​"الأيام" تروي قصة الكفيفة المبصرة

> الحوطة «الأيام» هشام عطيري:

>
"أُزيل الضماد عن عيني، التفت يمنيًا ويسارًا وسألت عن المرأة التي تقف أمامي لتجيب "أنا أمك .."، كانت تلك أولى لحظات إبصار رندا للنور بعد أن عاشت سنين عمرها في ظلمة العمى.

عملية بددت ظلام 20 عاما وأمنيات باكتمال الرؤية
عملية بددت ظلام 20 عاما وأمنيات باكتمال الرؤية

فرحة لا تصفها كلمات اطمأن بها قلب الكفيفة المبصرة وبددت الخوف من أن تظل حبيسة إعاقتها بلا نهاية، ومشاعر عبرت عنها دموع فرح الأم قبل ابنتها التي رأتها تكبر أمامها ويكبر معها هم ما ابتلاها الله به، لتجد السبيل إلى النور والإبصار مسيرة حينما أراد لها الله أن ترى.

كانت جميع الأبواب مغلقة أمام عيني رندا التي روت لـ "الأيام" رحلة خروجها من حبسها القديم ودخولها مرحلة جديدة من عمرها تبصر فيها ذاتها وكل ما عايشتها منذ الطفولة.

وتقول رندا: "شعرت بالإحباط أثناء عزمي التوجه للعلاج في المخيم، ذاك أني عُرضت على أكثر من طبيب وأقروا لي بأن حالتي ميؤوس منها، لكنني أصررت وكانت النتيجة حقًا مفاجئة".

كانت تتوقع رندا، نجاح عمليتها بنسبة 1 %، لكنها تجاوزت الـ95 % وهي الآن مبصرة بعد فقدانها لهذه النعمة منذ طفولتها، "كنت أسمع المبصرين يتحدثوا عن الأشياء التي يرونها، وأتوق بأن أرى ما يرونه فأدعو ربي أن يعيد لي نظري وها هو استجاب"، قالت رندا.

رندا حسين علي يحيى، تلك الشابة تعيش في منزل متواضع في قرية دار المناصرة التابعة لمديرية تبن محافظة لحج، تعنى برعايتها والإنفاق عليها والدتها التي دأبت على العمل بالأجر اليومي لتعيل عشرة أبناء قبل أن يكملوا تعليمهم الثانوي وينخرطوا في سوق العمل لمساندة والدتهم المكافحة.

أوضاع أسرة رندا المعيشية كانت حائلًا دون علاجها، فحسب تشخيص الأطباء، تعاني رندا من وجود مياه بيضاء خلقية في عينيها، وإهمال علاجها وإجراء عملية لها منذ طفولتها صعب من إمكانية علاجها، مع تردي أحوال الأسرة يوما عن الآخر وتأكيد الأطباء أنه لا يمكن علاجها.

تقول والدتها: "تنقلت من طبيب لآخر ومن مستوصف لمستوصف عارضة حالة ابنتي عليهم على أمل أن يعاد إليها بصرها على أيديهم، لكن للأسف كانت كل الأبواب تسد وتغلق في وجهي بأن ليس هناك أمل في علاجها".

سعدة الجبلي، والدة رندا، كانت تبكي بعد كل زيارة لطبيب قهرًا على حال ابنتها وشعورًا بفقدان الأمل بأن يكون هناك حلًا لمشكلتها.

عند سماع سعدة عند افتتاح مخيم مجاني للعيون في مديرية تبن، همت بأخذ ابنتها لهذا المخيم وعرضها على الأطباء لكن حالة الرفض من قبل أقرباء لها وبعض الأهالي في القرية وتخويفهم لها بأخبار تفيد بأن هذه المخيمات الطبية لا تنفع بل تضر، وهو ما أدى إلى قيامها بأداء صلاة الاستخارة خمس مرات.

"بعد الصلاة قررت أن اذهب بها إلى المخيم الطبي المجاني للعيون التابع لجمعية الخير الإنسانية الكويتية ومنظمة الغد المشرق ومؤسسة العيون الطبية وأجريت لها الفحوصات"، قالت سعدة.

رندا.. ضحية أطباء قتلوا الأمل فأحياه من أخذها خارج تصنيف المكفوفين
رندا.. ضحية أطباء قتلوا الأمل فأحياه من أخذها خارج تصنيف المكفوفين
وتابعت: "بعد عدة أيام تلقيت اتصال من الدكتور صالح حسن زين اختصاصي أمراض وجراحة العيون والقناة الدمعية، يخبرني خلاله بحضور رندا إلى المستوصف لإجراء العملية في إحدى العينين".

خرجت سعدة من ذاك المستوصف في اليوم الموعود ودمعتها على خدها، فدموع الفرح كانت أبلغ تعبير عما شعرت به وهي ترى ابنتها مبصرة.

وتشير سعدة، إلى أن ابنتها رندا تعد من الفتيات المتفوقات منذ الصغر، حيث احتضنتها وتبنتها إحدى الفتيات في القرية من أسرة محمد قاسم وأدخلتها جمعية المكفوفين لبدء حياة جديدة تتعلم فيها لغة المكفوفين وتدرس في الجمعية مع زميلاتها حتى تتخرج من الثانوية وتواصل تعليمها الجامعي في كلية التربية صبر قسم لغة عربية.

وأكدت رندا أن "جمعية المكفوفين لها دور كبير في تشجيعي على العلاج والدراسة منذ الصغر حتى وصولي لمقاعد الدراسة الجامعية، ولا أنسى زميلاتي الكفيفات في الجمعية والفتيات اللواتي قدمن المساعدة لي في الجامعة".

وتبدأ رندا حياة جديدة حسب تعبيرها، تعتمد فيها على نفسها وتواصل مسيرتها في جمعية المكفوفين، فهي تحلم بعد استكمال الجامعة أن تدرّس في مدرسة الجمعية كمتخصصة لغة عربية وتنقل خبراتها لمكفوفين آخرين في الجمعية، "لا أنسى ما قدمت لي الجمعية وقيادتها برئاسة إقبال قشاش التي دعمتني وشجعتني على مواصلة تعليمي".

ووجهت رندا نصيحة للمكفوفين زملائها وزميلاتها في الجمعية وغيرهم من خارجها بأن يعملوا الفحوصات عند أكثر من طبيب، معتبرة عودة نظرها أمل للمكفوفين فهناك فرق بين حالها عندما كانت كفيفة وعندما أبصرت، كما قالت لـ "الأيام".

رندا هي ابرز اعضاء جمعية المكفوفين، لها العديد من الإسهامات في أنشطة الجمعية، وأنها تتميز بصوت إنشادي جميل، إضافة إلى حفظها القرآن.

تفاصيل رحلة الخروج من حبس العمى إلى فسحة الإبصار
تفاصيل رحلة الخروج من حبس العمى إلى فسحة الإبصار
الكفيفة سناء دهمس، زميلة رندا في الجمعية، قالت إن مشاعرها لا توصف بعد سماع خبر نجاح عملية زميلتها وأنها استطاعت أن تبصر لأول مرة في حياتها، "هذا يعد إنجازا كبيرا أن يعود نظر كفيفة هي معجزة من رب العالمين وأدعو الله أن يمن علينا كمكفوفين بنعمة البصر".

وأوضحت سناء أن هناك من المكفوفين من يريد ويتمنى أن يعاد إليه نظره، وآخرين لا يريدون، متمنية لزميلتها التوفيق والنجاح في حياتها وأن يعاد بصرها مثل صديقتها بمشية الله.

إقبال قشاش، المدير التنفيذي لجمعية المكفوفين، تفيد أن رندا إحدى طالبات جمعية المكفوفين بلحج درست من الصف الأول الابتدائي في الجمعي وهي مثابرة رغم ظروفها الصعبة، إلا أن لديها إرادة قوية، وفق قول قشاش، فأكملت تعليمها إلى أن وصلت حاليا للمستوى الثالث في كلية التربية.
وتشير إلى أنه تم عرض رندا على الكثير من الأطباء وآخرهم الدكتور حسين النفيلي الذي أقر إجراء عملية لها،  ولكن الأم رفضت ذلك لعدم مقدرتها على توفير تكاليف العملية.

وقال الطبيب المعالج حسين زين، إن رندا كحالة مرضية حظيت باهتمام منذ وصولها المستوصف، نظرا لصغر سنها وأنها تعاني من العمى.

"بعد فحصي للمريضة اكتشفت أن هناك نسبة نجاح كبيرة، أخبرت أمها وأقنعت البنت بأني سأعمل عملية لها وهي عملية سحب المياه البيضاء وزراعة عدسة" أوضح د. زين.

وأفاد بأنه أجرى لها العملية بتخدير موضعي (قطر للعين فقط) حتى يرى نتيجة العملية بعد فترة وجيزة لكونها من منطقة بعيدة ولا يستطيع متابعة حالتها بسهولة.

وكانت نتيجة تلك الخطوة فرحة عارمة ونهاية لمعاناة مؤلمة وبداية لمرحلة جديدة يتخللها نور الإبصار الذي غير حياة رندا ومن حولها، فالأمل الذي أحياه الطبيب ولد دموع سيالة غسلت ظلام 20 عاما.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى