء، ومنها ما اختفى نهائيًّا، وفي السنوات الأخيرة؛ برز الاهتمام بهذه الليلة في كثير من المناطق، وأصبح الاحتفال بها يصاحبه العديد من الأنشطة التي تجمع العائلة والجيران، إضافة إلى التزين ولبس ملابس جديدة والاستعداد لهذه الليلة في وقت مبكر وكأنها عيد.

تقول لمياء صالح (23 سنة):"بدأنا في التجهيز لليلة "حبة الدجدج" قبل رمضان بأسبوعين، جهزنا الهدايا وطلبنا "الثيمات" وملابس الأطفال، وحتى نحن النساء والشابات لم نبخل على أنفسنا، مرات كثيرة نسمع انتقادات بسبب المبالغة التي نعيشها بوجهة نظر، لكني أرى أن مثل هذه المناسبات تستحق أن نبالغ في الاحتفال بها".

تعد أهمية الاحتفال بها كما يرى كثيرون في شبوة، لبثّ روح الألفة بين قلوب العائلة والجيران، خاصة أن الأطفال أكثر من يحتفل بها، كون المناسبة بالأصل هي لهم بمشاركة بقية أفراد الأسرة.

وتتمنى لمياء: "لو أن العادات الجميلة في مثل هذه المناسبات لا تندثر، لكن المحزن أن كل جميل يذهب خلف الريح والنسيان، ويتبقى كل ما فيه أذى للآخرين".

تأثير الأزمة الاقتصادية

في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها اليمن منذ سنوات عديدة، والأزمات الاقتصادية العالمية الناتجة عن جائحة كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا، ومدى التأثير الذي ألحقته بالوضع الاقتصادي للمواطن اليمني، مع استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية والأزمة المتعلقة بها، يحاول المواطن اليمني أن يجد السعادة قدر المستطاع كنوع من محاولاته على العيش من أجل الاستمرار في الحياة.

ومع أنّ عادات كثيرة اختفت في رمضان وغير رمضان بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، إلا أن هناك محاولات جادة في الحفاظ على ما تبقى منها، بالتحايل على الظروف الصعبة، وإرغام الفرح آنفًا على الحضور ولو في مواسم قليلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى