تقسيم تعز وتوحيد اليمن

> هذه معادلة صعبة لكنه الواقع المؤلم، ما يجري لتعز قلب اليمن النابض ليس مجرد حصار ظالم تقوم به ميليشيات الحوثي، ولكنه تمزيق لتعز وبنيتها ومحاولة شيطنتها أيضًا وكأنها مرتع للتطرف.

الأمر بقدر ما هو مؤسف بقدر ما هو واقع يتبلور بوضوح بحاجة إلى مواجهة جادة كون آثاره تضرب عمق الوطن اليمني بقسوة لا مثيل لها.

دعونا نستعرض بوضوح التقسيم القائم لتمزيق تعز خلال الفترة الماضية فقط ثم نعرج على جزء من التاريخ قليلًا.

* الآن يتم تكريس واقع مستحدث يقول إن تعز مقسمة بين تعز الشرقية أو تعز الحوبان ومديريات التعزية وشرعب والمخلاف، وحتى المديريات والقرى المتاخمة لمحافظة لحج وإب والضالع.

بالمقابل حصر تعز الجنوبية بقلب المدينة وتسمى من باب التهكم محافظة شارع جمال عبدالناصر وهي قلب المدينة ومعها مديريات الحجرية وجبل حبشي.

وجرى سلخ تعز الغربية وهي مديريات الساحل بما فيها ميناء تعز التاريخي أي المخا وباب المندب وذوباب وموزع وكل الساحل وصار يطلق عليه تسمية دخيلة هي الساحل الغربي هكذا اسم وكأنه لا علاقة له بتعز أو حتى اليمن كلها.

ربما نقول هو واقع الحرب والحصار القائم، إذن هو حالة مؤقتة، وإذا كان الأمر كذلك فيجب وقف تكريس التمزيق ووقف إطلاق التسميات ووقف التشتيت الإداري القائم، نعم هناك تمزيق قائم ويجب وقفه باختصار.

* أما إذا ذهبنا قليلًا في التاريخ فحتى عشرين سنة فقط تم سلخ ثلاث مديريات كاملة من تعز، بحجة التقسيم الإداري الجديد ذهبت الحشاء إلى الضالع وذهبت القبيطة والمقاطرة إلى لحج، وتحجمت تعز بفقدان عشرين في المائة على الأقل من المساحة حينها، لكن كان الأمر مقبولًا كونه يعزز مسار الوحدة آنذاك ولا غربة بين المحافظات المعلنة أصلًا.

ولكن لنعود بالتاريخ قليلًا في فترة قبل الوحدة 1990. طوال الثمانينيات كان اجتزاء تعز عبر مناطق تذهب في اتجاه إب أو الحديدة، وهو مثير للدهشة أن كل المديريات التي تشكل ريف تعز من مدينة القاعدة وما جاورها بدلًا من تستفيد من قربها من تعز فهي تبعد كيلومتر واحد فقط عن مطار تعز، جرى تسميتها لمركز إب أي على بُعد ستين كيلومترا.

وأيضًا كان مقبولًا لسبب تاريخي واجتماعي، ربما لا يعرفه البعض الآن.

حيث أنه وحتى خمسين عامًا كانت كل هذه المنطقة لواء واحد (لم يكن في شمال اليمن تسمى محافظات؛ بل تسمى لواء وهذا حتى السبعينيات وكل لواء له محافظ وقائد عسكري هو قائد اللواء، والمديريات تحت تقسيم اسمه القضاء وهو جهة تضم عددًا من المديريات ومدير المديرية وكانت تسمى بالمناسبة ناحية وليس مديرية اسمه العامل وليس مدير المديرية، وجرى تغيير التسميات محافظات ومديريات).

وبالتالي هذه المنطقة كانت لواءً واحدًا من سمارة حتى السلطنة اللحجية، بمركزين توأمين تعز وإب، ليس لواءين؛ بل مخلاف واحد، حتى رأى حكم الإمام تقسيم الجغرافيا التي قال إنه فتحها؛ بل وكان أحمد حميد الدين يحكم تعز وشقيقه الحسن يحكم إب إمعانًا في تقسيم اللواء الواحد، فهذه الجغرافيا تشكل قلقًا لمركز التعصب لا قلقًا لليمن. فمن دون تعصب وبعيد عن أي مغالاة يبقى سكان تعز وأب وتهامة المخزون البشري الذي لا يريد تقسيمًا ولا يرغب بالحروب ويسعى إلى فتح كل آفاق حدود الوطن، لهذا هم في كل اليمن من سقطرى إلى صنعاء.

ولكن فكرة العصبوية للمركزية الشديدة القائمة على احتكار السلطة والثروة والقرار، يريد التقسيم والتقزيم لكل شيء.

ومن منظور أن كل ما هو خارج الجماعة الصغيرة أعداء، وزاد عليهم الآن أنهم أعداء وكفرة، وبسبب هذا المنظور الضيق عمد إلى تكريس احتكار السلطة وليس الدفاع عن وحدة الوطن كما يتغنى بهذا البعض، وإلى تمزيق بنية المجتمع وليس إلى استقرار الدولة كما يدعي.

ولكن في الأخير وبعد أن يذهب عمر من الضياع والقهر لهذا الشعب، سنصل إلى الحقيقة التي مفادها أن اليمن يستقر بقبول التنوع الهائل فيه وإلغاء احتكار السلطة والثروة لجهة بعينها.

نعم وفي التاريخ القريب نرى حرب 1994 نموذجًا حيًّا متجددًا لا ينسى، حيث جرى شرخ الوطن وشرخ أعظم إنجاز تاريخي، عبر اختزال الوطن بمجموعة وفرض السيطرة باسم الوحدة وإلغاء التنوع وضرب الديمقراطية بحجة الحفاظ على الاستقرار، فذهب الجرح عميقًا بالوطن اليمني ولم يشف حتى الآن.

والآن نصمت جميعًا حول ما يجري لتعز من تقسيم وتشظٍ وغرس خطاب مخيف للتمزق ستكون تبعاته أكبر من مجرد حصره في مديريات الحجرية أو الحوبان أو باب المندب.

باختصار على القيادة والأحزاب والنخبة، والحكومة وسلطات البلد، العمل بوضوح وسرعة لإعادة الاعتبار لتعز ووقف الحصار والتمزيق، لأننا بذلك نحمي وطنا يمنيا كاملا وليس منطقة بعينها، ونعيد الاعتبار للمشروع الوطني الجامع، وليس تعصبا جهويًا مناطقيًا أو عصبية ضيقة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى