واشنطن ستصادر احتياطات النقد العربية وغيرها بعد مصادرتها الروسية

> المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف*

> معروف أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها قاموا بتجميد احتياطيات البنك المركزي الروسي، المستثمرة في سندات هذه الدول بقيمة تبلغ نحو 300 مليار دولار.

في الوقت نفسه، ترك هؤلاء الفرصة لروسيا لخدمة ديونهم من أرباح العملات الأجنبية الحالية، بهدف "إرهاق روسيا وحرمانها من قدرتها على تمويل الحرب في أوكرانيا"، بحسب مسؤولين غربيين.

ردًّا على ذلك، وقع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مرسومًا غير ملزم، لكنه يسمح بدفع الديون الخارجية من قبل الهياكل الحكومية والشركات الخاصة بالعملة الروسية، الروبل.

وبالنظر إلى حقيقة مواصلة روسيا سداد ديونها، فإن سبب ذلك المرسوم كان على الأرجح الخوف من انهيار محتمل للعملة الروسية، أكثر منه رغبة في حرمان المستثمرين الغربيين من أموالهم كنوع من الانتقام.

ويبدو أن بوتين ما زال يرفض الدخول في وضع الحرب لتدمير الخصم، ويواصل الاعتماد على حقيقة أن الأزمة الداخلية، وعدم القدرة على استبدال الموارد الروسية، هو ما سيجبر الغرب، أو أوروبا على أقل تقدير، على العودة إلى طاولة المفاوضات، حيث يمكنه فرض شروطه.

بشكل أو بآخر، واصلت روسيا بعد ذلك دفع ما يسمى بسندات "يوروبوندز" Eurobonds، فقامت بدفع 117.2 مليون دولار في مارس (من الأموال المجمّدة، بعد تنازل مفاجئ من الولايات المتحدة الأمريكية)، وما يعادل 649.2 مليون دولار بالروبل في أبريل، و71.25 مليون دولار و26.5 مليون يورو بالعملة الأجنبية في مايو.

وأصبح من الواضح أن روسيا لا تفتقر إلى العملة الأجنبية، بل على العكس من ذلك أدت الزيادة في عائدات الصادرات، وانخفاض الواردات، والقيود المفروضة على تدفق العملات الأجنبية إلى الخارج، إلى زيادة المعروض من الدولارات واليورو في البورصة، ما أدى بدوره إلى تعزيز الروبل الروسي بنحو مرتين بالمقارنة بسقوطه، فور بدء العملية العسكرية في أوكرانيا.

بشكل عام، أثبتت روسيا قدرتها على التعامل مع العقوبات والمحاولات الغربية الأخرى لتقويض اقتصادها. وحتى الآن، لم يظهر أي تهديد وجودي أمام روسيا، وهو ما يسمح لبوتين في الوقت الراهن بالامتناع عن الإجراءات الصارمة، والحفاظ على مساره السابق لإجبار أوروبا على التعاون والولايات المتحدة الأمريكية على التراجع. فوجود أوروبا بالنسبة لروسيا مفيد، ومن الضروري فقط إجبارها على الاعتراف بالحقائق الجديدة في أوكرانيا، وإزاحة حدود "الناتو" بعيدًا عن الحدود الروسية.

إلا أنه، وبعكس روسيا، فإن هذه الحرب تحمل بالنسبة للغرب "ثمنًا للقضية" أكبر بكثير من ذلك. فالحفاظ على روسيا يعني الانهيار التام للهيمنة الأمريكية، وخسارة الولايات المتحدة اللاحقة في حرب الحضارات أمام الصين وتفككها الذاتي.

في ضوء هذه الظروف، أصبح الغرب مضطرًا إلى رفع رهاناته حتى حدودها القصوى، لتصل إلى مستوى "النصر التام بأي ثمن أو الموت".

يوم الأربعاء الماضي 25 مايو، سحبت الولايات المتحدة الأمريكية ترخيصًا يسمح لروسيا، تحت ظروف العقوبات، بسداد مدفوعات ديون الحكومة الروسية لحاملي السندات الروسية من الأجانب.

وبطبيعة الحال، فلا يمكن أن يدور الحديث هنا عن إعلان أي إفلاس لروسيا بأي حال من الأحوال، حيث يتعيّن على روسيا، حتى نهاية عام 2022، أن تدفع مبلغًا متناهيًا في الصغر بالنسبة لها، تبلغ قيمته أقل من مليار دولار، وهو ما تستطيع سداده بسهولة. إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية تحظر استلام تلك الأموال، لتؤكد، استنادًا لهذا الأساس، على حقها في مصادرة الأصول الروسية.

في الوقت نفسه، بدأ الغرب في نهب المستثمرين الروس من القطاع الخاص أيضًا. ففي عدد من الدول الغربية، يتم احتجاز ممتلكات رجال الأعمال الروس ومصادرتها. وتقوم البنوك الغربية بتجميد حسابات المواطنين الروس، وتطالبهم بإثبات الأصل القانوني للأموال (أي أنها في الواقع تقوم بتجميدها للأبد، وتحتفظ بها لنفسها).

ومنذ نهاية فبراير الماضي، قامت أكبر شركة إيداع أوروبية "يوروكلير" Euroclear، والتي يتم من خلالها دفع الأرباح، بوقف المدفوعات بالروبل وكذلك المدفوعات للمستثمرين الروس. وحتى الآن، تراكم بالفعل 23.4 مليار يورو، في الوقت الذي قد تصادر فيه "يوروكلير" الأموال بالروبل.

كذلك عادت فرنسا بالذاكرة إلى عاداتها القذرة في نهب الجزائر ومصر ودول عربية أخرى، وشرعت في مصادرة القطع الفنية المملوكة لمواطنين روس، ولا سيما لوحات الفنان الروسي الكبير، فالنتين سيروف.

في الواقع، أصبح الحد من قدرة روسيا على مواصلة الحرب ضد الغرب هدفًا ثانويًا للعقوبات، بينما برز الهدف الرئيس لها وهو السرقة.

وقد حذّر بوتين الغرب من سرقة الأصول الروسية. وكما هو الحال دائمًا، فعل ذلك بلطف، قائلًا إن الاستيلاء على ممتلكات الآخرين لا يمكن أن ينتهي نهاية سعيدة للصوص. وكذلك أعلن رئيس مجلس الدوما الروسي، فياتيسلاف فولودين، مرارًا وتكرارًا عن تحذيره أن الغرب سيتعيّن عليه تعويض روسيا عن جميع الخسائر التي تكبدتها إثر العقوبات وسائر الأعمال العدائية الأخرى. أعتقد أن الغرب سيدفع ثمنًا مضاعفًا.

ومع ذلك، فالقضية التي نحن بصددها، في واقع الأمر، أكبر بكثير من العلاقة بين روسيا والغرب.

فلقد تراكمت الديون على الغرب على نحو ضخم للغاية، ولن يتمكّن من سدادها أبدًا، بل إنه أمر مستحيل حتى من الناحية الحسابية.

ويمر الغرب، في الوقت الراهن، بالمرحلة الأولية من التضخم المفرط، بينما يقترب التضخم في الغرب فعليًا من 10 %، أي أن المستثمرين يتكبدون خسائر تزيد عن 5 % سنويًا، حتى مع زيادة مدفوعات الفائدة على سندات الخزانة الأمريكية إلى حوالي 3 %. علاوة على ذلك، فلم يتبقَ الكثير حتى يتدهور الأمر نحو الأسوأ، وسيهرب المستثمرون من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، الذين سيواجهون حينها مسألة سداد تلك الديون للكويت والعراق والمملكة العربية السعودية والإمارات واليابان وبريطانيا والصين وغيرهم من التابعين الآخرين من الحكومات الساذجة أو غير ذات الكفاءة ببساطة، والتي دفعها حظها العاثر إلى استثمار احتياطياتها في السندات الأمريكية والأوروبية.

إن رفض دفع تلك السندات (مثلما حدث مع تجميد الاحتياطيات الروسية)، وإلغاء مؤسسة الملكية الخاصة (مثلما حدث مع مصادرة ممتلكات المواطنين الروس) لهو تدمير لأساس المجتمع الغربي، وتدمير للمبادئ التي يقوم عليها النظام الرأسمالي الحديث. إنها نهاية عصر الرأسمالية، ونهاية عصر الهيمنة الغربية، وعودة إلى تاريخ ألف عام مضت، حيث عصر الحروب الصليبية الأولى.

إن الغرب، بشكل عام، يتخلى عن أسس النظام الرأسمالي، وتحديدًا عن مبدأ حرمة الملكية الخاصة.

وأعني بذلك أن التغيير الذي نحن بصدده تغيير هائل، فالغرب يتصرّف وكأن "يوم الغد" لن يأت أبدًا.

لقد تحوّل الغرب، عشية انهيار هرم الديون، إلى السرقة العلنية جهارًا نهارًا للعالم كله، وروسيا ليست سوى الثمرة الأولى. سيتبعها الصين، باستثمارات وقدرها 3 تريليون دولار في الأصول الأمريكية، وبعدها تتوالى السرقات، بما في ذلك لأصول الدول العربية.

*رابط قناة "تليجرام" الخاصة بالكاتب

*المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى