الشرق الأوسط أكبر متضرر غذائيّا من الحرب الأوكرانية

> موسكو "الأيام" العرب اللندنية

> ​تلعب كل من روسيا وأوكرانيا دوراً جوهرياً في السوق العالمية للغذاء، وحذرت الأمم المتحدة من أن العالم قد يواجه مجاعات قد تستمر سنوات بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية الحالية.

ووفق ما أكدته الدكتورة سالي محمد فريد، في تقرير نشر بموقع “المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة” تحت عنوان “مأزق شرق أوسطي: هل يتفاقم الجوع العالمي بعد حظر صادرات الغذاء لبعض الدول؟”، فإن تبعات الحرب ستؤثر على الإمدادات الغذائية، وخاصة منها ما يتعلق بصادرات الحبوب. ولعل ما أسهم في احتداد أزمة الغذاء العالمية القرار الذي اتخذته الهند والذي يقضي بحظر صادراتها من القمح، لتُضاف إلى قائمة واسعة من الدول التي فرضت مؤخراً قيوداً على تصدير محاصيلها الزراعية ومُنتجاتها الغذائية.

  • تأثيرات الحرب

أثّر اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية منذ فبراير الماضي على الإمدادات الغذائية في العالم؛ إذ تسببت العقوبات الغربية في تقييد الصادرات الروسية عموماً، وصادراتها من الغذاء والمُنتجات الزراعية بشكل خاص. كما أن سيطرة روسيا على أجزاء واسعة من جنوب وشرق أوكرانيا، بما فيها من مساحات مزروعة، وإحكام سيطرتها على الكثير من موانئ أوكرانيا ومنعها من التصدير عبر الموانئ الأخرى، فرضت قيوداً واسعة على الصادرات الأوكرانية.

وجدير بالذكر أن روسيا تُعد أكبر مُصدر للقمح في العالم، فيما تحتل أوكرانيا المرتبة الخامسة، وهما تشكلان معاً حوالي 32 في المئة من صادرات القمح على مستوى العالم. علاوة على ذلك تستحوذ الدولتان على أكثر من ثُلث صادرات الحبوب في العالم، وهما تُؤمنان معاً 19 في المئة من إمدادات الشعير و4 في المئة من إمدادات الذرة في العالم. كما أنهما تحتلان مرتبة الصدارة في تأمين بذور اللفت، وتستحوذان على 52 في المئة من السوق العالمية لتصدير زيوت عباد الشمس.

ويُمثل القمح ما بين 15 و20 في المئة من إجمالي السعرات الحرارية المطلوبة لسكان العالم. وتعتمد بعض الدول، خصوصاً النامية، على الحبوب بنسب أكبر؛ إذ يُمكن استهلاك الحبوب بكميات ضخمة وبسعر مُنخفض مقارنةً باللحوم والألبان وغيرهما من أنواع الغذاء.

وإجمالاً، يمكن رصد تأثيرات الحرب الروسية – الأوكرانية على سلاسل إمدادات الغذاء في العالم، كما يلي:

1- تعطيل النشاط الزراعي الأوكراني: أدى النزوح الكثيف للسكان من أوكرانيا إلى خفض أعداد المزارعين، ومن ثم تباطأت عمليات حصاد وتسليم المحاصيل الزراعية إلى الأسواق، وتراجع النشاط الزراعي في أوكرانيا خلال الفترة الأخيرة.

2- إغلاق الموانئ الأوكرانية: أُغلقت الموانئ الأوكرانية الواقعة على البحر الأسود، وهو ما تسبب في تعطيل سلاسل إمدادات الحبوب وغيرها من المحاصيل إلى الأسواق الخارجية. وبافتراض أنه لم تتضرر البنى التحتية للنقل الداخلي في أوكرانيا، بما في ذلك الطرق وشبكات السكك الحديدية، فسوف يتعذر شحن الحبوب الخشنة بواسطة القطارات بسبب عدم وجود نظام مُناسب للسكك الحديدية صالح لنقل الشحنات وبكميات كبيرة.

وأدت الحرب الحالية أيضاً إلى ارتفاع أقساط التأمين الخاصة بمنطقة البحر الأسود، مما زاد من تكاليف الشحن البحري المُرتفعة أصلا منذ بداية جائحة كورونا، وأسهم في ارتفاع أسعار الواردات الغذائية على المستوى العالمي مؤخراً.

3- صعوبات توريد لوازم الزراعة: كما هو معلوم، تُعد روسيا جهة رئيسية في سوق الطاقة العالمية؛ حيث تستحوذ على 18 في المئة من الصادرات العالمية للفحم، و11 في المئة من صادرات النفط، و10 في المئة من صادرات الغاز. وبطبعه يتطلب النشاط الزراعي الوقود والغاز والطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى الأسمدة ومبيدات الآفات ومواد التشحيم.

يختلف ما يحدث في روسيا وأوكرانيا بسبب الحرب والعقوبات عما يحدث في الهند، وإن لم تكن بمنأى عن هذه الحرب؛ حيث تعد الهند الدولة العاشرة الأكثر تصديراً للقمح، وقامت مؤخراً بفرض قيود على تصدير المنتجات الغذائية بما في ذلك القمح، لتنضم بذلك إلى قائمة واسعة من الدول التي فرضت قيوداً على صادرات الغذاء والمحاصيل، وتحوي القائمةُ الأرجنتين والجزائر وتونس وتركيا وإندونيسيا. وتشمل المحاصيلُ المحظورةُ الحبوبَ والفاكهة والخضروات وزيت النخيل وغيرها.

وتجدر الإشارة إلى أن قرار الهند القاضي بحظر تصدير القمح ليس ناتجاً فقط عن الحرب في أوكرانيا، وإنما أيضاً بسبب موجات الحر التي شهدتها البلاد في الأسابيع الماضية، والتي ستؤدي إلى خفض الإنتاج عن المستوى المُستهدف في الموسم الحالي، أي تجاوز الطلب الإنتاج المُتوقع، مُتسبباً في ارتفاع السعر المحلي للقمح في الهند، ما لم يتم تقييد الصادرات.

وبغض النظر عن الظروف الاستثنائية للهند، يبدو أن مُنتجي الغذاء والمحاصيل الزراعية اتجهوا إلى حظر وتقييد صادرات الغذاء بهدف توفير إمدادات كافية من المحاصيل المختلفة في الأسواق المحلية، وتعزيز استقرار أسعارها، وبالتالي حماية الأمن الغذائي في البلاد.

  • انعكاسات سلبية

يترتب على اتجاه الكثير من مُنتجي الغذاء والمحاصيل الزراعية في العالم إلى حظر صادراتهم، عدد من التداعيات السلبية على الأمن الغذائي العالمي، وهي كالتالي:

1- التأثير على سلاسل الإمدادات: فرضت الحرب الروسية – الأوكرانية اختلالات واسعة في سلاسل إمدادات الحبوب الخشنة والبذور الزيتية القادمة من أوكرانيا وروسيا، مما أثر على الأمن الغذائي في نحو 50 دولة تعتمد على روسيا وأوكرانيا لتأمين نسبة تفوق أحيانا 30 في المئة من إيرادات هذه الدول من القمح. كما تعتمد بلدان كثيرة في أوروبا وآسيا على روسيا لتأمين أكثر من 50 في المئة من إيراداتها من الأسمدة.

لكن من الواضح أن أزمة الغذاء ستؤثر بشكل متفاوت على دول العالم، وستكون الدول النامية هي الأكثر تأثراً. وبالنظر إلى أن كلاً من الصين والهند والبرازيل والولايات المتحدة هي أكبر أربع دول مُنتجة ومُصدرة للمحاصيل الزراعية في العالم، وهي تشكل أيضاً 43 في المئة من سكان العالم، فإنها ستكون أقل تأثراً بالأزمة الحالية.

2- ارتفاع أسعار السلع الغذائية: سجلت أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً كبيراً منذ شهر فبراير 2022 بسبب زيادة الطلب وارتفاع تكاليف المُدخلات وارتفاع أسعار الشحن والاختلالات في عمل الموانئ. فقد سجلت الأسعار العالمية للقمح والشعير حتى الآن ارتفاعاً بنسبة 31 في المئة، قياساً بعام 2021. وارتفعت أسعار زيت بذور اللفت وزيت عباد الشمس بنسبة 60 في المئة. وأدى كذلك ارتفاع الطلب والتقلبات في أسعار الغاز الطبيعي إلى رفع تكاليف الأسمدة، حيث ارتفع سعر اليوريا بأكثر من ثلاثة أضعاف بالمقارنة مع عام 2021.

3- تراجع الأمن الغذائي العالمي: رجح تقرير “بؤر الجوع الساخنة” الصادر بشكل مشترك بين منظمة الفاو وبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة تدهور الوضع الغذائي في 20 دولة تُعرف بـ”النقاط الساخنة”، ومن بينها دول عربية هي سوريا ولبنان والسودان والصومال واليمن وموريتانيا.

وتم تحديد هذه النقاط الساخنة من خلال تحليل مدى احتمال احتداد مشكلة انعدام الأمن الغذائي في تلك الدول تحت تأثير العديد من المُتغيرات، منها العنف المُنظم والصراعات والصدمات الاقتصادية، بما في ذلك الآثار الثانوية الناتجة عن جائحة كورونا، وتغير المناخ؛ ذلك أن مشكلة انعدام الأمن الغذائي التي تتطلب مساعدات إنسانية احتدت بصورة غير مسبوقة خلال السنوات الخمس الماضية، حيث كشفت التقديرات أن وباء كورونا دفع 132 مليون شخص إلى الجوع المزمن، وارتفع هذا العدد إلى 161 مليون شخص حتى مايو 2022.

4- تغير خارطة تجارة الغذاء: بما أن أزمة إمدادات الغذاء الرئيسية تتمثل في عدم تلبية احتياجات الدول من المحاصيل الزراعية، خاصةً القمح -علماً بأن قائمة أكبر 10 مستوردين للقمح تضم دولاً مثل إندونيسيا وتركيا وبنغلاديش والمغرب ونيجيريا والبرازيل والفلبين وغيرها- فإن الدول النامية تعد الأكثر تضرراً من الأزمة الغذائية ومن بينها بلدان الشرق الأوسط.

وهنا ستتضرر من الحرب الروسية – الأوكرانية منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل أكبر نظراً لاعتماد دول هذه المنطقة على واردات الغذاء، حيث تستورد من روسيا وأوكرانيا 42 في المئة من القمح و23 في المئة من الزيوت النباتية، وهو ما يجعلها عُرضة لارتفاع أسعار المواد الغذائية. كما أن انقطاع جزء فقط من إمدادات القمح سيدفع تلك الدول إلى البحث عن مصادر أخرى، وبأي تكلفة، لتزويدها باحتياجاتها، بدلاً من روسيا وأوكرانيا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى