​مابين قتل الصيادين واستهداف قواربهم ..رصد بالأرقام لتأثر القطاع السمكي بسبب الحرب في اليمن

> تقرير/ وهب الدين العواضي

> أثّرت الحرب اليمنية، المستعرة للعام السابع تواليا، على كافة المجالات والقطاعات الاقتصادية للبلاد، لا سيما القطاع السمكي الذي يساهم بنسبة 3 % من الناتج المحلي الإجمالي، حيث تشكّل الثروة السمكية مصدرا هاما لفرص عمل جيدة لكثير من الأسر اليمنية، التي تعتمد عليها بشكل أساسي كمصدر للدخل، إضافة إلى تحقيق الأمن الغذائي للعديد من التجمعات السكانية، خاصةً القاطنة في المناطق الساحلية.

خلال سنوات الحرب التي اندلعت خريف 2015، تعرض الصيادون اليمنيون للكثير من المضايقات من قبل أطراف الصراع، وجملة من الصعوبات التي حالت دون ممارستهم الاصطياد في المياه اليمنية بالبحر الأحمر، كما هو الحال قبل الحرب، غير أن القطاع السمكي تأثر بشكل كبير، الأمر الذي أدى إلى تراجع حجم الإنتاج، بدوره تراجع حجم صادرت الأسماك إلى الخارج على إثر ذلك، وبفعل عوامل أخرى أيضا كارتفاع تكاليف النقل والأضرار التي لحقت بهذا القطاع الأخير.


تراجع مخيف

تسببت التأثيرات العميقة، التي نالت من القطاع السمكي إلى جانب المضايقات التي تعرّض لها الصيادون اليمنيون خلال سنوات الحرب وحتى وقتنا الحالي، في تراجع وانخفاض مخيف جدا لحجم الإنتاج السمكي، مقارنة بكمية الإنتاج قبل الحرب، بنسبة تتجاوز حاجز 65 % ، إذ وصلت إلى حوالي 61 ألف طن مؤخرا بعد أن كان حجم الإنتاج قبل الحرب في 2014 تحديدا بواقع 217 ألف طن من الأسماك، بحسب بيانات حديثة للهيئة العامة لمصائد البحر الأحمر.

وذكرت الهيئة أن تكلفة الخسائر والأضرار، التي طالت القطاع السمكي في البلاد، والتي شملت الموانئ ومراكز الإنزال السمكي وقوارب الصيادين، بلغت نحو 7 مليارات دولار أمريكي منذ 2015 وحتى 2020، مشيرة إلى أن استمرار التهديدات التي يتعرض لها الصيادون والعوامل الأخرى، التي أعاقت حركتهم وممارسة الصيد الآمن، أدى إلى تدني الصيد وتقليص نشاطه بشكلٍ كبير.

تراجع حجم الإنتاج السمكي ذلك جرّاء الحرب انعكس أثره على حجم صادرات الأسماك إلى الخارج، إذ - وفقا لوزارة الثروة السمكية - بلغت قيمة صادرات البلاد في 2019 فقط نحو 40 مليونا و828 ألف دولار عبر منفذي الوديعة والشحن البريين على حدود السعودية وعُمان، وميناءي عدن والمكلا، لكن هذه الأرقام ضئيلة للغاية مقارنة بما قبل الحرب - تحديدا سنة 2014 - التي بلغت قيمة صادرات الأسماك فيها نحو 205 ملايين 422 ألف دولارا أمريكيا، وهذا الانخفاض الكبير يشير إلى حجم الضرر والخسائر في ظل استمرار الصراع.

ثاني أكبر صادرات البلاد

قبل الحرب كانت صادرات الأسماك في المرتبة الثانية، على اعتبار أن القطاع السمكي يعد ثاني أكبر الصادرات والموارد في البلاد بعد النفط والغاز، وعلى الرغم من أن المخزون السمكي فيها يقدّر بحوالي 850 ألف طن، بينما كانت قدرة الموارد البحرية على الإنتاج - قبل الحرب - تصل إلى 400 ألف طن، بحسب التقرير الوطني للتنوّع البيولوجي، إلا أن الإنتاج الفعلي وقتذاك كان بنحو 290 فقط، وقد انخفض هذا الرقم بعد الحرب بنسبة أكثر من 65 %، كما ذكرنا سابقا.

يعتمد القطاع السمكي بشكل كبير على الصيد الحِرفي من خلال القوارب، لأن الصيد التجاري غير متطوّر بفترة قبل الحرب، الذي كان بنسبة 25 %، فكيف بالوقت الحالي، حيث يبلغ عدد الصيادين اليمنيين العاملين في قطاع الصيد التقليدي قرابة 127 ألف صياد ينتشرون في 10 محافظات، و3 قطاعات بحرية، يشكلون نحو 75 % من قطاع الثروة السمكية، الذي يشغل نحو نصف مليون يمني، بحسب وزارة الثروة السمكية.

ووفقا لتقرير الجهاز المركزي للإحصاء الصادر في 2014، فقد وصل عدد الجمعيات السمكية التعاونية إلى 146 جمعية، تتوزّع في المحافظات الساحلية العشر، أكبرها محافظة الحديدة، التي تنشط فيها نحو 44 جمعية تعاونية، حتى صدور ذلك التقرير، فيما كان يتواجد 3 مصانع محلية لإنتاج الأسماك مرخصةً قبل الحرب، وحينها كان يبلغ إنتاجها 30 ألف طن من الأسماك المعلّبة، وأيضا في سنوات الحرب الأخيرة جرى إنشاء 3 مصانع إضافية.

قيود أعاقت التصدير

أُغلقت الكثير من المنافذ البرية والجوية والبحرية في العديد من المحافظات الشمالية الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي، إما بسبب المواجهات العسكرية الدائرة هناك بالنسبة للمنافذ الجوية، أو قيود من قبل التحالف العربي في المنافذ الجوية والبحرية، أبرزها مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة، منذ بدء الحرب وحتى الآن، وحاليا يجري تصدير الأسماك في أربعة منافذ فقط، واقعة في المحافظات الجنوبية الخاضعة لسيطرة الحكومة، البرية منفذي الوديعة والشحن، والبحرية ميناءي عدن والمكلا.

قيود النقل المفروضة على منافذ التصدير المختلفة وإغلاق بعضها بسبب المواجهات، كانت من أبرز العوامل التي ساهت في تراجع حجم تصدير الأسماك إلى الخارج، يقول تقرير حديث لوزارة التخطيط والتعاون الدولي إن الصراع أدى إلى تراجعات تراكمية لصادرت السلع والخدمات بنسبة 81 % حتى عام 2020، مقارنة بعام 2014 قبل الحرب، وسجّلت صادرات الأسماك تراجعا تراكميا بلغ حوالي 80.3 %، مشيرا إلى أن إغلاق الحدود البرية مع السعودية أثّر بشكل رئيس على إنتاج صيادي الأسماك، ما تسبب في تراجع تصديرها.

وجاء في التقرير أن هناك عوامل عديدة أسهمت في انخفاض الإنتاج، منها: تأمين الوثائق، وتراخيص ممارسة الاصطياد، والحاجة إلى الأموال، وصعوبة توفير المعدات اللازمة للصيد (مثل القوارب والشباك)، إضافةً إلى القيود المفروضة على السفن العاملة.

ولفت إلى أن الأضرار، التي لحقت بالبنية التحتية لقطاع النقل -سواء الجوي أو البحري- (مدرجات المطارات وهناجر الطائرات وخروجها عن الجاهزية في عدة محافظات، والأرصفة والمخازن والمباني للموانئ والمصافي) أثّر بشكل كبير على حركة الشحن والتصدير، التي تراجع حجمها إلى 28.5 طنا بحلول 2020، بعد أن كانت نهاية 2014 بواقع 6075 طنا.

صعوبة الصيد

أصبحت ممارسة الصيد في المياه اليمنية والمياه الإقليمية بالبحر الأحمر أمرا في غاية الصعوبة ومحفوفا بالمخاطر، في حين أصبحت مناطق الاصطياد -على حين غفلة- ساحة مائية للصراع، وتركّز المواجهات العسكرية في تلك المناطق على امتداد الساحل الغربي للبلاد، لا سيما في المخا وباب المندب وذوباب بالقرب من البحر الأحمر، الأمر الذي حد من حركة الصيادين، إضافة إلى الضربات الجوية للتحالف التي استهدفت العديد من قواربهم، وانتشار الألغام البحرية التي تطلقها جماعة الحوثي في عَرض البحر.

في محافظة الحديدة، التي تمتد على شريطها الجنوبي معظم مناطق الصيد، ويبلغ عدد الصيادين فيها حوالي 67 ألفا و310 صيادا يملكون قرابة 15 ألف قارب صيد حتى نهاية 2014، وفق تقرير جهاز الإحصاء، يتعرّض صيادوها للكثير من المضايقات والتهديدات من قِبل أطراف الصراع.

"لم استطع الاصطياد والإبحار كالسابق، وعند انطلاقي نحو عُمق البحر على قاربي، لا أتوقع بأنني سأعود سالما، لكنني مجبر على الذهاب، لأنه مصدر دخلي ورزقي الوحيد"، يقول أحد الصيادين في مديرية الخوخة جنوبي الحديدة، كمال القبسي.

يؤكد الصياد القبسي لموقع "بلقيس" أن قاربه -في بداية اندلاع الحرب- تعرّض للقصف بغارة جوية للتحالف، وتدمر كليا، حين كان يرسو على شواطئ الخوخة؛ ليتقاضى بعد ذلك مبلغا ماليا لشراء قارب جديد، مشيرا إلى أن العديد من زملائه الصيادين تعرّضوا لذلك أيضا، وفقدوا قواربهم في الطريقة ذاتها، ومنهم من فقدوا أرواحهم.

"مناطق الصيد أصبحت محدودة للغاية، ولا نستطيع الصيد في أي مكان نريد كالسابق قبل الحرب، حيث هناك مناطق منع التحالف الاصطياد فيها، وهناك مناطق يسيطر عليها الحوثيون كذلك"، يضيف القبسي.

انتهاكات جسيمة

التوترات والصراع الدائر في المياه والسواحل اليمنية  قلّصت مساحة الاصطياد بشكل كبير، وضاق الخناق بالصيادين على إثرها، ما تسبب في تراجع حجم الإنتاج بتراجع كمية الأسماك التي بات يجلبها الصيادون في بيئة متعددة المخاطر، إذ من جهة تسيطر قوات التحالف على 60 % من الشريط الساحلي الغربي والمياه اليمنية، ومن جهة أخرى تقوم جماعة الحوثي بإطلاق زوارق مفخخة وألغام بحرية في محاولة منها لاستهداف سفن حربية للتحالف.

يقول تقرير حديث للمجلس النرويجي للاجئين: إن التحالف العربي شن غارات جوية استهدفت قوارب الصيادين وأسواق الصيد، وهناك ألغام بحرية زرعت في عرض البحر، مما جعل المياه اليمنية الإقليمية خطرة أمام الصيادين، مشيرا إلى أنه تم الإبلاغ عن مقتل وإصابة نحو 334 صيادا منذ عام 2015، وقت اندلاع الحرب، إضافة إلى تدمير مستودعين للصيد، وحوالي 35 قارب صيد تضررت أو دمّرت بسبب الغارات الجوية والألغام البحرية في عام 2018 فقط.

وفي تقرير آخر لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، صدر عام 2019، قالت فيه إن قوات بحرية للتحالف بقيادة السعودية نفذت على الأقل 5 هجمات على قوارب صيد يمنية في 2018، ما أسفر عن مقتل 47 صيادا يمنيا ممن كانوا على متن القارب، ومنهم 7 أطفال، إضافةً إلى احتجاز بعضهم وتعرّضهم "للتعذيب"، كما وصفت المنظمة في تقريرها.


تدمير الشُّعب المرجانية

تمركُز البوارج العسكرية وانتشار الألغام الأرضية في المياه اليمنية والإقليمية بالبحر الأحمر تسبب في أضرار جسيمة لحقت بالشُّعب المرجانية من خلال جرفها في أعماق المياه، إضافة إلى تدمير مناطق الاصطياد وهجرة الأسماك، الأمر الذي يشكو الصيادون من عدم توفّر الصيد والأسماك في تلك المناطق التي أصبحت متاحة لممارسة الاصطياد فيها مؤخرا؛ ليضطروا بعد ذلك إلى الإبحار في عُمق البحر والتوسّع نحو نطاق المياه الإقليمية معرّضين أنفسهم للكثير من المخاطر أوالاحتجاز من قِبل خفر السواحل الإرتيرية.

وفي هذا الصدد، يقول رئيس جمعية الزيادي التعاونية السمكية في الحديدة، هشام الرفاعي: "عدم توفّر الصيد في السواحل اليمنية بشكل عام يأتي بسبب الجرف والتدمير الذي تعرضت له الشُّعب المرجانية التي تتغذّى عليها الأسماك، خلال سنوات الحرب، وبالتي هذا أدى إلى قلة الإنتاج السمكي بشكل كبير للغاية، إلى درجة أن هناك صيادين أحيانا يبحرون ويعودن بلا أسماك أو بالقليل منها".

ويضيف الرفاعي أنه "قبل الحرب كان الصياد يحصل على الكثير من الأسماك في مناطق الاصطياد القريبة من السواحل، التي يكون الصيد فيها متوفرا بكثرة، غير أنه حاليا إما تنعدم الأسماك في تلك المناطق أو تتوفر في المناطق الممنوعة من الاصطياد"، لافتا إلى أن السفن العربية التي سمحت لها الوزارة في ممارسة الصيد سابقا، تسببت في جرف الشُّعب المرجانية أيضًا؛ نتيجةً للممارسة الضارة والخاطئة والعشوائية للصيد من قِبل تلك السفن.

"اعتداءات" تطال الصيادين

يتعرّض الصيادون اليمنيون لاعتداءات مباشرة ومتكررة في عرض البحر الأحمر بالمياه الإقليمية أثناء ممارستهم للاصطياد، إذ تطلق قوات خفر السواحل الإرتيرية العديد من دورياتها على المياه الإقليمية للدولتين، وتقوم بمطاردة الصيادين اليمنيين واعتقالهم واحتجاز قواربهم، إما في المياه الإقليمية أو حتى عند تجاوزها للمياه اليمنية، وفق أحاديث متفرّقة لصيادين أثقل هذا الوضع كاهلهم.

تعمل قوات خفر السواحل الإرتيرية -خلال سنوات الحرب- على اعتقال الصيادين بشكل متكرر واحتجازهم في سجونها لمدة تصل إلى ستة أشهر إلى أن تفرج على دفعات منهم بدون قوارب، وتستمر تصرفاتها على هذا الحال بالرغم من دعوات الحكومة اليمنية السلطات الإرتيرية إلى الإفراج عنهم، وتتهمها تكرارا بالقيام بالاعتداءات بحقهم، وسط مطالبتها بالتوقف عن تلك الممارسات التي تطالهم.

ومنذ مطلع عام 2020 فقط، احتجزت قوات خفر السواحل الإرتيرية نحو 30 قاربا لصيادين يمنيين، وفق جمعية الزيادي التعاونية السمكية، فيما كانت قد أفرجت -نهاية مارس من العام نفسه- عن 45 صيادا يمنيا من أبناء مديرية المخا، وصادرت قواربهم إلى جانب المئات من القوارب التي صادرتها خلال السنوات الماضية، وفي منتصف العام نفسه أيضا، أطلقت السلطات الإرتيرية سراح 113 صيادا يمنيا ممن اعتقلتهم سابقا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى