ضاق الناس ذرعا يا هؤلاء

> معاناة الناس تفصح عن نفسها في خضم واقع تعيس مر، وما زال هناك من يقاوم بما أمكن لمجابهة ضنك الحياة وبؤسها، ومع ذلك تتلاشى كل فرص الصمود والمقاومة في مجابهة غول الأسعار الناري الذي يكوي البسطاء ومن كان ميسورا إذا اتفقنا أن ما زال هناك ميسورون في ظل ظروف كهذه، المثير في الأمر أننا في أفقر بلد في العالم ونشتري السلع والمتطلبات بأسعار أغنى بلدان العالم مع إضافة بعض الأعباء التي يتحملها المواطن.

من التقيناه اليوم واحد من نماذج المجتمع التي تحاول الكسب الشريف ولكن فاض الكيل وبلغ الأمر مبلغه وليس هناك بصيص أمل في ومضة ضوء تلوح من آخر النفق المظلم.

مر من أمامي يقود حماره المتعب صباح السبت الماضي بالصدفة أمام سوبر ماركت الأسرة في مدينة جعار، فحياني بتحية الصباح فرددت بأحسن منها ثم بادرني هل تشتري مني الحطب قلت بكم قال بخمسة آلاف ريال.

سألته من أين جلبته؟ فقال من اتجاه الوادي، ولم أفهم هل قصد حسان أم بنا بحكم أن دلتا أبين تقع بين ضفتي هذين الواديين، مسترسلا جمعته البارحة واليوم حملته من المخزن 10 كم جنوب جعار موقع سكني لعلي أبيعه.

قلت هل توظفت زمان يا حاج؟

قال أووووه ومازلت من المحالين المعلقين على ذمة التقاعد، التحقت في 1974م بمؤسسة الحفر في أبين وبعد 1986م تحولت إلى المحطة الكهروحرارية بالحسوة، فقلت كم راتبك؟ فضحك وقال لاعاد تسأل ولا تنكش مواجع، 50 ألف أيش تجيب لك؟ الكيس الدقيق بـ 41 ألف والزيت 20 لترا بـ 40.800 والرز الكيس بلغ 60 ألفا، قد الحبة البيض 200 ريال مكتفيا بالقول ياذا الطيب خليني الحق أبيع الحطب، فقررت بدافع الفضول الصحفي أمضي معه لمعرفة المزيد، قلت هل تتلقى أي إعانة من المنظمات الدولية، فسخر من سؤالي، قائلا السبار يوزعوه على جيرانا النازحين والذي ما هو نازح حسب ما معه من أصحاب من المنظمات، فقلت ممكن أتعرف عليك بعد أن أثنيت على كسبه الشريف من جمع الحطب، فقال واه بغيت من أسمي، قلت أنا كاتب صحفي وأحب الكتابة عن أمثالك ممن يكسبون لقمتهم بعرق جبينهم وبعز وناموس، فالتفت بعد أن أطمأن لي قائلا ما دامك بغيت أسمي محسوبك صالح سالم عمر بامطيرة العمر فوق السبعين أسكن المخزن ومعي عشرة أولاد خمسة شباب وخمس فتيات معظمهم تخرجوا من الجامعات ولكن بدون عمل، الأولاد ما حصلوا وظائف منهم من اتجه إلى العسكرة ولكن يا ولدي ماحد صرف لهم راتب كما تعرف عسكر بلا راتب من شهور، أما البنات بدون وظائف، فقلت طيب وين أساسا تبيع الحطب؟ فقال والله على أصحاب الأفران، مقصدي أيش تجيب الخمسة الألف الريال ياحاج، فعقب علي: ذلحين يا ولدي ما تصدق؟

قلت كيف؟ قال عادهم يتبخسوك، والأربعة أو الخمسة آلاف تضيع عليها يومين يوم إلى الوادي ويوم تجلب الحطب، يعني يومك بألفين إلى ألفين وخمس، مصاريف نار نار وقصب الحمار في اليوم حزمتين قصب بـ 800 ريال، والقصب ولع نار قلت: ولكن هذا مبلغ زهيد جدا.

قال: يا ولدي نمشي الحال ويش تحسب نروح نسرق في هذا العمر، يا لوماه بغينا نقابل ربنا بطهر وعفة، قلت: قبلة على رأسك لمسعاك في كسب شريف مهما كان ضئيلا، لكنها شيم الكرام لمن بقي من جيل الآباء والأمهات المحترمين الذين تربوا على العز والكسب الحلال مهما كانت الظروف، لقد بلغ السيل الزبى وحالة الناس لا ترحم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى