الجنوب ومعاناة السنين

> تمر الشعوب بمنعطفات خطيرة تهدد استقرار بلدانها وتضر بمعيشتها، لكن ذلك نادر الحدوث، وإذا حدث فلا تستمر معاناته طويلا، حتى أن السبع العجاف التي عاشتها مصر في زمن سيدنا يوسف كانت سبع فقط، وكان هناك نبي من الأنبياء أنقذ شعبها من المجاعة.

نحن في الجنوب ذقنا كثيرًا من المرارات والمعاناة طول سنين كثيرة، وفي مرات كثيرة، ولا نستطيع الجزم بأن هذه المرارات سببها غباء النخب الحاكمة أم هي مؤامرات الأعداء والأصدقاء.

في كل التحولات كان أبناء الجنوب هم من يدفعون الثمن، منذ يمننة الجنوب في 1967م إلى حروب الإخوة الأعداء في السلطة إلى الوحدة التي حولت عدن إلى قرية وصولا إلى احتلال الجنوب في 1994م وتحويل أبنائه إلى (خليك في البيت) أو (حزب الكنبة) كما يقول إخوتنا أهل مصر.

ومنذ الغزو الثاني للجنوب في 2015م وأبناء الجنوب يدفعون الثمن دماء ودموعا وتجويعا طوال ثمان سنوات، والحبل عالجرار، وأصبح الموظف والمتقاعد يقبض كل شهر بعض الريالات (المنحوسة) التي تفقد كل يوم جزءا من قدرتها الشرائية حتى لم يعد راتب الموظف يساوي ثمن كيس دقيق، فما بالكم بباقي متطلبات الحياة حيث لا يملك المواطن، في المدن الجنوبية خصوصا، إلا راتبه؟، والمجلس الرئاسي وحكومته وحتى الأشقاء في التحالف (أذن من طين وأذن من عجين) أما معاناة العسكريين فتفوق الخيال.

بقراءة لمختلف العواصف التي ضربت الإنسان الجنوبي، نجد أن في كل منها كان الجنوبي هو (المسلوب والسلب) كما قال المرحوم البردوني، (حالة واحدة كانت استثناء وهي حالة مواجهة غزو 2015م عندما توحدت إرادة أبناء الجنوب)، وبعد كل عاصفة نحمل طرفا من النخبة الجنوبية مسؤوليتها، فنحمل الجبهة القومية مسؤولية يمننة الجنوب، ونحمل الرئيس البيض والاشتراكي وزر الوحدة المشوهة ونحمل الرئيس هادي والزمرة مسؤولية احتلال 1994م لكن البكاء على اللبن المسكوب لا يفيد، فنحن أولاد اليوم ينبغي ألا نكرر أخطاء وخطايا الأمس القريب والبعيد.

ما نراه بالعين المجردة هو حالة حرب في الجنوب فقط، فهناك نشاط ملحوظ لتنظيمات التطرف وهناك تواجد عسكري متعدد الألوان في الشرق وهناك حالة قلق تعصف بمحافظة شبوة وهناك حالة تجويع (بالتضخم) وغياب للخدمات في كل الجنوب، وفوق هذا وذاك هناك تمزق نخبوي جنوبي مسكون بثقافة الصراع التي عصفت بالجنوب منذ ما قبل 1967م.

تتحمل النخبة الجنوبية وزر ما سيؤول إليه الحال في الفترة القادمة، فإن أحسنوا سيخلدهم التاريخ بأحرف من نور كما خلد مانديلا جنوب أفريقيا وكيجالي رواندا، وإن كرروا أخطاء من سبقهم فسيبقى برميل اللعنات مفتوحا لتستخدمه الأجيال القادمة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى