أسرة بانافع ذو الـ(35) فردًا.. بين المأساة العالقة والتعويض المنتظر

> نشوان العثماني

>
​في الـ30 من أكتوبر 2021، هز انفجار عنيف حيًّا مأهولًا بالسكان على مقربة من إحدى النقاط الخارجية لـ مطار عدن الدولي، بمديرية خور مكسر، أسفر عن مقتل ما لا يقل عن خمسة أشخاص وإصابة 25 آخرين بينهم نساء وأطفال وفقًا لإدارة أمن العاصمة المؤقتة عدن, كان هؤلاء الضحايا بانتظار أهاليهم القادمين على متن طائرة اليمنية من الهند. وجاء ضمن الضحايا مدنيون من الحي ذاته المجاور لسور المطار المحاط بحواجز خرسانية ضخمة.

سيارة مفخخة بمادة شديدة الانفجار، رُكنت أسفل عمارة لـ عائلة بانافع يسكنها ستة أشقاء رفقة أسرهم، محاذاة السورالجنوبي للمطار. تضررت منازل عديدة وورش حدادة ومدرسة أطفال، لكن العمارة المكونة من طابق أرضي وأربع طبقات
عمودية بما في ذلك السطوح, كانت الأكثر تضررًا في الأرواح والممتلكات.

ليلةٌ من الجحيم
عبدالله بانافع (51 عامًا) أكبر الأشقاء الستة, وله ثلاثة أولاد, كان بانتظار وجبة سريعة طلبها من زوجته بينما كانت تنهيأ لصلاة المغرب, عند السادسة مساء السبت، "وريثما تصلي ستبدأ بإعدادها". قبل لحظات فقط, كان يجلس لارتشاف الشاي على إحدى شرفات الدور الثاني المطلة مباشرة على نقطة الانفجار. اللحظات التي نجّته تمامًا كانت مسافة أمتار فقط حين ذهب إلى زوجته في الصالة. وإذ يخطو للعودة لإكمال شاي المساء, حلّت فجأة ليلةٌ من الجحيم على نحو حرفي.

كل شيء كان هنا على ما يرام وفي مكانه الصحيح, أضحى ركامًا على ساكنيه. وقتلت شظايا الانفجار بعضًا من الذين كانوا في الخارج على واجهة تلك اللحظة الجحيمية. شيء واحد من الأجهزة المنزلية والأثاث والأبواب والشبابيك, لم يتبقَ في مكانه, لم يصمد شيء. فالشرفة التي كانت قبل قليل متكأ المساء لـ عبدالله, انهارت بالكامل.

تحوي العمارة التي يربو عمرها نحو عشرين عامًا, سبع شقق. ثلاث منها كانت مطلة على مكان وقوف السيارة المفخخة تحولت إلى ما يشبه الشرفات بانهيار جدرانها الأمامية التي كانت في مرمى الانفجار بشكل مباشر. و"أقل تأثير لبقية الشقق, لا يستهان به", يقول عبدالله، فيما "السبع الشقق تحتاج ترميمات متفاوتة بين الكامل والنسبي" وأغلب جدرانها ما بين منهار
ومتصدع.

أسرة بانافع ذو الـ(35) فردًا.. بين المأساة العالقة والتعويض المنتظر
أسرة بانافع ذو الـ(35) فردًا.. بين المأساة العالقة والتعويض المنتظر

يضيف: "الدور الأرضي دُمّر بالكامل", ويتكون من محل أنترنت يملكه ياسر بانافع (38 عامًا), شقيقه والأب لثلاثة أولاد أيضًا, وسوبر ماركت ومكتبة وصيدلية لمستأجرين, إلى جانب مكتب سفريات لشقيقه الآخر صالح (44 عامًا), أب لـ أربعة أبناء. كان الدور الأرضي إلى ذلك يحوي عيادة خلفية تهشمت زجاجاتها, بعيد أن تركتها طبيبة مختصة بالنساء والولادة قبل الانفجار بيومين, فيما كانوا بصدد تأجيرها.

في شقتنا دم.. وزجاج في القدم!!
محمد بانافع (48 عامًا), وهو الشقيق الثالث لـ عبدالله, كان يساعد عاملًا في الشرفة المطلة على السوبر ماركت لرفع لوحة إعلانية. كان للسوبر عامل آخر على السلّم من أسفل, وثالث على الأرض بجانب سيارة. وإذ يتساعد الأربعة في تركيب اللوحة, انحنى محمد لأخذ لفافة سيجارة, نجا بسببها من موت محقق جاء على بقية العمال الثلاثة فورًا.

يتذكر عبدالله فتىً من خيرة شباب الحي من جيرانهم اسمه "سرباز" في العشرينات من عمره, كان يقف في ركن العمارة وقد قضى مباشرة ضمن ضحايا الحادث الذي تزامن حينها وزيارة مبعوثي الأمم المتحدة وواشنطن إلى مدينتي عدن وتعز, جنوبي البلاد. ومطلع ديسمبر 2021, خلص تقرير(*) أعلنته اللجنة الأمنية في عدن بأن استهداف المطار الدولي وموكب محافظ عدن أحمد حامد لملس اللذين شهدتهما المدينة في أكتوبر/تشرين الأول 2021, تقف خلفهما جماعة الحوثيين المتمردة عبر تمويلها لعناصر وخلايا إرهابية.

وإلى جانب محمد, شقيقه, أصيب كذلك العشريني محمد ابنه, ولم تنجُ والدته من الإصابة بشظايا. "في شقتنا دم, في أماكن كثيرة. اكتشفت لاحقًا قطع زجاج في قدمي استمرت تؤذيني لأيام طويلة, كنت أستخدم لأجلها يوميًا ماءً دافئًا بالملح. لم أكن أعلم أنني حافي القدمين ولم أشعر بأقدامي تسيل منها الدماء من آثار الزجاج. ليلتها كنا في حالة من الهستيرية, بلا شعور أو أي إدراك", يقول عبدالله.

لحظتئذ "نزلت أجري دون شعور أبحث عن بقية الأطفال والإخوة, منهم من كان متواجدًا في الشارع وبعض الأطفال كانوا يلعبون في النادي المجاور. كنت أجري بين السيارات المشتعلة, رأيت جثثًا متفحمة في السيارات. كنت أبحث عن أناس في السوبر ماركت, عن أشخاص آخرين في الصيدلية، وفي المكتبة أيضًا, كل هؤلا أشخاص نعرفهم وأصدقاء"، يضيف.

"استغاءاثات وأنين بعض الجرحى ما زلت اسمع صداها كل ليلة. أحدهم يدعي صالح خرج من تحت ركام البقالة ملطخَ الدماء وهو يصيح ‘الحقني يا عم عبدالله‘ وسقط مغميًا بحضني. نقلناه بسيارة أحد المارة إلى المستشفي. آخر كان يصيح من تحت الأنقاض, انهال فوقه جدار اسمنتي, كان يمسك بقدمي ويصيح ’اخرجني  يا عم‘. وقد ساعدنا مجموعة من الشباب في إخراجه. فيلم طويل جدًا استعيده يوميًا قبل كل منام. كانت بالفعل ليلة من الجحيم"، يقول.

بانتظار التعويض
قُيّمت الأضرار الكاملة للعمارة في وقت لاحق؛ تزامنًا مع نزول لجنة تعويضات من السلطة المحلية باهتمام مباشر من وزير الدولة محافظ  العاصمة أحمد حامد لملس. وقُدرت هذه الأضرار في المتوسط ما بين 100 ألف إلى 120 ألف دولار أمريكي، وفقًا للأسرة، شاملة الدور الأرضي من العمارة الذي تُشكّل الإيجارات الشهرية لمحلاته الدخل الأساسي لمعيشة هذه الأسرة الكبيرة المقدر عدد أفرادها بـ 35 بينهم 17 طفلًا.

وأضحى نصف عدد الأشقاء الستة تقريبًا عاطلين عن العمل في الوقت الراهن, منهم "حسين" (46 عامًا) وهو أب لخمسة أولاد, وشقيقه الأصغر "ياسر" الذي فَقَدَ سيارته الـCorolla إلى جانب مقهى الانترنت الذي كان مصدر دخله. وقد نال شقيقه الخامس, عادل (42 عامًا) وهو أب لثلاثة أولاد وصاحب معمل ألمنيوم, نصيبه من الأضرار التي لحقت بأجزاء من سيارته الـRAV4.

كان المهندس عدنان الكاف, عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي ووكيل العاصمة عدن لشؤون التنمية, قد رأس اجتماعًا هامًا للجنة حصر ورفع الأضرار التي لحقت بمنازل وأملاك المواطنين جراء التفجير الإرهابي, وقد حددت اللجنة التاسع من نوفمبر المنصرم موعدًا لتسجيل المواطنين المتضريين, وفق ما نشرته صحيفة "الأيام" حينها.

وفي نهاية مارس/آذار الماضي, أكد الكاف في تصريح صحفي لـ "الأمناء" أن قيادة المحافظة اتخذت العديد من المعالجات بخصوص المتضررين بالانفجار, وأن اللجنة المختصة استلمت تقريرًا متكاملًا بالتكلفة المالية عن أضرار المباني ولم يتبق للجنة سوى التقرير المالي عن أضرار المركبات.

يقول عبدالله بانافع وقد اعتور صوته الوهن: "ضغوطًا نفسية أصبحت لدى الجميع. ألم وقلق وأرق. ما زال غامضًا كيف يمكننا مواجهة المستقبل دون تعويض عادل عما لحق بنا".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى