دولة عربية تتصدر الغضب عالميا.. لماذا العرب غاضبون؟

> نضال منصور

> ​أظهر مؤشر العواطف أن الأردن من أكثر دول العالم غضبا، وقلقا وتوترا. وتصدرت لبنان الشعوب الغاضبة في عام 2022 في المؤشر الذي تُطلقه شركة الأبحاث العالمية غلوب، وحل العراق رابعا، وسادسا كان الأردن. 

المؤشر الدولي الذي يُعاين المشاعر السلبية غطى 100 دولة، في الفترة من منتصف العام الماضي 2021، وحتى بداية هذا العام. 

أتفهم أن تتصدر لبنان مؤشر الغضب، فالدولة هناك اقتربت من حالة الفشل، والشعب يشعر أن زعماء الطوائف يسلبون مستقبلهم، وحتى مدخراتهم، وتعب عمرهم تبخر بعد أن فقدت العملة الوطنية قيمتها، ومعدل البطالة المُعلن زاد عن 38 بالمئة، والتضخم وصل إلى 250 بالمئة آخر عامين. 

ومن حق العراقيين أن يغضبوا حين يشعرون بالفقر في بلد غني بالموارد، وحين لا يشعرون بالأمان، وحين تتوالى السنوات ولا تُحل مشكلة الكهرباء التي تنقطع، رغم تبديد مليارات الدولارات عليها. 

في قراءة سريعة لأكثر المؤشرات العالمية نجد أن العالم العربي لا يُنافس أبدا في الوضع الديموقراطي، أو الحريات، بل يتذيل القوائم، ويمتد ذلك أيضا للمؤشرات المتعلقة بالتنمية، أو السعادة. 

في مؤشر السعادة مثلا وهو مرتبط بشكل مباشر بحالة الغضب، والتوتر، والقلق نجد فقط 4 دول عربية تحتل مكانة دون الخمسين في سلم الشعوب السعيدة، وهي البحرين، والإمارات، والسعودية، والكويت، وبصراحة أشك أن إنسانا عربيا يعيش السعادة في وطنه، فالمُنغصات لها أول، وليس لها آخر. 

وفي التفاصيل؛ فإن لبنان الأخيرة "145" في المؤشر، والبقية ليست أفضل حالا، فالأردن، وموريتانيا، واليمن، ومصر، وفلسطين، وتونس، وجزر القمر، والعراق، والمغرب كلها ترتيبها فوق المئة. 

وإمعانا في التعاسة، والحالة المُزرية التي يعيشها الإنسان العربي من المحيط إلى الخليج، فإن عددا من المدن العربية جاءت كأسوأ مدن في جودة العيش. 

طبعا لم أصب بالصدمة من هذه النتيجة، فالمدن العربية رغم عراقتها تفتقد لكثير من متطلبات الرفاه، والحياة الكريمة. 

دمشق أقدم عواصم العالم حلت في المرتبة "172"، أمر يبعث على الغصة، وطرابلس "170"، والجزائر "169"، وهو أمر يبدو محتوما لمن عاش مرارة العيش في المدن العربية، التي آخر أولوياتها، وهمها التفكير في البيئة، واحتياجات الإنسان، وتضافرت فوق ذلك كله الصراعات الطائفية، والحروب، والإرهاب. 

تقرير التنمية الإنسانية لعام 2022 لا يرسم صورة متفائلة لمرحلة التعافي في العالم العربي بعد جائحة كورونا، صحيح أن الأمر أفضل من الحالة السوداوية التي وصلتها عام 2020، لكن حتى الآن لم يتجاوزوا مرحلة الخطر. 

أول ما يلفت الانتباه أن ثقة المجتمعات في المؤسسات العامة تضعضعت، والسلطات العامة استغلت وباء كورونا لفرض تدابير استثنائية مسّت الحقوق والحريات، وفرضت بعض الدول أحكام الطوارئ. 

الاقتصاد، والأمن المعيشي للناس كان على المحك، فالبطالة ارتفعت لتصل في متوسطها إلى 12.5 بالمئة، ومتوسط الدين الحكومي العربي بلغ ذروته ليصل إلى 60 بالمئة من الناتج المحلي عام 2020. 

كل هذه المؤشرات تبعث على الإحباط، ولا تفتح كوة للأمل، ولهذا فإن فقدان الشغف، والطموح بمستقبل أفضل أمر اعتيادي عند معظم الناس في بلداننا العربية. 

أعيش في عمّان، وسألت نفسي لماذا يغضب الأردنيون والأردنيات، ويتصدرون مؤشر العواطف السلبية، بعد أن جاءت الأنباء أننا في مقدمة الشعوب المُحتقنة والغاضبة؟ 

الحقيقة أن اكتشاف توتر وقلق الناس في بلادنا لا يحتاج إلى جهد جهيد لاستشعاره، يكفي أن تلقي نظرة سريعة على ما يُكتب على منصات التواصل الاجتماعي، أو أن تخوض تجربة القيادة في شوارع عمّان، والاستماع لشتى أصناف الشتائم، والتهديد بالنزول للشارع إذا نظر سائق للآخر، وأبدى انزعاجا. 

لماذا نغضب في الأردن، وهل هناك مبرر مثل لبنان والعراق الذي وجدهما المؤشر الأكثر غضبا، مع أنني أراهما أكثر استرخاء منا، رغم كل المصائب التي حلت ببلادهم؟ 

بكل وضوح، وصراحة، نحن نشعر بالقلق من المستقبل، ونخاف مما ينتظر أولادنا، وبناتنا، وأحفادنا، وتراودنا مشاعر بفقدان، أو ضعف الأمان الاجتماعي. 

بالعودة للماضي، في الأردن لم يكن الحال هكذا أبدا في السبعينيات، والثمانينيات، كان الناس أكثر استقرارا، وارتياحا، وأكثر تصالحا مع دولتهم، وأكثر قناعة بها. 

مثل أكثرية الأردنيين دائما أشعر بالتوتر، ولا أحس براحة البال، وبعد ما يقارب 40 عاما من العمل لست مطمئنا أنني سأعيش حياة كريمة، وكثيرا ما لُمت نفسي لماذا لم تهاجر لبلد يحميك حين تشيخ، وتكبر، وتتقاعد؟ 

من الطبيعي جدا أن يمر غالبية الأردنيين والأردنيات بالأحاسيس الخمسة التي رصدها مؤشر غلوب وهي القلق، والغضب، والحزن، والتوتر، والألم النفسي، وبكل ضمير مرتاح أكاد أجزم أن هذه هي الحالة السائدة في بلاد العرب. 

انظروا، ودققوا معي في بعض التفاصيل، جودة حياتنا تراجعت، الفقر تزايد، البطالة ارتفعت، والخدمات المقدمة للناس في انحدار. 

كيف لا نشعر بالغضب والأهل لا يطمئنون لجودة التعليم لأولادهم؟، وإذا دخلت مستشفى حكوميا وليس لديك تأمين صحي خاص، أو واسطة ليُعتني بك، ستُعاني الأمرين، وإذا استخدمت سيارتك ستشعر بالغضب من سعر البنزين، وسوء الشوارع، وهكذا، فلماذا لا نغضب؟ 

وما زاد الطين بِلّة، في الأردن والعالم العربي، أننا كنا نملك مساحات واسعة للتنفيس عن غضبنا، والتعبير عن أنفسنا، والآن مساحة الحريات تضييق، والحقوق تُهدر. 

ويسألونك بعد كل ذلك، لماذا يغضب الأردنيون، ولماذا العرب عامة غاضبون؟، إذا ما استبعدنا شظف العيش في عالمنا العربي، فإن الكثير من المدن تتسم بالجفاف، وتولّد مشاعر نفسية مُحزنة، فعمّان مثلا لا يُحاذيها بحر، أو نهر يُفرّج هموم الناس، وإن وجد في مدن أخرى قد تجده ملوثا، ويحتكر ضفافه الأغنياء، فتضيق المساحات، فلا نجد فضاء نصرخ به حتى لا نموت قهرا.

الحرة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى