كنا وما فرحنا

> حكاية ظريفة تقول: إن الحجاج بن يوسف الثقفي أراد أن يُطلِّق أحد نسائه التي كانت تتعامل معه بشيء من الترفع بحكم مكانتها الاجتماعية وعلو نسبها، فأمر الحجاج أحد عماله بأن يذهب إليها ويقول لها الطلاق بأقصر عبارة ممكنة.. ذهب العامل وقال لها: "كُنْتي فبِنْتي" أي أصبحتِ مطلقة؛ فردت على الفور قائله: كُنَّا وما فرحنا، بِنَّا وما حَزِنَّا؛ أي أن الأمر بالنسبة لها هو هو حين كانت في ذمة الحجاج.. وحين بانت وهو بمعنى الطلاق والفراق، الذي لم يحزنها..

هذه القصة ذكرتني بموضوع البنك المركزي وحكاية نقله وكل ما يتصل بسيرته على مدى سنوات مضت؛ إذ لم يشكل فارقًا يذكر في حياة شعبنا الجنوبي؛ بل كان وسيلة لنهب الإيرادات التي يفترض أن توجه في معالجة الأوضاع المتداعية التي نعيشها منذ زمن بعيد دون أن يسهم البنك المركزي بأي حال في تغيير الواقع.

وقد قيل الكثير عن فساد البنك المركزي إلا أن شيئًا من المعالجات لم تتخذ، ولم نسمع قط عن إجراءات محاسبة بحق من اتهموا بممارسة الفساد على مدى سنوات مضت، الأمر الذي شكل تداعيًا لأسعار الصرف في المحافظات الجنوبية وارتفاعات سعرية تحمّل المواطن كل تبعاتها، ناهيك عن عدم انتظام المرتبات وغيرها من القضايا المتعلقة بالأمور المالية على صعيد الجنوب، وبكل ما أحدثت من خلط وفوضى حياتية يعيش المواطن تبعاتها، وسواء كان البنك في صنعاء أو في عدن فالأمر بالنسبة للجنوبيين زيادة حدة التداعيات على الصعيد الاقتصادي وابتكار أساليب عمل جديدة لا تتصل بمعالجات اقتصادية حقيقية؛ بمعنى أدق التوظيف السياسي للمسألة ربما اقتضى الأمر أن نكون في الجنوب أحد ضحاياها، والحال مستمر بما هو قائم على صعيد الخدمات، ومهازل الدراسات التي لم تنته بهذا الشأن، والتي تبدأ عند كل صيف وتنتهي جذوتها الأخيرة عند حلول الشتاء بطرق مستخفة لا تحترم آدمية الناس ومشاعرهم.

وفي كلا الحالتين البنك المركزي بالنسبة لنا هو وعاء يتم من خلاله نهب مقدراتنا لا أكثر.

لفت انتباهي ما جرى مؤخرًا بعد أن قدم الباحث وحيد الفودعي بعض حقائق الفساد عن البنك المركزي؛ عندها سارع حافظ معياد لاعتقال كاشف الفساد.. وتلك هي نمط المعالجات المتخذة، على الرغم من أنه في الأصل لم يجرِ قط محاسبته، فهو ممن كانوا وراء تبديد موارد مالية ضخمة، سواء من الوديعة السعودية أو غيرها، بمعنى لا مجال للحديث عن قضايا من هذا النوع طالما وهي توظف في المسار السياسي، وهي وسائل تعطيل محورية بفصولها المتكررة عبر بوابة البنك المركزي تحديدًا.

أذكر حين جرى الحديث عن تبخر ملايين الدولارات من البنك المركزي وما صاحبها من كلام عن محاسبة الفاسدين قلت في نفسي هذه المرة تبدو الأمور جدية لم يعد ممكنًا الصمت عن فساد بهذا الحجم، وما لبثت الأمور أن عادت إلى حالة من الصمت، ولم تحدث أي محاسبة، ما يعني أن الفساد مسار سياسي يتم العمل عليه..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى